بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري
نقلًا عن موقع عروبة 22
التصعيد هو سيّد الموقف في الشرق الأوسط، فلم تكن الآمال في الوصول إلى صفقة في غزّة متراجعة وشبه معدومة أكثر مما هي عليه الآن، ولم تعد احتمالات اتساع رقعة الصراع في ذروتها كما هي الآن.
الضفة الغربية اشتعلت وقد تلحق بغزّة كميدان يومي للحرب. تهديد الإسرائيليين بشن حرب على لبنان و”حزب الله” لم يكن صوته أعلى وأقبح مما هو عليه الآن منذ ١١ شهرًا من الحرب. هذا دون الحديث عن الرد الإيراني المعلّق مع ما قد يحمله معه من سلسلة ردود أفعال انتقامية خاصة مع تزايد القلق الإسرائيلي من اقتراب طهران الوشيك من امتلاك القدرات النووية الكافية لصنع قنبلة.
طُرحت سيناريوهات عديدة للتصعيد المتوقع كان أهمها أن تتسبب خطوة متهورة أو رد فعل مبالغ فيه أو خطأ عسكري لطرف في النزاع إلى اندلاع حرب شاملة في الإقليم تأكل الأخضر واليابس وتمتد لقوس واسع ومخيف لا يقتصر على المشرق العربي بل يمتد إلى الخليج والبحر الأحمر.
هذا السيناريو للحرب الشاملة لا يمكن استبعاده بأي مقياس واقعي، خاصة إذا حُسم الانقسام الحالي بين المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي وداخل كل منهما على حدة لصالح معسكر شن حرب على لبنان.
إيران لن تسمح بتدمير “حزب الله” أهم حليف لها في الإقليم وانضمامها بصورة أو بأخرى للدفاع عنه عسكريًا قد يقود لحرب شاملة خاصة إذا عادت الأطراف العربية في حلف النقب مرة أخرى لصد الهجمات الإيرانية أو سمحت بعمليات عسكرية ضد “حزب الله” أو ضد إيران نفسها تنطلق من القواعد الأمريكية المنتشرة فيها.
لكن هذا السيناريو ليس هو المرجح، فحتى لو كان هذا ما يسعى إليه نتنياهو هناك فيتو أمريكي قاطع وصريح برفض جر واشنطن لحرب شاملة في الشهور الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية. وهناك توازن قوى معقد بين المتنازعين يجعل من الفوز بالحرب هدفًا غير مضمون ومشكوكًا فيه، وهذا الاستنتاج المشترك سيخلق ترددًا عند كل الأطراف في اتخاذ قرار الحرب الواسعة.
الحرب الشاملة في الإقليم لديها فرصة لعدم الحدوث بسبب تركز صنع قرارها في يد دول وجيوش ومؤسسات أمن قومي تدرس كل المخاطر.
عوامل الضبط والكبح التي تسيطر عليها الحكومات والجيوش لعوامل الصراع تضعف نسبيًا من احتمال سيناريو حرب الجميع على الجميع ولكنها لا تمنع عوامل الصراع من التعبير عن نفسها عنفًا في حال الإخفاق في تسويتها سياسيًا. ولهذا فإنّ السيناريو المرجح قد لا يكون سيناريو الموت بالجملة في حرب إقليمية شاملة، لكنه سيناريو آخر لم يأخذ حقه من الاهتمام التحليلي.
هذا السيناريو يمكن وصفه بـ”سيناريو الموت القطاعي” في حوادث متفرقة على رقعة واسعة وعلى مدى أطول من السنوات، ولكن خسائر العرب بشريًا وماليًا وسياسيًا وتنمويًا لن تقل فيه عن سيناريو الحرب الشاملة.
هذا السيناريو هو انفجار مرجح لمشاعر الكره الكامن لدى الشعوب العربية للولايات المتحدة لمشاركتها العسكرية الكاملة لإسرائيل في العدوان على غزّة. والكره والغضب المعلن من إسرائيل بسبب حرب الإبادة في غزّة والضفة وانتهاك المسجد الأقصى والمقدسات في القدس. والغضب على الأنظمة العربية لصمتها وتخاذلها.
هذا السيناريو سيشيع الفوضى والرعب في المنطقة والعالم وقد يعيد إحياء موجة إرهاب كبري جديدة خاصة، وقد أثبتت كل الحقائق، باعتراف رئيس أمريكي سابق هو دونالد ترامب، أنّ جماعة متوحشة مثل “داعش” كانت اختراعًا أمريكيًا.
سيكون من المحتمل أن تزداد الهجمات الفردية لفدائيين مدربين أو حتى الحانقين الغير المدربين ولكنهم مملؤون بالسخط على التجبر الأمريكي – الإسرائيلي وعلى الذل العربي. في هذا السياق لا يمكن تجاهل أنّ هناك خيطًا ينتظم في العمليات الفردية التي تمت مؤخرًا من أول قتل إسرائيليين على يد سائق أردني على جسر اللنبي أو قيام شرطي سابق في حرس أبو مازن بقتل عدة إسرائيليين، هذه الحوادث التي قد تبدو متفرقة في المكان والجنسية هي النذير بما نميل إلى أنه سيناريو مرجح.
قد يكون الأمريكيون والإسرائيليون أهدافًا للثأر من قتلة غزّة والضفة. الأخطر من ذلك أننا قد نشهد عمليات ذئاب منفردة لأهداف محلية في داخل البلدان العربية. وسجل عمليات اغتيال لسياسيين عرب منذ ٤٨ بسبب تنازلات قدّموها حافل ولا يحتاج إلا نقرة زر على محرك بحث.
في الساحة الفلسطينية أشير فقط إلى وقائع ثابتة تجعل من انفجار الغضب والعمليات الاستشهادية والطعن والدهس في الضفة وغزّة أو خارجها خيارات مرشحة للتزايد، فتقول تقديرات غربية أنّ دوافع الشباب الفلسطيني للثأر زادت ودفعت الآلاف للانتقال للعمل المسلح بمستويات لم تحدث منذ التوقيع على “أوسلو”.
وتعترف هذه المصادر أنّ “حماس” تمكنت من تجنيد آلاف الشباب فأعادت تجديد كتائبها وأنّ شباب الضفة انضوى في مجموعات مقاومة داست بالحذاء على الانقسام الفصائلي، وأنّ تعبيراته المتقدّمة في تفخيخ العبوات والقتال المتلاحم.. إلخ هي تعبيرات مرشحة للنمو كيفًا وكمًا.
في غزّة يجمع المحللون أنّ فشل إسرائيل في القضاء على “حماس” كمنظمة عسكرية وفي إيجاد بديل لها كهيكل إدارة للقطاع، وعجزها عن إيجاد بديل، قد يحوّل غزّة لصومال أخرى ينتشر فوضى عنفها عبر الحدود المجاورة من جميع الاتجاهات. ستصبح الحروب المرجحة في المدى المنظور ليست حروبًا شاملة ولكن حروبًا على الأوطان وتجربة سوريا والعراق ماثلة أمام الجميع.
على مستوى التخطيط الأمريكي بدأت تحركات مثيرة للريبة، إذ انطلقت مؤخرًا عمليات إطلاق سراح المساجين من إرهابيي “داعش” من سجون حلفاء واشنطن في سوريا ومن المحتمل أن يتم إعادة استخدامهم من الغرب في موجة إرهاب تزرع الفوضى وتشعل حروبًا طائفية – بين السنّة والشيعة في دول الخليج وغيرها.
سيناريو الغضب والفوضى وربما تحريك غربي لجماعات الإرهاب قد يجتاح الشرق الأوسط بسبب العجز العربي. سيناريو رعب قد لا ينجو من عواقبه نظام واحد كما حدث بعد نكبة ٤٨. وينطبق عليه ما قاله صلاح عبد الصبور وكأنه يتنبأ ويخاطب استكانة وصمت أمّته الراهن: “رعب أكبر من هذا سوف يجيء لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعلى جبل الصمت”.