رؤى

رجال المقاومة.. ورفض ثقافة “فضة المعدَّاوي”!

في أحد مشاهد المسلسل الدرامي المميز “الراية البيضا” الذي صاغه الراحل أسامة أنور عكاشة كاتبا وأخرجه المخضرم محمد فاضل، تقول التاجرة فضة المعدَّاوي (الراحلة سناء جميل) التي يقدمها المسلسل كرمز للهمجية وغرور القوة، أن مشكلتها مع عدوها اللدود الدكتور مفيد أبو الغار (الراحل جميل راتب) هو أن الأخير لا يُفلح معه التهديد ولا تغريه الأموال.

بعبارة أخرى.. كانت فضة تؤكد أنه لا سبيل لها لقهر خصم مثل أبو الغار، فهو على عكس خصومها السابقين؛ لا يخشى تهديداتها ولا يسيل لعابه أمام عروضها المالية السخية الهادفة لرشوته، وجعله يتخلى عن قضيته.

على أرض الواقع.. يبدو الوصف الذي قدمته فضة المعدَّاوي والتي لا تختلف كثيرا – وفقا لمنطق المسلسل- عن الكيان الصهيوني، من حيث الصلف والغرور النابع من القوة المادية، والشعور بالحصانة التامة التي يوفرها له الدعم الغربي، مهما بلغ حجم جرائمه – يبدو الوصف الذي قدمته لعدوها منطبقا تماما على ثلاثة من عظماء هذه الأمة، شاءت الأقدار أن ينتقل كل منهم إلى جوار ربه، وهو يخوض معركته الاخيرة.

الأول هو الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي رحل عن عالمنا في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠، وهو يدير بنجاح ما عُرف بحرب الاستنزاف، ضد العدو الصهيوني، ويرفض كافة العروض الأمريكية السخية لحل منفرد مع الكيان الصهيوني؛ حتى وإن تضمنت تلك العروض استعادة سيناء.

جمال عبد الناصر

تمسك “أبو خالد” -كما كنّته الجماهير العربية- بضرورة أن يكون الحل عربيا شاملا، وأن يتضمن انسحابا صهيونيا من كافة الأراضي العربية المحتلة في صيف عام ١٩٦٧.

وهو الموقف الذي لخّصه في جملة أثيرة، وهي أن الصراع مع العدو هو صراع وجود لا صراع حدود.

أما الثاني فهو سيد المقاومة اللبنانية الشهيد حسن نصر الله، الذي شاءت الأقدار أن ينال الشهادة في عملية اغتيال صهيونية في يوم ذكرى رحيل الزعيم المصري (٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤).

كان “أبو هادي” كما يعرفه جمهور المقاومة في كل من لبنان وفلسطين، والذي أهدى الأمة انتصارين على العدو الصهيوني، في كل من مايو ٢٠٠٠، وأغسطس ٢٠٠٦، – يدير ساعة اغتياله إحدى أهم معاركه على الإطلاق.

كان لبنان قد تحوّل بداية من سبتمبر ٢٠٢٤، من جبهة مساندة لقطاع غزة المحاصر، إلى جبهة قتال ثانية، ضمن معركة طوفان الأقصى التي انطلقت في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.

وكما في المثال السابق.. لم تغر السيد الشهيد عروض الوساطة لوقف إطلاق النار، على جبهة لبنان فقط، دون وقف المجازر في غزة، كما لم يعبأ السيد كثيرا بالتهديدات الصهيونية، باستهداف قيادات حزبه ومقر حزبه (الضاحية الجنوبية في مدينة بيروت) ولا باستهدافه هو شخصيا.

ظل السيد على موقفه المساند لغزة، الذي آمن أنه موقف يمليه الواجب القومي والديني والإنساني؛ حتى لقي ربه شهيدا، وهو لا يزال ثابتا على موقفه.

حسن نصر الله

أما الثالث فهو القائد القسامي السنوار، الذي تمسّك بمبدأ المقاومة وببندقيتها، رغم كافة محاولات إقناعه بالتخلي عنها، من خلال منح مالية تقدم إلى قطاع غزة المحاصر، الذي كان ينتمي إليه.

وهو ما تبدّى في خطاب ألقاه السنوار في تأبين أحد شهداء المقاومة عام ٢٠١٨، حين أكد أن سماح العدو بدخول الوقود والمساعدات المالية إلى القطاع المحاصر؛ لا يعني بالضرورة موافقة أهل القطاع على وقف مقاومتهم للاحتلال.

وأضاف السنوار: ماذا ظن العدو حينما سمح بإدخال الدولار والسولار؟ هل ظنوا أننا نبيع الدم؟!

لم يخش السنوار – في الوقت ذاته – من استهداف العدو له؛ بل اعتبر في مؤتمر صحفي عقده عام ٢٠٢١، في قطاع غزة أن أكبر هدية يمكن أن يهديها إليه العدو؛ هو أن يغتاله! لأنه -ببساطة- يفضل أن يموت شهيدا؛على أن يموت على فراشه.

السنوار

ولعله ليس من قبيل المبالغة، القول أن السنوار سعى سعيا لما وصفه بالـ”هدية”، فهجر الأنفاق التي صممت لحماية المقاومين وحمل السلاح، وقاتل مع تلاميذه من رجال القسام، إلى أن نال الشهادة في اشتباك والتحام، مع قوات العدو يوم ١٧ أكتوبر ٢٠٢٤، متمثلا في ذلك مشهد استشهاد استاذه وقدوته الشيخ عز الدين القسام في أحراش “يعبد” بالضفة الغربية في معركة حامية الوطيس في نوفمبر من عام ١٩٣٥.

إن مقاومة تقدم قادتها شهداء، ويقودها من لا يغريهم “الذهب” ولا يرهبهم “السيف” هي مقاومة عصية على الكسر.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker