عندما تولّى مبارك الحكم في 14 من أكتوبر 1982، كان الدكتور مصطفى كمال حلمي على رأس وزارة التربية والتعليم، منذ 19 من يونيو عام 1979، وربما لم ينتبه مبارك لوجود الرجل -الذي عُرف بالصمت التام- إلا في 5 من يونيو عام1984، فأبعده عن المنصب؛ لِيَخْلُفَه الدكتور عبد السلام عبد الغفار العالم التربوي الكبير، صاحب المؤلفات المهمة في الحقل التربوي والإسهامات البحثية العديدة.. بقي الرجل في الوزارة لنحو من عام، انكب فيه على وضع خطط للإصلاح والتطوير وتحسين أحوال المعلم والنهوض بالعملية التعليمية.. وقبل أن يؤتي هذا الجهد ثماره، رحل الرجل مع حكومة السيد كمال حسن علي، التي لم تدم مدة بقائها سوى أقل من 14 شهرا.
ومع حكومة الدكتور علي لطفي جاء منصور إبراهيم حسين وهو مهندس زراعي، عمل مدرسا لفترة ورُقّي ناظرا لإحدى المدارس، ثم انتقل للعمل بديوان الوزارة، وتقلّد عدة مناصب؛ حتى اختير وزيرا للتربية والتعليم، ولم تظهر للرجل أية آثار محمودة كانت أو مذمومة؛ إذ سرعان ما رحل مع حكومة لطفي؛ فلم تدم مدة توليه المنصب سوى 14 شهرا.
مع حكومة الدكتور عاطف صدقي التي تولت مقاليد الأمور خريف 1986، ذهب المنصب الرفيع إلى أستاذ القانون الدكتور أحمد فتحي سرور، الذي قاربت فترة توليه للمنصب السبع سنوات؛ شهدت العديد من القرارات الخاطئة وغير المدروسة وأهمها إلغاء الصف السادس الابتدائي بالقرار رقم (233) لسنة 1988، وهو الأمر الذي استمر لنحو من إحدى عشر عاما قبل إلغائه بالقرار (23) لسنة 1999، بتعديل قانون التعليم رقم (139) لسنة 1981.
وتشير الدكتورة نهى عبد الكريم في كتابها “صنع القرار في السياسة التعليمية: الأطراف الفاعلة والآليات” الصادر عن الدار المصرية اللبنانية 2009، إلى أن قرار الإلغاء والرجوع فيه على هذا النحو، يدل على التضارب والتناقض والعودة دائما للمربع الأول، وهي سمة مميزة لعملية اتخاذ القرار التربوي في مصر، بما تمثله من إهدار للوقت والجهد والأموال، كما يؤدي إلى إضعاف ثقة المجتمع بالتعليم، وما يُتخذ بشأنه من قرارات تخضع لاعتبارات كثيرة منها ما هو أمني ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي، ويأتي الاعتبار التربوي في ذيل تلك الاعتبارات، وربما لا يُلتفت إليه مطلقا.
وخلال سنواته السبع في الوزارة استحدث سرور عددا من المؤسسات والهيئات، كان من أهمها: مركز تطوير المناهج، الهيئة العامة للأبنية التعليمية، صندوق دعم المشروعات التعليمية، والمركز القومي للتقويم التربوي والامتحانات.
لم تسهم تلك الاستحداثات إسهاما حقيقيا في تطوير التعليم المصري؛ وبقي الحال على ما هو عليه من توسع في التعليم الخاص من أجل تلبية الطلب المتزايد من الطبقات التي صنعتها سياسات الانفتاح وقوانين الاستثمار، على تعليم متميز لأبنائها، يعزز من الانقسام المجتمعي؛ مانحا فئة بعينها الأفضلية في الالتحاق بالجامعات – كليات القمة تحديدا- وصولا إلى التمييز الصارخ عند الالتحاق بالوظائف؛ وفق شروط وضوابط سوق العمل الجديدة.
مع حكومة الدكتور الجنزوري الأولى التي جاءت في 14 من أكتوبر 1993، وصل الدكتور حسين كامل بهاء الدين لكرسي الوزارة، وبهاء الدين كما هو معلوم طبيب أطفال؛ لكنه ممن عرفوا العمل السياسي والانضمام للتنظيمات السياسية مبكرا؛ لذلك يمكننا القول أنه أتى من خلفية سياسية ولديه رؤية للإصلاح ترتكز على منظومة أفكار تقدمية.. ما جعله يصطدم غير مرة بالمجتمع، لتناصبه جماعات الإسلام السياسي العداء علانية، من خلال المطبوعات العديدة التي كانت تحت أيديهم، وما زاد من حنقهم عليه أن الرجل كان أحد أعضاء التنظيم الطليعي الذي أسسه الرئيس عبد الناصر، وضم صفوة من شباب مصر آنذاك.
كان تجريم الضرب في مدارس الوزارة، من أشهر قرارات بهاء الدين التي أحدثت جدلا واسعا في المجتمع المصري، تبعه قرار أكثر جرأة وخطورة عام 1994، وهو منع حجاب الطالبات نهائيا في المرحلة الابتدائية، وقد قُوبل القرار بموجة من الاعتراضات، وصلت لحد رفع الدعاوى القضائية؛ لكن بهاء الدين لم يتراجع.. ووصل الأمر للمحكمة الدستورية العليا التي حكمت في عام 1996، بتأييد قرار الزى المدرسي الذى يحظر ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية، وبإجازته بموافقة ولى الأمر في مرحلة التعليم الثانوي.
وكان من أهم القرارات التي فُعّلت في عهد الرجل.. قراره بجعل الحصول على شهادة الثانوية العامة، وفقا لمجموع درجات السنتين الثانية والثالثة، لا الثالثة فقط.. كما استحدث نظاما لتحسين الدرجات أتاح للطالب دخول الامتحان أكثر من مرة (أربع مرات في مواد الصف الثاني، ومرتان في مواد الصف الثالث) ما جعل نسبة نجاح بعض الطلاب تتجاوز 100% بعد إضافة درجات المستوى الرفيع.. لذلك ألغي نظام التحسين هذا بعد عامين فقط.
وكان زلزال مدمر قد ضرب مصر في أكتوبر من العام 1992، ما تسبب في انهيار وتصدع العديد من المدارس، ما جعل بهاء الدين يبدأ بالتنسيق مع عدد من الوزراء؛ لتنفيذ مشروع بناء نحوٍ من 16 ألف مدرسة، وبالفعل نجح الرجل في تكوين بنية أساسية قوية للعملية التعليمية في مصر؛ لكن في مقابل ذلك.. طال الإهمال الجسيم العملية التعليمية في كافة عناصرها، وتحوّل الأمر إلى مجرد توجيهات إلى وكلاء المديريات التعليمية ومنهم إلى الإدارات ومنها للمدارس؛ لكنها لم تكن لتلقى أي صدى في ظل غياب منظومة شاملة ورؤية واضحة للإصلاح والتطوير.
اهتم بهاء الدين كذلك بإنشاء مراكز التعليم والتدريب لمئات الآلاف من المعلمين داخل البلاد، كما أرسل نحوًا من 15 ألف معلم في بعثات إلى بلاد العالم المتقدمة.. لكن مردود ذلك على العملية التعليمية كان ضعيفا، ولم يسهم ذلك في إصلاح حال المعلم الذي وجد في الدروس الخصوصية سبيلا للنجاة من العوز والحاجة، في ظل ضعف الرواتب.. لكن ذلك لم يشمل سوى فئة محدودة من المعلمين، وبقي حال الغالبية على نحو من السوء لا يخفى على أحدٍ، ما تعذّر معه أي شكل لتطوير العملية التعليمية.
ويذكر للدكتور حسين كامل بهاء الدين؛ أنه أول من وضع المعايير القومية للتعليم في مصر، والتي كانت محل تقدير هيئات دولية عديدة، على رأسها اليونسكو واليونيسيف.
مع وزارة نظيف الأولى جاء الدكتور محمد جمال الدين موسى، وهو من عمداء كليات التربية، وزيرا للتعليم، واستمر لمدة عام واحد في المنصب لم يترك خلاله أثر يُذكر، تبعه الدكتور يسري الجمل الذي استحدث نظام كادر المعلمين، الذي اعتبره كثيرون أكبر إهانة تُوجّه للمعلمين المصريين، كما وضع الرجل نظاما للثانوية العامة، يعود بها إلى مجموع درجات السنة الواحدة مع اعتماد درجات التقويم الشامل، مع اعتبار الثانوية العامة شهادة منتهية مؤهلة لسوق العمل واستحداث اختبار للراغبين في الالتحاق بالتعليم الجامعي، ولم يطبق مشروع الجمل إذ أقيل فجأة ليأتي بدلا منه أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل، وهو الدكتور أحمد زكي بدر، الذي لم يطل به المقام في الوزارة إذ رحل مع حكومة نظيف، بعد اندلاع أحداث يناير 2011، التي أدت إلى تنحي مبارك، وتسلُّم المجلس العسكري مقاليد الحكم في مصر، ليدخل التعليم في مصر مرحلة جديدة.. سنحاول تبين ملامحها في المقال القادم بمشيئة الله.