يُخطط الرئيس الأمريكي جو بايدن، لزيارة القارة الأفريقية جنوب الصحراء، وتحديدا دولة أنغولا كمحطة أولى، خلال الأسابيع المُقبلة؛ وذلك تنفيذا لتعهد سابق بأن يكون بايدن هو أول رئيس أمريكي يزور القارة، منذ زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، في عام 2015. المُثير في الأمر، أن بايدن يستعد لمغادرة البيت الأبيض الأمريكي، في يناير القادم؛ حيث إن الانتخابات الأمريكية ستجرى في الخامس من نوفمبر المُقبل.
واللافت، أنه رغم أهمية أفريقيا، في الوضع الجغراسياسي الأمريكي، وفي ظل تحديات التحركات الروسية والصينية لتأكيد النفاذ إلى الساحة الأفريقية، الساحة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها خاصة فرنسا؛ رغم ذلك، لم يهتم بايدن بزيارة أفريقيا، منذ أن تولى مهام منصبه، في عام 2021.
بل، اللافت أكثر، أن بايدن، وإن كان قد شارك في مؤتمر “الأطراف” (COP27)، الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، في عام 2022؛ إلا أنه، وهنا المُفارقة، شارك عمليًا في الجزء الآسيوي من مصر.. إذ، إن مصر هي الدولة الوحيدة التي تقع في قارتي أفريقيا وآسيا معًا؛ ولا ندري لماذا لا تشارك مصر في أعمال القارة الآسيوية، مثلما تهتم بالمشاركة في أعمال القارة الأفريقية.
من المرجح أن يجري بايدن الزيارة قبل الانتخابات الأمريكية، أي في خلال شهر أكتوبر الجاري؛ ومن ثم، يُصبح التساؤل: لماذا يهتم بايدن بزيارة أفريقيا، في أواخر الأيام المتبقية له في البيت الأبيض؛ وقبل سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأيام قليلة(؟).
صحيح أن بايدن، كما كان مُقررًا من قبل، كان سيقوم بزيارة أنغولا أواخر العام الماضي، 2023؛ وصحيح أن الرحلة تأجلت بعد اندلاع الحرب على غزة.. إلا أنه يبقى من الصحيح، أيضا، أن المُلاحظة المهمة، في التخطيط لزيارة بايدن إلى أفريقيا، هي مسألة التوقيت؛ بمعنى محاولة التأثير في الانتخابات الأمريكية القادمة، أو بالأصح محاولة التأثير في نتائجها. إذ، إن بايدن في نهاية فترة رئاسته، يُريد أن يُسجل زيارة لأفريقيا، لفتح الطريق أمام كاميلا هاريس، التي اختارها للمنافسة على الفوز بالانتخابات، والفوز بالبيت الأبيض الأمريكي.
وهنا، تتبدى بعض الدوافع في القيام بهذه الزيارة.. أهمها:
من ناحية، يأتي الناخبون من أصول أفريقية، بما لهم من تأثير في الانتخابات الأمريكية؛ وهو ما يُمثل أحد العوامل المهمة التي قد تكون وراء تنظيم زيارة بايدن لأفريقيا، حيث إن الجالية الأفريقية في الولايات المتحدة، تشكل جزءًا كبيرًا من قاعدة الحزب الديمقراطي، والاهتمام بالشؤون الأفريقية يمكن أن يكون عاملًا مؤثرًا في الحفاظ على دعمهم. ومن ثم، فإن التواصل مع أفريقيا يعزز الشعور بالهوية والانتماء لدى الناخبين الأمريكيين من أصول أفريقية، مما قد يساعد في تعزيز الدعم الانتخابي لمرشحة الحزب، كاميلا هاريس، في الولايات الحيوية التي تحتاج إلى كل صوت ممكن للفوز.
من ناحية أخرى، تأتي الرسالة الدولية قبل الانتخابات؛ من منظور أن زيارة بايدن إلى أفريقيا، يمكن أن تكون فرصة لتوجيه رسالة قوية على المستوى الدولي، مفادها أن الولايات المتحدة ما تزال لاعبًا رئيسيًا في الساحة العالمية؛ حيث إن العلاقات مع القارة الأفريقية تمثل جبهة مهمة في الصراع الجغراسياسي العالمي بين القوى الكبرى، خاصة مع روسيا والصين؛ وتأكيد التزام الولايات المتحدة بأفريقيا قد يعزز من مكانة وتعزيز الدور الأمريكي في النظام العالمي.
بعبارة أخرى، تعد أفريقيا ساحة تنافس دولي بين القوى الكبرى. الصين، على وجه الخصوص، ضخت استثمارات هائلة في مشاريع البنية التحتية عبر مبادرة “الحزام والطريق”، فيما تسعى روسيا إلى تعزيز علاقاتها الأمنية مع الدول الأفريقية، من خلال بيع الأسلحة، ودعم هذه الدول عسكريًا. وبالتالي، تهدف زيارة بايدن إلى إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بأفريقيا، وإعادة تفعيل العلاقات الثنائية، في مواجهة النفوذ المتنامي للصين وروسيا.
من ناحية أخيرة، تأتي المصالح الاقتصادية الأمريكية، ولعلها الأهم في الاستراتيجيات الأمريكية حول العالم؛ إذ، إن الزيارة تأتي لتأكيد المشروع الضخم الذي تقوده الولايات المتحدة، مع دول أفريقيا جنوب الصحراء؛ إنه المشروع الواصل ما بين أنغولا وصولا إلى زامبيا، مرورا بالكونغو الديمقراطية، وهو المشروع الذي يُطلق عليه “محور لوبيتو”، والذي يستهدف الاستفادة من ثروات هذه الدول، عبر خط لوجيستي قوي يربط جنوب القارة بوسطها.
ولعل هذا المشروع، الذي ستؤكد عليه الزيارة، خاصة أنها تبدأ من الدولة المفتاح في المشروع، أنغولا، يأتي في ظل الاستثمارات الضخمة التي تضخها الصين في المنطقة، والتواجد الروسي المؤثر، خاصة التواجد العسكري، بما يعني أن الزيارة هي محاولة من جانب بايدن لتأكيد الاهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية.
يؤكد هذا، أن أفريقيا تمثل سوقا ضخما بفرص استثمارية واسعة، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والتعدين؛ ولذا، تسعى الولايات المتحدة من خلال هذه الزيارة إلى تعزيز اتفاقيات التجارة والاستثمار، والبحث عن فرص جديدة لشركاتها؛ وهو، أي بايدن، قد يسعى إلى توسيع نطاق مبادرة “ازدهار أفريقيا”، التي أطلقها سابقًا لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية.
هذا، رغم أن الزيارة تأتي في وجود عدم توازن واضح، بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، وبين الصين وروسيا من جانب آخر، في التنافس على النفوذ على الساحة الأفريقية.
هنا، نتفق تمامًا مع ما أشار إليه الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية، الدكتور محمد تورشين، بأن زيارة بايدن المتوقعة إلى أفريقيا جنوب الصحراء، هي “تحصيل حاصل”. فالزيارة، كما هو واضح، تأتي في الأيام الأخيرة لرئاسة بايدن، وما سوف يتم الاتفاق عليه لن يكون مُلزمًا للإدارة القادمة، خاصة إذا كانت إدارة أمريكية يرأسها الرئيس السابق، والمُرشح الحالي، دونالد ترامب، المُرشح عن الحزب الجمهوري.
أما في حال فوز كاميلا هاريس، ربما تكون الاتفاقات محل رغبة جادة في إنفاذها.
إلا أنه من المُلاحظ، أن الصراع بين القوى الكبرى قد يؤدي إلى تعقيد الأوضاع في القارة، خاصة مع تدخل الصين وروسيا في النزاعات المحلية، ودعمهما لعديد من الأنظمة الأفريقية؛ أي إن الولايات المتحدة قد تجد نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات من أجل الحفاظ على نفوذها. هذا، فضلًا عن أن الولايات المتحدة قد تواجه صعوبة في تخصيص موارد كافية لدعم أفريقيا، في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها داخليًا، مثل التضخم ونقص التمويل.