نقلًا عن اندبندنت عربية
على خلفية العملية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في التاسع من مايو (أيار) الحالي ضد غزة، جزم المراقبون السياسيون في تل أبيب بعدم وجود إستراتيجية تتبعها حكومة بنيامين نتنياهو الحالية أو الحكومات السابقة التي ترأسها للتعامل مع القطاع.
ويعتقد مراقبون إسرائيليون أن نتنياهو يمارس ضد غزة والفصائل الفلسطينية فيها، الأسلوب نفسه ويسميه معادلة الردع التي لم تنجح كثيراً في وقف الرشقات الصاروخية، وأن أسلوبه بات معتاداً بما يؤكد أنه لا يوجد إستراتيجية لديه.
سياسة الردع
وبالعادة تأخذ العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تنفذ في غزة الأسلوب نفسه، إذ يشن الجيش بواسطة الطائرات المقاتلة ضربات جوية على القطاع، بينما ترد الفصائل الفلسطينية على ذلك بإطلاق رشقات صاروخية صوب المدن الإسرائيلية، ما عدا قتال 2014 الذي تخلله عملية برية محدودة في بعض المناطق.
ووسط هذا الاعتقاد خرج نتنياهو للحديث عن إنجازات كثيرة حققها على صعيد قطاع غزة، عزز من خلالها سياسة الردع ومكنته من بناء اتفاقات هدوء ومصالح مع حركة “حماس” التي باتت لا تتدخل في أي قتال ولا تطلق القذائف على إسرائيل، وأن ذلك يأتي في تعزيز الانقسام الفلسطيني بين القطاع والضفة الغربية.
وقال نتنياهو في تصريحات إعلامية “واهم من يظن أنه لا يوجد لدينا إستراتيجية للتعامل مع غزة منذ “حارس الأسوار” (قتال 2021) لم تطلق ’حماس‘ أية قذيفة صاروخية تجاه أراضينا، وتسببت هذه العملية بتغيير معادلة الردع، وهذا مستمر منذ عامين وسينطبق على حركة الجهاد الإسلامي قريباً”.
وأضاف، “الأمر أيضاً لا يقتصر على سياسة الردع فقد عملنا على بناء تفاهمات مهمة تجبر ’حماس‘ في معظم الأوقات على عدم التعرض لنا، وهذا يأتي في سياق الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة”.
الانقسام الفلسطيني
وبحسب نتنياهو فإن إسرائيل تسمح بتحويل الأموال إلى غزة بصورة منتظمة لأن ذلك يشكل جزءاً من إستراتيجية تهدف إلى الإبقاء على الانقسام بين حركتي “فتح” و”حماس”، وينبغي المحافظة على ذلك لأن من شأنه المساعدة على الحيلولة دون إنشاء دولة فلسطينية.
ولا يعد حديث نتنياهو عن سياسة الردع وبناء إستراتيجية تعامل مع قطاع غزة جديداً، بل كرره في أوقات عدة ومن بينها عندما قال في تصريحات سابقة له مع صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية إنه لن يعطي القطاع لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، معتبراً أن “الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية ليس سيئاً، وإذا ظن أحد أنه ستكون هناك دولة فلسطينية تحيط بإسرائيل من كلا الجانبين فهذا لن يحدث”.
ولا يخفي الإسرائيليون أن الانقسام الفلسطيني يعد مصلحة لهم ويحول دون التزام دولتهم بالاتفاقات الدولية في شأن الأراضي الفلسطينية، ويرى القائم بأعمال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق حاييم رامون أن لنتنياهو إستراتيجية واحدة في تعامله مع “حماس” وهي تعزيز الانقسام.
تفاهمات
ويقول رامون إنه “منذ عام 2009 توجد إستراتيجية وحيدة واضحة تجاه قطاع غزة يتّبعها رئيس الوزراء ويؤيدها وزراء الدفاع، وتتمثل في بناء تحالف غير مكتوب مع ’حماس‘ هدفه الحفاظ على الانقسام بين القطاع والضفة الغربية والحفاظ على الوضع السياسي الحالي”.
ويضيف رامون، “سمعت عام 2015 وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وهو يصف السلطة الفلسطينية بالعبء و’حماس‘ بالذخر، ولذلك يعمل نتنياهو جاهداً على منع عودة السلطة للحكم في غزة، ويحافظ على حكم ’حماس‘ لكن كثيراً من الإسرائيليين يصعب عليهم تصديق ذلك”.
ومن وجهة نظر رامون فإن نتنياهو يتعامل مع “حماس” وفق بعدين، الأول علني بأنها عدو والثاني مخفي بأنها حليف من أجل منع خيار الدولتين، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء لم يقصف “حماس” منذ عام 2019 إلا مرة واحدة كونها هي التي بدأت القتال.
وأبرمت حركة “حماس” برعاية الأمم المتحدة ومصر تفاهمات مع إسرائيل عام 2019 ووسعتها بعد قتال عام 2021، وشملت بنوداً كثيرة أبرزها سماح تل أبيب بنقل الأموال والمنح إلى قطاع غزة وإتاحة المجال لعمال القطاع للعمل في الأراضي الإسرائيلية.
ومع ذلك تؤكد حركة “حماس” أنها لا تجري أية تفاهمات أو حوارات مع إسرائيل وأن هذه استحقاقات، إضافة إلى أن القيادة الإسرائيلية تعد المستفيد الوحيد من بقاء الانقسام الفلسطيني الذي يجب أن ينتهي ضمن رؤية الانتخابات والمصالحة الوطنية.
من جانب آخر قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إن “الإستراتيجية الإسرائيلية الساعية إلى إدامة الانقسام لن تنجح، وسنذهب في خطوات برعاية عربية إلى مصالحة فلسطينية تغيظ إسرائيل التي من الواضح أنها غير معنية بالسلام ولا تريد الشرعية وترغب في بقاء واستمرار الانقسام الفلسطيني”.
منع الدولة
وفي الإطار نفسه قال عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” عبدالله عبدالله إنه “على مدى 15 عاماً تعد إسرائيل المستفيد الأول من الانقسام وبسببه تهربت من تنفيذ قرارات دولية مهمة، واليوم السلطة الفلسطينية واثقة أن إستراتيجية نتنياهو شأنها منع إقامة دولة فلسطينية”.
وتابع، “لذلك لدينا رؤية واضحة بضرورة العمل على تحقيق المصالحة الفلسطينية وستكون هناك خطوات قريبة في هذا الشأن، وبالتعاون مع حركة ’حماس‘ لن نسمح لإسرائيل باستغلال مشكلاتنا لتحقيق أهدافها”.
ومن جهة “حماس” فإنها ترى أن المصالحة الحل الأفضل للقضية الفلسطينية، وأن استمرار الانقسام يخدم إسرائيل التي تعد المستفيد الأول والأخير من هذه الحال.
وقال المتحدث باسم الحركة فوزي برهوم في تصريحات صحافية إن “الاحتلال الإسرائيلي هو المتضرر الرئيس من المصالحة، وتل أبيب تريد لنا أن نبقى منقسمين، والرد الحقيقي على تصريحات بنيامين حول المصالحة والانقسام يجب أن يكون بمزيد من الوحدة والترابط والإسراع في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإنجاز إستراتيجية وطنية تجتمع عليها مكونات الشعب، من أجل التفرغ لمواجهة الاحتلال والدفاع عن حقوق شعبنا، و’حماس‘ لن تجري يوماً تفاهمات مع إسرائيل ولن يكون ذلك”.