رؤى

“طوفان الاقصى”…وفن التشبث بالآمل

يعرض الفيلم الأمريكي “شاوشانك ريديمبشن” والذي أنتج عام ١٩٩٤، ويعد حاليا أحد أهم كلاسيكيات هوليوود؛ لنموذجين إنسانيين مختلفين.

الأول هو السجين “ريد” الذي قضى أغلب سنوات حياته خلف أسوار سجن شاوشانك الأمريكي، بسبب جريمة اعترف بارتكابها، وفي المقابل هناك زميله السجين “إندي” الذي حُبِسَ ظلما بسبب جرم لم يرتكبه.

يبدو تناقض الشخصيتين -رغم صداقتهما العميقة- ظاهرا للعيان.. في مشهد شديد الدلالة فـ “ريد” قد فقد الأمل في الخروج من “شاوشانك” وبالتالي فإنه يُثبّط زميله، كلّما تحدث عن الأمل؛ موكدا له أنه “أمر خطير للغاية”.

لكن “إندي” يظل متشبثا -رغم تحذير صديقه- بالأمل، وبإيمانه بأنه قادر، على قهر أسوار السجن والتحليق بعيدا عنها.

لعل كاتب هذه السطور، لا يبالغ إن قال أن موقف الأمة بأسرها، من معركة طوفان الأقصى -التي دخلت عامها الثاني- لا يخرج عن النمطين المذكورين أعلاه.

فهناك من هم تماما كـ “ريد” أحبطهم طول المعركة وكلفتها البشرية الهائلة، وأصابهم اليأس بسبب مشاهد المجازر المتكررة؛ بل قل اليومية التي يرتكبها العدو بحق شعبي فلسطين ولبنان.

وبالتالي فإنهم – مثل ريد- لم يتخلوا عن الأمل فحسب؛ وإنما يلومون من يتمسك به؛ متمثلا في المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بل قد يتعدون ذلك إلى لوم المقاومة على ما جرى ويجري.

في المقابل.. ثمة فريق آخر شأنه شأن “إندي” يبصر الواقع الذي يبصره الفريق الأول، ولا ينكره ولا يُهوِّن من هوله، ولكنه في الوقت ذاته لا يزال متمسكا بالأمل؛ لأنه يرى جانبا آخر من الصورة، لا يراها الفريق الأول.

يبصر الفريق الثاني فعل المقاومة بالعدو، على مدار أكثر من عام.. يدرك معنى ودلالة صمودها أمام عدو يتمتع بدعم غربي مطلق، وبتكنولوجيا متطورة وبتفوق ناري.

يعلم تمام العلم مدى أهمية اعتراف العدو بخسائره، كاعتراف قسم ما يعرف بالتأهيل في الجيش الصهيوني والذي أبرزته صحيفة يديعوت أحرونوت، بأن عدد الجنود الصهاينة المصابين منذ السابع من اكتوبر على جبهتي غزة ولبنان تجاوز ١٢ ألف جندي.

وأن نحو 1500 جندي أصيبوا مرتين خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من عام.

يدرك معنى أن تعترف الصحيفة ذاتها بإصابة 900 جندي، جراء معارك لبنان منذ بداية العملية البرية، وهو تقدير تجاوز تقديرات غرفة عمليات المقاومة اللبنانية، التي قدرت عدد جرحى العدو، بنحو ٧٥٠ جريحا.

ولعل هذه الخسائر تحديدا، ما دعت زعيم المعارضة الصهيونية ياىير لابيد، – في سياق هجومه على الحكومة الصهيونية الحالية- للقول أنه “ينقصه 10 آلاف جندي”، بينما “ثمة نحو 11 ألف مصاب و900 قتيل”، مضيفا أنّ “هذا يعني أنّ النقص أكثر من 10 آلاف بكثير”.

ناهيك عن تدمير المقاومة  حوالي 60% من تشكيل المخابرات العسكرية الإسرائيلية على الحدود الشمالية، وفقا لموقع “حدشوت زمان” العبري.

يبصر الفريق الثاني ما يحدث في مخيم جباليا، في شمال قطاع غزة والذي استخدم فيه العدو كافة وسائل الإرهاب والإجرام لاقتلاع أهله منه وتهجيرهم نحو الجنوب.

لكنه يرى أيضا مقاتلي المقاومة -في المخيم المذكور- وهم يخرجون من تحت الركام؛ ليكلفوا العدو ١٨ قتيلا منذ بداية توغله في المخيم، ومن بين هؤلاء القتلى ضباط أحدهم قائد لواء.

يرى الفريق الثاني الشرخ، الذي أحدثته المعركة في جبهة العدو الداخلية، والتي بلغت آثاره، حد مطالبة رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني السابق الجنرال غيورا آيلاند، بـ “التعاون بين جميع قطاعات الشعب للإطاحة بالمستويَين السياسي والعسكري الحاليَّين فورا، ما سيمكن من الوصول إلى اتفاق، بوساطة أمريكية، ويسمح بعودة المخطوفين وإعادة النازحين إلى الشمال، وإيقاف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي، وإعادة بناء الجيش”.

إن الفريق الثاني شأنه شأن “إندي” في المثال المذكور في بداية هذا المقال، يرى الواقع ويعلم مدى ثقل وطأته على كاهل الناس، ولكن ذلك لا يدفعه لليأس مثل “ريد” وإنما للتشبث أكثر بالأمل.

ذلك الأمل الذي يخشاه العدو، كما أوضح الباحث الصهيوني عيدي شفارتس في مقال بصحيفة يسرائيل هيوم بقوله: “من أجل تحييد التهديد من غزة بصورة فعلية، يجب العمل من أجل اجتثاث آمال الفلسطينيين بأن لديهم القدرة على إنهاء الدولة اليهودية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock