أصوات: “ربما كان هذا الكتاب الصادر عن دار الثقافة الجديدة قادرا في الأيام القادمة علي إثارة جدل ونقاش عام كالذي أثاره كتاب العلامة د. جلال أمين الشهير {ماذا حدث للمصريين } قبل نحو عقدين. فالمؤلف د. فكري حسن وهو أكاديمي موسوعي يتحدى النظريتين الهامتين في تفسير ما يُعرف بالشخصية القومية المصرية، وهي نظرية دول حوض الأنهار المركزية {ويتفوجل في الغرب ونزيه الأيوبي وأحمد صادق سعد في مصر} ولكن يتحدى نظرية الحسم الجغرافي الأشهر للعبقري جمالي حمدان. بل ويتحدى فكرة الشخصية القومية نفسها ويربطها بالسياق الحضاري للمركزية الأوربية من جهة ودوافعها الاستعمارية من جهة أخري.
يتحدث المؤلف عن {نسبية} صفات الشخصية القومية لأي شعب من مرحلة تاريخية لأخري، ومن منطقة ريفية إلي منطقة حضرية ويضع علاقات الانتاج ونمط توزيع الثروة وقيادة الانسان لبيئته وجغرافية موقعه أهمية تسبق العوامل الثابتة مثل هيدروليكية النهر أو الموقع الجغرافي الخاص مثل الموقع المصري كموقع حاكم لممرات الملاحة والتجارة والحرب والسلام في العالم.
وتُقدم أصوات أدناه الجزء الثاني من نص المقدمة التي وضعها الكاتب لتمهيد ذهن القارئ إلي ما هو مُقدِم عليه من مغامرة؛ بل ويحرضه على الاشتباك معها اتفاقا واختلافا .
في الفصل الثامن ركز الكتاب على الأسرة الريفية لما لها من تأثير قوى على الثقافة المصرية، ولعلنا نسترشد بملاحظة عباس محمود العقاد الثاقبة في ترجمته للأستاذ الإمام محمد عبده: “والأسرة على أوضاعها العريقة هي عصمة القروي من جور حكامه وعوارض زمانه سواء منها ما يتوطد بالجاه والنسب المتشعب والصهر المتجدد والعرف الموروث، متلاحقا متمكنا على مدى الأسلاف والأعقاب”، ويضيف إلى ذلك أنها عظيمة الشأن في آداب المصريين وأعرافهم وعواطفهم، وأنها أقوى ما يربطه بالمجتمع أو يربطه بالأمة والحياة القومية”. وأولينا في هذا الفصل اهتماما خاصا بدور تنشئة الأطفال وبالعلاقات الأسرية وقيمها وسلوكياتها، واهتممنا بالوضع الاجتماعي للمرأة وتبعاته، لما له من تأثير قوى على الخصائص الشخصية.
وفى الفصل التاسع، نتتبع التحولات التاريخية في التركيبة المجتمعية من فئات وطبقات تختلف في الثروة والمكانة والتعليم، وبالتالي في الخصائص الشخصية لأفرادها. وذلك في فترة العصر الحديث التي بدأ فيها التواصل بين أوروبا ومصر، على الرغم مما بينهما من اختلافات جوهرية وعلاقات أبعد ما تكون عن الندية. ومن أهم هذه الاختلافات نذكر ارتباط ظهور الصناعة في أوروبا بثورة فكرية وحراك اجتماعي أدي إلى أنظمة سياسية وأنماط ذهنية وسلوكيات مخالفة لما يسود في المجتمعات السلطوية المستبدة الزراعية كما كان الحال في مصر.
ونرصد في هذا الفصل أيضا، ما حدث في مصر من خطوات محسوسة نحو التصنيع منذ القرن 18 والتي لم تكلل بالنجاح نتيجة للسياسات الاستعمارية الأوروبية التي كان هدفها تعويق نمو صناعة وطنية قوية مما أدي إلى ظهور فئات مجتمعية انتفعت من الإنتاج الزراعي الموجه للربح التجاري.
كما نرصد ظهور قوى اجتماعية تشمل فئة من ضباط الجيش والمتعلمين والإداريين وكبار الموظفين من أبناء الفلاحين ومن أبناء متوسطي ملاك الأراضي من المصريين، الذين كانوا رواد نهضة فكرية وحراك مجتمعي منذ أواخر القرن التاسع عشر. ومع هذه النهضة الفكرية التي تمخضت عن ثورة 1919، لم يتغير حال الفلاحين بصورة جذرية حتى ثورة 1952، التي تكفلت بالإصلاح الزراعي وتمثيل الفلاحين سياسيا. ومع ذلك فما زالت هناك فجوة ثقافية بين غالبية الشعب في الريف، وقاطني المدن المنتمين إلى فئات اقتصادية متميزة.
وبناءً على ذلك نتصدى في الفصل العاشر لطرح نموذج إيضاحي خاص بمن استوطنوا المدينة، وما واكب ذلك من تحول في الاستراتيجيات الذهنية التي يعود بعضها إلى تحوير الاستراتيجيات الريفية مع استحداث استراتيجيات جديدة.
ويتبع ذلك في الفصل الحادي عشر توضيح نظرية النشاز الذهني واللاتجانس المجتمعي نتيجة للتداخل بين الموروثات المجتمعية الريفية التقليدية مع النظم المجتمعية الحديثة الذي يفسر العديد من الخصائص الشخصية للحضريين من المصريين منذ ما يزيد على قرنين من الزمان.
وفى الفصل الثاني عشر نولي اهتمامنا إلى البيروقراطية المصرية منذ نشأتها في عهد الخديوي إسماعيل، لما لها من تأثير طاغٍ على خصائص المصريين الريفيين والحضريين حتى الآن.
ولما كان التدين ظاهرة من الظواهر الاجتماعية للريفيين والحضريين على اختلاف مكانتهم وفئاتهم، نفرد الفصل الثالث عشر لهذه الظاهرة والدور الذي يلعبه التدين في المجتمع وتأثيره على الخصائص الشخصية للمصريين، كاستراتيجية نفسية فوقية.
كما أفردنا فصلا عن المرأة التي عادة ما تسقط من دراسات الخصائص الشخصية للمصريين على الرغم من كونها نصف المجتمع ولما لها من دور هام في التنشئة المجتمعية.
ولم نهمل ما للعنف من تواجد في المجتمع المصري (الفصل الخامس عشر)، ولا يصح أن نتغاضى عنه أو عن الأسباب التي تحدد أنماط معينة من العنف المجتمعي.
وتداركنا في الفصل السادس عشر ما يشاع عن لا مبالاة المصريين وسلبيتهم، لنستعرض استراتيجية التمرد والثورة، وهي ما لا يمكن تجاهله كَسِمَةٍ من خصائص المصريين، كما يتضح من تمرد الفلاحين وثوراتهم، والثورات الممتدة من أحمد عرابي، الباشا الفلاح إلى شباب الإنترنت في يناير 2011.
وفي نهاية المطاف، نقدم ملخص موجز لما طرحناه في الكتاب (الفصل السابع عشر).
في الفصل الثامن عشر، نقدم استطلاعا لما تعنيه مستقبليا بعض معالم الخصائص النفسية والاجتماعية للمصريين في مرحلة من التغيير والحراك الاجتماعي.
كما ألحقنا في فصل ختامي تعقيبا على المنهج الذي اتبعناه لمن يود أن يستكشف الأبعاد النظرية، والنهج الذي اتبعناه في تناولنا لهذا الموضوع الذي يمكن أن نتطرق إليه من خلال نظريات مختلفة ومناهج متعددة.
ولا بد في ختام هذه المقدمة، أن نؤكد على أن المصريين يتميزون كغيرهم من الشعوب بالتفاعل الديناميكي مع الواقع في إطار ما هو ممكن، وأن بعض الخصائص “الشخصية” ترتبط بفترات تاريخية وبمتغيرات محلية وقومية وعالمية، وأن شخصيات المصريين ترتبط بنشأتهم ومزاجهم ووضعهم الاجتماعي ومهنهم وثرواتهم وقدرهم من التعليم، وأن من يتحدثون في العادة عن “الشخصية المصرية” يخلطون بين فئات المجتمع وينتهون إلى نتائج مضللة عن التواكل والتكاسل والسلبية واللامبالاة والفردية والتحايل، وما إلى ذلك من خصائص يُنظر إليها بدون اعتبار للديناميكيات الشخصية وطرق التكيف التي ترتبط بالظروف المحيطة بالفرد والفرص المتاحة.