بعد أيام قليلة من دعوات الدول الأعضاء في مجلس الأمن؛ لضرورة تعيين ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا؛ بهدف تيسير الحوار بين “الأطراف الفاعلة” كسرا للجمود الحالي، وحل الخلافات المتعلقة بالقوانين المُنظمة للانتخابات الرئاسية والنيابية، المؤجلة منذ ما يثقارب سنوات “ثلاث”.. تأتي المبادرة الجديدة للحوار السياسي في ليبيا، التي قدمتها ستيفاني خوري رئيسة البعثة الأممية بالوكالة في “سياق مُعقد” يعكس الأزمات المتعددة التي تواجه البلاد؛ حيث تسعى هذه المبادرة إلى إيجاد حلول سياسية للأزمة الليبية المستمرة، منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، خاصة أن البلاد تعيش في حالة من الفوضى السياسية والصراع المسلح، بين الأطراف المتنافسة، ويُعَد البحث عن حل سياسي أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى.
فما دوافع المبادرة؟.. وما التحديات التي تواجهها؟
تتعدد دوافع ستيفاني خوري لطرح مبادرة جديدة للحوار السياسي في ليبيا.. كما يلي:
– الانسداد السياسي المستمر: في ظل النزاع بين حكومتي الشرق والغرب، الليبيين، والذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، مع استمرار غياب رؤية موحدة لحل هذا النزاع. ويشير الوضع الراهن، إلى أن البلاد لا تزال منقسمة بين حكومتين متنازعتين: حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، والحكومة المدعومة من البرلمان في الشرق؛ وهذا الانقسام السياسي يعيق أي تقدم حقيقي نحو بناء دولة مستقرة، ما يجعل الحاجة ملحة لمبادرات جديدة يمكنها كسر الجمود.
– التدخلات الأجنبية المتزايدة: فهذه التدخلات الدولية والإقليمية في الشأن الليبي، تعتبر من العوامل الرئيسة التي تعيق الحل السياسي. فالعديد من القوى الإقليمية والدولية لها مصالح متشابكة في ليبيا، بدءا من تركيا ومصر وصولا إلى روسيا وفرنسا، فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية. هذه التدخلات تعقد الوضع وتجعل من الصعب التوصل إلى تسوية داخلية ليبية. مبادرة خوري تسعى إلى تقليل تأثير هذه التدخلات، من خلال التركيز على الحلول الليبية الداخلية وتوفير منصة للحوار بين الليبيين أنفسهم.
– الحاجة إلى الاستقرار الأمني: إذ إن الوضع الأمني في ليبيا ما يزال هشًا، حيث تتصارع الجماعات المسلحة والمليشيات للسيطرة على الأراضي والموارد. هذه الديناميات الأمنية، وما تُمثله من مشكلات، تجعل من الصعب تحقيق تقدم سياسي؛ حيث تعتمد القوى السياسية على التحالفات العسكرية للبقاء. ومن ثم، تهدف مبادرة خوري إلى تهدئة الوضع الأمني، من خلال التفاوض مع هذه الجماعات وإدماجها في العملية السياسية.
– التحضير للانتخابات المُقبلة: أحد الدوافع الرئيسية وراء المبادرة، هو محاولة التمهيد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة في ليبيا. ومن ثم، بعد أن تعثرت الجهود السابقة لتنظيم الانتخابات، بما في ذلك محاولة ديسمبر 2021 الفاشلة، تسعى المبادرة إلى توفير مناخ سياسي يسمح بإجراء انتخابات شاملة، يمكن أن تكون مدخلًا إلى بناء دولة قانون ومؤسسات.
رغم بعض التداعيات، التي لها تأثيرات إيجابية على المشهد الليبي، في حال نجاح المبادرة؛ إلا أن عدة تحديات تواجه إمكانية النجاح.. أهمها ما يلي:
– رفض بعض الأطراف للمبادرة: حيث من المتوقع أن تواجه مبادرة ستيفاني خوري، تحديات في قبولها من قبل بعض الأطراف الليبية. فهناك قوى سياسية وعسكرية تعتبر أن أي تسوية تعني فقدان نفوذها وسلطتها. لذا قد يكون هناك رفض من قبل بعض الفصائل المسلحة، أو الشخصيات السياسية، التي تُفضّل الوضع الراهن على التوصل إلى اتفاق يحد من قوتها.
– الفصائل السياسية والعسكرية: تعد ليبيا مثالا بارزا للدول التي تعاني من تشرذم سياسي وعسكري. منذ بداية الأزمة، ظهر العديد من الفصائل السياسية والمسلحة، وكل منها يسعى لفرض نفوذه على جزء من البلاد؛ هذه الفصائل تختلف في أهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبعضها يستفيد من حالة الفوضى والانقسام. هذا التشتت يعقد أي محاولات للحوار بين الأطراف الليبية تحت مظلة واحدة، حيث يرفض كل طرف التنازل عن مصالحه الضيقة لصالح حل سياسي شامل.
– انعدام الثقة بين الأطراف: أحد الأسباب الرئيسية لتعثر المبادرات السياسية لحلحلة الأزمة الليبية، هو انعدام الثقة بين الأطراف المتنازعة. سنوات من الصراع والانقسامات العميقة، جعلت كل طرف يشك في نوايا الطرف الآخر؛ وحتى في حال التوصل إلى اتفاقات مؤقتة، سرعان ما تتبخر هذه الاتفاقات مع أول بوادر خلاف. هذه الثقافة من انعدام الثقة تقوض أي محاولات حقيقية لبناء حل سياسي دائم. هذا، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية، التي تلعب دورا رئيسا في استمرار الأزمة الليبية.
– هشاشة الأوضاع الأمنية: على الرغم من أن المبادرة تهدف إلى تحقيق الاستقرار الأمني، إلا أن هشاشة الأوضاع على الأرض قد تعيق تحقيق هذا الهدف؛ فانتشار الأسلحة بكثرة، ووجود جماعات مسلحة خارج نطاق سيطرة الدولة، يعني أن أي اتفاق “هش” يمكن أن ينهار في أي لحظة، ما سيعيد البلاد إلى حالة الفوضى والعنف من جديد؛ خاصة أن الميليشيات المسلحة تنتشر بشكل كبير في مناطق الغرب الليبي.
مبادرة ستيفاني خوري الجديدة للحوار السياسي في ليبيا، “خطوة مهمة”، وجادة، نحو محاولة حل النزاع الليبي المستمر منذ سنوات؛ لكن عوامل عدة تقف دون نجاحها.