طرح إعلان السودان إعادة استئناف العلاقات مع إيران منذ أيام، العديد من التساؤلات، خاصة أن توقيت هذا الإعلان يأتي متزامنا مع عدد من التطورات الإقليمية؛ فهو يأتي بعد يومين من انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، وبعد دخول الصراع العسكري بين الجيش السوداني والدعم السريع شهره السابع؛ هذا فضلا عن أنه يأتي في ظل التطبيع بين السودان وإسرائيل، الذي بدأ قبل نحوٍ من أربع سنوات.. وكذلك في ضوء ملامح التقارب الخليجي مع السودان، بعد عقود من الفتور بين الجانبين.
والمُلاحظ أن إعلان الخرطوم وطهران عن عودة العلاقات بينهما، لم يكن مُفاجئًا؛ حيث سبقه لقاء بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ونظيره السوداني المُكلف علي الصادق، على هامش اجتماع اللجنة الوزارية لحركة عدم الانحياز، الذي كانت العاصمة الأذربيجانية باكو قد استضافته، خلال يوليو الماضي.
رغم أن المقارنة بين إيران والسودان قد لا تكون دقيقة، في نواحٍ كثيرة؛ إلا أنهما -رغم ذلك- يُمثلان نموذجًا لأحد البني السياسية المُركبة، التي تدار وفق مشروعين دينيين بمذهبين مختلفين. ففي حال إيران، فقد بدأ المشروع المذهبي مع قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، أما السودان فقد بدأ المشروع المذهبي بها مع الانقلاب الذي قاده عمر البشير، و”عراب” النظام حسن الترابي في عام 1989.
وبعد عقود على المشروعين، كان التقارب بينهما حينًا، والتباعد أحيانا أخرى، حتى انقطعت العلاقات تمامًا في عام 2016، في إثر اقتحام السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مشهد.. بعد سبع سنوات من قطع العلاقات- أعلن الجانبان عن إعادة واستئناف العلاقات الدبلوماسية، الاثنين 9 أكتوبر.
وكما يبدو، فإن ثمة مصالح لكل منهما، دفعت في اتجاه عودة العلاقات في هذا التوقيت.. لعل أهمها ما يلي:
أولًا: بالنسبة إلى السودان، تتبدى المصالح في جانبين اثنين..
من جانب، يمكن للسودان الاستفادة من التعاون العسكري مع إيران؛ إذ ساهم هذا التعاون من قبل في تعزيز قدرات الخرطوم، في إنتاج مختلف الأسلحة والذخائر. ولعل هذا يكون ضمن فوائد استئناف العلاقات بين البلدين؛ علاوة على إمكانية استفادة الخرطوم من التكنولوجيا الإيرانية في المجال النووي، لأجل إنشاء مفاعل في السودان لتوليد الطاقة الكهربائية، وسد العجز الكبير على هذا الجانب في البلاد؛ وإن كان هذا المستوى من التعاون سوف يواجه عدد من العقبات، وربما العقوبات، من جانب الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
من جانب آخر، يمكن للسودان زيادة التبادل التجاري مع طهران، خاصة إذا استطاع تخفيف “الديَّن” الذي تُطالب به إيران، والذي يصل إلى نحو نصف مليار دولار، جُله عبارة عن فوائد نتيجة استيراد حكومة جعفر نميري (1969-1985)، نفطا بالدفع الآجل من طهران، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي. ومن ثم، يمكن لاستعادة العلاقات الدبلوماسية أن تفتح آفاقًا أمام التعاون الاقتصادي بين البلدين؛ خاصة في حال استطاع السودان الحصول على تسهيلات من جانب طهران، لاستيراد النفط والبتروكيماويات، بصفة مقايضة مقابل صادرات سودانية، زراعية وحيوانية.
ثانيًا: بالنسبة إلى إيران، تتبدى المصالح في أكثر من جهة..
من جهة، فإن طهران تنظر إلى السودان من منظور جيوسياسي، من واقع اهتمامها بالحصول على موطئ قدم على سواحل البحر الأحمر؛ بشكل يكون ليس بعيدًا عن قناة السويس وسيناء وسواحل غزة ولبنان، وهي المسارات التي كانت تستغلها من قبل في إرسال شحنات تسليحية إلى غزة وجنوب لبنان؛ ما أدى إلى هجمات إسرائيلية على شرق السودان، في مارس 2009، وأيضًا على مصنع اليرموك في الخرطوم، في 2012؛ نتيجة لمجموعة من التقارير الغربية.
من جهة أخرى، كان السودان قد برز، قبل قطع العلاقات مع طهران، كـ”نقطة جذب” للتنقيب عن النفط من قبل الصين، وبمشاركة إيران؛ وبالتالي، يُمثل السودان مدخلًا لطهران إلى حقوله النفطية، فضلًا عن حقول نفطية أخرى اكتشفت حديثًا في القرن الأفريقي، خاصة في إثيوبيا والصومال. أضف إلى ذلك، أن طهران التي تمتلك حصة في منجم لليورانيوم في ناميبيا، ربما تنظر بقدر من الأهمية لهذا المعدن مستقبلا، في ظل تقارير تتحدث عن وجوده في دارفور.
من جهة أخيرة، سوف تتيح إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السودان لإيران الفرصة لتحسين استراتيجيات التنويع الاقتصادي لديها؛ خاصة أن الصادرات الإيرانية إلى الدول الأفريقية، بحسب تصريحات بعض المسئولين الإيرانيين، قد زادت بنسبة 100% خلال العام الماضي، 2022. ولعل ذلك ما تتمكن من خلاله طهران من الترويج لمشروعاتها واستثماراتها في السودان، باعتباره إحدى أهم البوابات إلى منطقة القرن الأفريقي، على الأقل بعد أن يضع الصراع العسكري الحالي أوزاره.
رغم المصالح التي تدفع كل من السودان وإيران إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، إلا أن ثمة تداعيات محتملة ستترتب على عودة العلاقات، خاصة في هذا التوقيت. ففي الوقت الذي سيحاول فيه السودان الحصول على دعم عسكري إيراني، في مقابل محاولات طهران “استرداد الثمن” عبر تمديد نفوذها على سواحل البحر الأحمر- سوف يُثير ذلك حفيظة الدول الإقليمية الكبرى، خاصة مصر، فضلا عن دول الخليج العربية التي ترى أن الوجود الإيراني يُهدد الحدود الغربية لها.
أضف إلى ذلك، أن استئناف السودان لعلاقاته مع إيران، سوف يُزيد الوضع الهش في السودان تعقيدًا؛ وذلك لارتباط عودة تلك العلاقات بمخاوف لأطراف إقليمية ودولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل؛ خاصة أن هذه الأخيرة، بعد عملية “طوفان الأقصى”، ستكون أكثر حذرًا من أية تحركات إيرانية يمكن أن تساهم في دعم إيراني لحماس، وهو ما يعني تكثيف إسرائيل مراقبتها لمنطقة البحر الأحمر؛ بما يعنيه من تزايد في التوتر الإقليمي.
وبكلمة، فإن مسار عودة العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران، من المرجح أن يسير في اتجاه التركيز على “الخرطوم”، باعتبارها بمثابة “برج المراقبة” للأحداث في الدول الأفريقية، خاصة تلك التي ترتبط مع طهران بمصالح مباشرة، وتقع في المحيط الجغرافي، والإقليمي، للسودان.