رؤى

الإبقاء على سعر الفائدة.. هل يجدي في مواجهة التضخم؟

في اجتماعها المنعقد الخميس الماضي، أبقت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي، على أسعار الفائدة كما هي، للمرة الخامسة على التوالي.. وعقب الاجتماع أصدر المركزي بيانا جاء فيه أن معدلات التضخم تميل نحو الاستقرار، ربما لنهاية العام.. مع الوضع في الاعتبار أن مخاطر ارتفاع نِسَبِه ما تزال قائمة.. وهو ما يعزز ضبابية واقع الاقتصاد المصري الذي صار مستقبله القريب مفتوحا على كل الاحتمالات.. توقّع البيان أيضا تراجع التضخم مع بداية العام الجديد، بتأثير قرارات  سياسة التشديد النقدي و”الأثر الإيجابي لفترة الأساس”.

يُرجِع البعض حالة الاضطراب تلك لأسباب عديدة من أهمها: عدم استقرار المنطقة بعد دخول الحرب في قطاع غزّة عامها الثاني، وفتح العدو لجبهة أخرى في الجنوب اللبناني؛ إلا أن السبب الأهم يتعلّق بالخلاف مع صندوق النقد الدولي، حول برنامج الإصلاح الاقتصادي، وكان رئيس الجمهورية قد حذّر من أن مصر قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامجها مع صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 8 مليارات دولار، إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية في اعتبارها التحديات الإقليمية غير العادية التي تواجه البلاد.

في إطار الاتفاق على برنامج الإصلاح بين الحكومة والصندوق رُفع الدعم جزئيا عن الوقود والكهرباء والخبز، وحُرِّر سعر الصرف في مارس الماضي، بما يعادل أكثر من 40% من قيمة الجنية، ليصل سعر الدولار رسميا في مصر من 31 جنيه إلى 48.6 قبل أن يقترب مؤخرا من الخمسين جنيها.

كما استجابت الحكومة لبرنامج الطروحات الذي تبيع بموجبه عددا من الأصول المصرية، وقد تخارجت الحكومة بالفعل من 33 شركة بدءا من مارس 2022، كما تعتزم الحكومة طرح 15 شركة للبيع في قطاعات البنوك والمطارات والمستحضرات الطبية والبلاستيك والزجاج والبتروكيماويات، حتى نهاية العام المالي الحالي.

لم تُرْضِ تلك الإجراءات مسئولي صندوق النقد بشكل كاف؛ إذ طالبوا بتسريع وتيرة البيع- ما يعني الاستجابة لشروط المشترين غير المنصفة- لتحقيق عوائد اقتصادية ملموسة بزيادة تدفقات الدولار، والخروج من الأزمة المتفاقمة التي بدأت مع الحرب الروسية الأوكرانية.

كما طالب مسئولو الصندوق بتقليص بعض الإعفاءات الضريبية، خاصة فيما يتعلق بضريبة القيمة المضافة، لزيادة الإيرادات.

وقال الصندوق إنه اتفق مع السلطات على ضرورة تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي في مصر بعد خفض الدعم على الوقود والخبز وارتفاع أسعار الغذاء  بمعدلات غير مسبوقة.

كان خفض قيمة الجنيه في مارس، ورفع أسعار الفائدة لإبطاء معدل التضخم البالغ نحو 36%، قد ساعد مصر على زيادة قيمة القرض الذي تحصل عليه مصر من صندوق النقد الدولي.. ويمثل تمويل الصندوق أحد بنود خطة إنقاذ عالمية ضخمة لمصر، بدأت بإعلان الإمارات عن استثمار 35 مليار دولار في البلاد.

ثمة جدل واسع حول جدوى برنامج الإصلاح، الذي تحملت تبعاته ودفعت ثمنها الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل، بعد التعرّض للكثير من الضغوط الاقتصادية على مدى العقد الماضي، ما فاقم نسبة الفقر لتصل وفق المعايير العالمية إلى حوالي 60% وفق تصريح أدلى به المرشح الرئاسي السابق حازم عمر لجريدة الشروق، بينما تشير بيانات الجهاز المركز للتعبئة والإحصاء أن النسبة تتجاوز الـ 30% بقليل.

ورغم أن تصريحات رئيس الوزراء الأخيرة تشير إلى تفاهمات مع الصندوق وتجاوز أزمة الخلاف بين الطرفين، ولو بشكل نسبي، إلا أن هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن الخلاف مازال قائما، وأن كلا الطرفين ما زال متمسكا بموقفه ويضغط على الطرف الآخر بوسائل شتى فيما يشبه معركة “عض الأصابع”.

لا يمكن الجزم بدوافع الحكومة المصرية في موقفها “الجديد” من الاشتراطات التي كانت قد وافقت عليها سلفا، إلا أن المؤكد أنها تسعى إلى تعديل تلك الاشتراطات بحيث يمكنها الاستفادة من أي إرجاءات أو تعديلات في البرنامج الزمني، ما يسمح لها بالتقاط الأنفاس في سباق محموم للخروج من أزمة تحكم الخناق بلا رحمة على بسطاء المصريين، وهم السواد الأعظم من هذا الشعب.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock