أعلنت الجزائر إجراء انتخابات رئاسية “مُسبقة” في السابع من سبتمبر القادم، بدلا من السابع من ديسمبر، أي قبل ثلاثة أشهر من الموعد المُقرر في الأصل. وقد عبر هذا الإعلان عن خطوة مُفاجئة بالنسبة إلى كثير من المتابعين للوضع الجزائري؛ خاصة أن ثمة تكهنات كانت قد أثيرت حول احتمال تأجيل الانتخابات.
وقد أحدث قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية، جدلا واسعا في البلاد؛ وذلك لعدم تبيان الأسباب التي تستدعي قرارا بمثل هذه الأهمية، خاصة أن وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية كانت قد أكدت، في نهاية فبراير الماضي، أن الانتخابات “ستجري في موعدها المحدد دستوريًا”.
اللافت، أن قرار إجراء الانتخابات الرئاسية قبل موعدها، يتضمن عددا من الدلالات السياسية التي تؤكدها مجموعة من المؤشرات.. أهمها ما يلي:
فمن جانب، يبدو تنامي الضغوطات السياسية داخليًا وخارجيًا؛ حيث يبدو أن استباق الموعد الرسمي للانتخابات، هو نوع من استباق إكراهات وضغوطات ذات بعدين داخلي وخارجي؛ وذلك من خلال محاولة إرباك عدد من الأطراف التي تحاول إعاقة التغيير، وعرقلة السياسات الداخلية والخارجية للرئيس؛ خاصة في ظل مجموعة من الإخفاقات التي تعرضت لها سياسات تبون على المستوى الخارجي، الإقليمي والدولي.
إذ، كما يرى الكثيرون، فقد أخفقت الجزائر في كثير من الملفات إقليميًا، إذ تراجع دورها في مالي والنيجر، فضلًا عن هامشية دورها في ليبيا. أما دوليًا، فقد توترت العلاقات مع فرنسا، إضافة إلى التوجس الأوروبي جراء الأزمة الجزائرية مع إسبانيا. وأيضا ظهر الإخفاق في عدم دعم موسكو وبكين لطلب الجزائر في عضوية مجموعة بريكس، بما رأى فيه الكثيرون أن التوجه الجزائري ناحية الشرق الآسيوي، لم يكن ناجعًا بالقدر الكافي.
من جانب آخر، تتبدى الرغبة في إنهاء الانتخابات الرئاسية قبل نهاية العام؛ فمن المنظور القانوني والدستوري، الجزائري، تنتهي رسميًا العهدة الرئاسية للرئيس تبون في 19 ديسمبر القادم، وتُجرى الانتخابات قبل شهر من نهاية العهدة الرئاسية؛ وبالتالي فإن تقديم موعد الانتخابات يأتي من أجل الانتهاء من هذا الاستحقاق الانتخابي قبل نهاية العام، خاصة أن فترة تقديم الموعد ليست بالفترة الطويلة، بقدر ما هي محاولة في تقديمها من الشتاء إلى الخريف.
فإجراء الانتخابات في نهاية نوفمبر وبداية ديسمبر، ربما لا يكون مُناسبًا من منظور الأحوال المناخية، وبرودة الجو، التي ستؤثر على الفعاليات السياسية والحملات الانتخابية، فضلا عن تأثيرها على نسبة المشاركة في عمليات الاقتراع؛ بما يعني أن أحد أسباب تبكير الانتخابات هو “سبب تقني”.
أضف إلى ذلك، أن ارتكاز السلطة الجزائرية على محاولة حسم الاستحقاق الانتخابي، الخاص بالرئاسة، في توقيت مُبكر، إنما يأتي تحسُّبًا لعدد من التغيرات المحتملة، والمعقدة، على المستويين الدولي والإقليمي؛ إذ إن عددًا من الدول على مستوى العالم سوف تشهد انتخابات قبل نهاية هذا العام، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
إضافة إلى ذلك، من جانب أخير، هناك محاولة الرد على مسألة تأجيل الانتخابات الرئاسية؛ وهي المسألة التي كانت قد أثارتها في الأساس وسائل إعلام خارجية. إذ بعد الجدال السياسي الحاصل جراء ذلك، يأتي إعلان الرئيس تبون عن إجراء الانتخابات، قبل موعدها الذي كان مُقررًا في نهاية العام، ليُمثل ردًا على إثارة احتمال التأجيل، وإنهاءً للجدال الذي شهدته الساحة السياسية في الجزائر مؤخرًا.
والمُلاحظ، أن الرئيس الجزائري بإعلانه هذا، لم يكن يستهدف فقط الساحة السياسية الداخلية؛ ولكن أيضًا بعض وسائل الإعلام الخارجية الإقليمية والدولية، التي أثارت مسألة “تأجيل الانتخابات الرئاسية” قبل عدة أشهر؛ وذلك، في محاولة للتأكيد على استمرارية الجزائر في مسيرة الاستقرار السياسي والدستوري.
فضلا عن الضغوط السياسية، الدافعة إلى قرار تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، فإن هناك بعض الغايات السياسية، التي تُمثل دوافع للرئيس تبون في هذه الخطوة.. أهمها محاولة إظهار عدم التمسك بالاستمرار في السلطة؛ حيث يتضمن إجراء انتخابات مُسبقة، رمزية سياسية تؤشر إلى إظهار أن الرئيس غير متمسك بالسلطة، وغير مُصر على الاستمرار في الحكم؛ بل هو على استعداد لترك مسألة الرئاسة للتداول “الديمقراطي”؛ وهي رسالة موجهة للخارج الدولي والإقليمي، ربما أكثر من الداخل الجزائري.
ولعل مما له دلالة، أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لم يُعلن حتى اللحظة عن نيته في الترشح لـ”عُهدة ثانية”، أو خوض انتخابات الرئاسة التي عُجِّلَ موعدها، تاركًا الأمر برمته إلى منطق الاحتمالات المفتوحة.
ولعل عدم الإعلان عن نية تبون في الترشح، يستهدف طلب الحصول على تفويض شعبي أكبر؛ إذ، من الواضح أن قرار تبكير موعد الانتخابات الرئاسية، من دون أن تسبقه أحداث أو توترات سياسية، أو مؤشرات سلبية عن الحالة الصحية للرئيس، يأتي كمؤشر دال على نية تبون في الترشح لفترة ولاية رئاسية ثانية، رغم عدم الإعلان عن ذلك حتى الآن.
وبالنظر إلى ضعف الأحزاب الجزائرية الحالية، وتردد كثير من الشخصيات الحزبية أو المستقلة عن الترشح، فضلا عما يتسم به الوضع السياسي العام في البلاد من استقرار؛ كل ذلك يؤشر إلى الرسالة التي يُريد تبون إيصالها، أن الجزائريين هم من سيطلبون ترشح الرئيس مرة أخرى؛ بما يعني الرغبة في الحصول على تفويض شعبي أكبر.
في هذا السياق، يُمكن القول بأن الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وإن كان مُفاجئًا، ورأى فيه البعض تعبير عن حال من الانقسام داخل مكونات السلطة الجزائرية، وأن تقديم الموعد يعني عدم ترشح الرئيس مرة أخرى؛ إلا أن ملامح الاجتماع الذي سبق الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات، يؤكد على حال التوافق بين مكونات السلطة الجزائرية، ويلغي تماما فكرة احتمال رحيل تبون وانتخاب رئيس جديد.