رؤى

دولة الاحتلال والمقاومة اللبنانية.. ومباراة النقاط غير الحاسمة!

في الساعات الأولى من صباح أمس الأحد قصفت المقاومة اللبنانية مدينة حيفا شمال الأرض المحتلة؛ بما قُدِّرَ بنحو من 120 صاروخا متنوعة.. استهدفت أهدافا استراتيجية تمثلت في مُجمّع للصناعات العسكرية وقاعدة ومطار رامات ديفيد، بالإضافة إلى عدة مساكن تابعة للقاعدة دُمّرت أثناء القصف.

بددت الضربة الأوهام الصهيونية، بشأن إضعاف قوة حزب الله، بعد أن استطاع العدو خلال الفترة الأخيرة- اغتيال عدد من قادة الحزب، وعقب جريمة تفجير أجهزة البيجر والووكي توكي التي استهدفت ما يقارب الـ 3000 من رجال الحزب

استهداف المقاومة اللبنانية مدينة حيفا المحتلة مثّل تصعيدا غير مسبوق في المواجهة مع العدو الصهيوني، وهو تطور يدخل بالصراع إلى مرحلة خطيرة تفرض على الجانبين خيارات جديدة.

النجاح النسبي للضربة -في ظل التعتيم على خسائر العدو- يُسقط كثيرا من النقاط الأساسية في تقدير الموقف على جبهة الشمال، لدى نتنياهو الواقع تحت ضغط نزوح أكثر من 100 ألف مستوطن من شمال الأرض المحتلة إلى ما يعرف بمنطقة غوش دان وسط فلسطين.. والتي أصبحت تؤوي أكثر من 45% من الصهاينة.. ما يشكل ضغطا رهيبا وغير مسبوق على الدولة العبرية التي أصيب اقتصادها بضربة قاسية شلت أكثر من 25% منه، بسبب الحرب على القطاع، وتوقف نحوٍ من 700 ألف موظف وعامل عن العمل.

وصول صواريخ حزب الله إلى حيفا للمرة الأولى منذ بدء الحرب.. جعل عودة الحياة إلى كيبوتسات الشمال أمرا بالغ الصعوبة، وهو ما يعني خسارة الكيان لـ 33% من إجمالي إنتاجه الزراعي، ما سيطّر الحكومة إلى تعويض ذلك بالاستيراد، وهو ما يشكّل عبئا إضافيا على الاقتصاد المتداعي.

كانت تصريحات المسئولين الصهاينة قبل قصف صباح الأحد، تشي بأن قدرات المقاومة اللبنانية العسكرية قد أصيبت بمقتل، خاصة بعد اغتيال القائد إبراهيم عقيل أول من أمس.. وربما ظن هؤلاء أن الامر سيستغرق وقتا طويلا قبل أن يفيق الحزب من آثار تلك الضربات الموجعة.. فجاء استهداف حيفا بصواريخ فادي1 وفادي2 وهي صواريخ أبعد مدى وأكبر من حيث القوة التفجيرية- لينسف هذا الوهم، ويضع نتنياهو في وضع أسوأ بكثير من وضعه، قبل إقدامه على تلك الأعمال القذرة التي شهدها لبنان.

وكان رئيس وزراء الكيان يطمح من خلال ذلك إلى إرغام المقاومة اللبنانية على أحد خيارات ثلاثة وهي: الحرب الشاملة وهي ما يتحاشاها الحزب لفداحة ثمنها على لبنان ككل، وهو يمر بظروف بالغة القسوة اقتصاديا وسياسيا.. أما الخيار الثاني فيتمثل في فك الارتباط مع جبهة غزة وإيقاف الإسناد، أما الثالث: فيعني قبول الحزب بشروط المواجهة “المحدودة” التي يفرضها الكيان الغاضب، مع استمراره في تجاوز كل الخطوط الحمراء، وضرب الضاحية الجنوبية وقتما يشاء.. لكن الحزب وفق النتائج المترتبة على القصف الأخير.. أثبت أنه لن يخضع لإملاءات نتنياهو؛ وأنه قادر على فرض شروطه، والتعامل مع كافة المتغيرات بثبات وقدرة على سد الثغرات وإصلاح الأخطاء بأسرع مما يتوقع العدو.

فعليا أصبح من العسير على دولة الاحتلال الإقدام على توسيع القتال في الجبهة الشمالية، والذي كان يظن نتنياهو أنه من الممكن أن يكون له طوق نجاة من اندحاره المخزي في غزة- والمؤكد الآن أن اجتياح الجنوب (ملعب حزب الله) ستكون ضريبته فادحة، ولن يستطيع الكيان تحملها، كما أن آماله بتوقف دعم الحزب ومساندته للمقاومة الفلسطينية- تبددت تماما بعد القصف الأخير.. ولم يعد أم قادة الكيان سوى الاعتراف بالهزيمة والانسحاب، ومحاسبة المسئولين عن هذه الكارثة التي وضعت دويلتهم في أصعب ظرف منذ قيامها قبل 76 سنة.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock