مختارات

الحركة الطلّابية الأمريكية.. 7 ملاحظات!

بقلم: عمرو حسين، كاتب صحفي

نقلًا عن موقع عروبة

عمرو حسين

في صيف عام ١٩٧٠، ومع تصاعد الغضب الشعبي ولا سيّما الطلّابي في الولايات المتحدة الأمريكية ضد حربها في فيتنام، اقتحمت قوات الحرس الوطني الأمريكي في ولاية أوهايو حرم جامعة “كنت ستايت” وأطلقت النار على تظاهرة طلّابية ضد الحرب، ما أسفر عن مقتل ٤ طلّاب.

مثّلت تلك الحادثة التي اشتهرت لاحقًا باسم “مذبحة كنت ستايت” لحظة الذروة في استخدام الحكومة الأمريكية – إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون تحديدًا – العنف المفرط ضد المعارضة الطلّابية لحرب فيتنام، وباتت مثالًا في الثقافة الشعبية على القمع، وانتشرت أغنية في أوساط الطلبة صاغها الفنان الأمريكي نيل يونغ تلخّص أحداث المقتلة، تقول كلماتها:

“أقبل الجنود ومعهم نيكسون.. أخيرًا صرنا بمفردنا

هذا الصيف أسمع صوت قرع الطبول.. فهناك ٤ قد قُتلوا في أوهايو”.

لا يملك المتابع للأحداث الجارية سوى أن يسترجع تلك الحادثة الدامية وهو يشاهد عبر شاشات التلفزة اليوم ومواقع التواصل الاجتماعي انتفاضة طلّابية مماثلة تجتاح الجامعات في الولايات المتحدة ويشاهد في الوقت ذاته قمعًا أمنيًا وصل إلى حد الاستعانة بالحرس الوطني من جديد في تناقض تام مع ما تدعيه الحكومات الأمريكية المتعاقبة من إتاحة حرية التعبير إلى أقصى حد ممكن لمواطنيها. إلا أنّ الاحتجاجات الطلابية هذه المرّة ليست ضد حرب أمريكية في مكان قصي من العالم ولكنها ضد دعم واشنطن غير المحدود لحرب الإبادة الجماعية الصهيونية في قطاع غزّة.

فما بدا كاعتصام محدود في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك الأمريكية لطلبة مناصرين للقضية الفلسطينية، تحوّل إلى حركة شعبية واسعة النطاق بسبب قيام رئيسة الجامعة المذكورة تحت وطأة ضغوط من أعضاء الكونغرس الأمريكي المساندين للكيان الصهيوني باستدعاء قوات الأمن لفض الاعتصام، الأمر الذي أثار غضب أطراف عدة في الجامعة، إذ لم يعد الأمر متعلّقًا بمناصرة غزّة فحسب بل بانتهاك الحريات الأكاديمية.

عاد الطلبة إلى الاعتصام رغم الاعتقالات التي طالت عددًا كبيرًا منهم، وسرعان ما توسّعت دائرة الاحتجاجات لتشمل جامعات أخرى في نيويورك، ثم سرت فكرة الاعتصام من أجل غزّة كالنار في الهشيم إلى ولايات مختلفة.

وفي خلال أسبوع لا أكثر أقام الطلبة مخيمات اعتصام في حرم جامعاتهم على غرار كولومبيا تضامنًا مع غزّة، وامتدت الاعتصامات إلى أكثر من ١٥ جامعة بامتداد الولايات المتحدة من بينها “كولومبيا” في نيويورك، “هارفارد” في ولاية ماساتشوستس، جامعة ولاية ميتشيغان، جامعة ولاية كاليفورنيا، جامعة ولاية مينيسوتا، جامعة ولاية كارولاينا الشمالية، جامعة جنوب كاليفورنيا، وغيرها.

ويمكن ملاحظة عدة أمور على هذه الموجة من الاحتجاجات الطلابية؛

أولها: التنوع الهائل في خلفيات المتظاهرين٬ إذ جمعت غزّة الطلاب، مسلمين ومسيحيين وملحدين ويهودًا معادين للصهيونية، وجمعت بين الثري والبسيط وبين الأبيض والأسود وغيرهم.

ثانيها: الرقعة الجغرافية الواسعة التي شملتها تلك الاحتجاجات، فقد امتدت من شرق الولايات المتحدة إلى غربها، أي من المحيط إلى المحيط، وشملت ولايات معروفة بطابعها الليبرالي وتأييدها للحزب الجمهوري مثل نيويورك، وولايات يغلب عليها الطابع المحافظ والتأييد للحزب الجمهوري مثل تكساس.

ثالثها: الدرجة غير المسبوقة من القمع الأمني التي لجأ إليها المسؤولون الأمريكيون والتي وصلت إلى الاستعانة بقوات عسكرية في تكساس لفض اعتصام الطلبة، في مشهد سقطت معه ورقة التوت الأخيرة عن “الديمقراطية الامريكية” المزعومة.

رابعها: حملة التشويه الإعلامي الهائلة التي لا زال يتعرّض لها الطلبة المعتصمون من قبل صحف وقنوات وساسة أمريكيين، تركزت الحملة على تهمة واحدة وهي أنّ هؤلاء الطلبة يدفعهم تعصب ديني ضد اليهود. إلا أنّ توافر مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات إعلامية بديلة أتاح للطلبة الرد، أو قُل السخرية من هذه الاتهامات، حين نشروا صورًا ليهود معادين للصهيونية في قلب الاعتصامات، بل ونشروا احتفال هؤلاء الطلبة اليهود بعيد الفصح في خيام الاعتصام.

خامسًا: أنّ الاعتصامات المذكورة تطالب بسحب الجامعات استثماراتها من شركات صهيونية وأخرى داعمة للاحتلال بشكل أعاد للأذهان دور الحركة الطلابية الأمريكية في الثمانينات حين نجح الطلبة في إجبار جامعاتهم على سحب استثماراتها بشكل مماثل من كيانات داعمة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

سادسًا: تجري الاعتصامات في جامعات تحظى بتبرعات من عائلات أمريكية ثرية يغلب عليها تأييد الاحتلال الصهيوني، ولعلّ هذا يفسّر جانبًا من الهجمة الشرسة على الطلبة المعتصمين.

سابعًا: أنّ هناك إدراكًا تامًا بل وخوفًا لدى الساسة الصهاينة من نمو هذه الظاهرة، وصل إلى حد مهاجمة رئيس الوزراء الصهيوني لهذه الاعتصامات، والخوف هنا مفهوم تمامًا، إذ من شأن هذه الاحتجاجات في حال نجاحها أن تحوّل الكيان الصهيوني إلى كيان منبوذ تمامًا كما كان الحال مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا قبيل سقوطه في تسعينات القرن الماضي.

نخلص من كل ما سبق إلى أنّ هذه الانتفاضة الطلابية الأمريكية غير المسبوقة منذ سبعينات القرن العشرين ما كان لها أن تحدث لولا معركة “طوفان الأقصى” ولولا الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية الباسلة في قطاع غزّة الذي تجاوز الـ٢٠٠ يوم. وما على المرجفين والمشككين من بني جلدتنا من العرب، ممن يتساءلون عن جدوى المقاومة، إلا أن يُـمعنوا النظر فيما يحدث على أرض الولايات المتحدة اليوم، فهو خير جواب على تشكيكهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock