خلال حملته الانتخابية، التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في نوفمبر 2024، تصدّرت العلاقات الأمريكية الصينية الخطاب السياسي لدونالد ترامب، الذي استطاع الوصول إلى البيت الأبيض، عبر فوزه في الانتخابات. فمنذ بداية حملاته الانتخابية، كانت الصين حاضرة في خطابات دونالد ترامب بشكل ملحوظ؛ إذ، وصف ترامب الصين بأنها “التحدي الأكبر” أمام الولايات المتحدة على الصعيدين الاقتصادي والاستراتيجي. وقد ركز ترامب في حملته على الصين، باعتبارها محورًا أساسيًا في رؤيته الاقتصادية والسياسية، مُشددًا على الحاجة لإعادة صياغة العلاقات الثنائية بشكل يخدم المصالح الأمريكية.
هنا، سنحاول تحليل رؤية ترامب للعلاقات مع الصين استنادا إلى خطاباته، وسنحول تصريحاته إلى أرقام ومؤشرات لفهم استراتيجيته بشكل أعمق.
خلال رئاسته السابقة (2017-2021)، اتخذ ترامب موقفا حادا تجاه الصين، موجهًا لها اتهامات تتعلق بالتجسس الصناعي، وسياسات التجارة غير العادلة، والسيطرة على التكنولوجيا. وقد أطلق ترامب حربًا تجارية، فرض خلالها رسوما جمركية على واردات صينية بقيمة 550 مليار دولار؛ وقامت الصين بالرد على الإجراء الترامبي بفرض رسوم على واردات أمريكية بقيمة 185 مليار دولار.
هذا السجل التاريخي، كان بمثابة الأساس لرؤية ترامب خلال حملته الانتخابية لعام (2024م)؛ وفي خطاباته، تعهد بمواصلة هذا النهج، مع إضافة أبعاد جديدة تركز على الأمن القومي والتفوق التكنولوجي.
وقد ركّز ترامب، في خطاباته الانتخابية، على دور الصين في الأزمة الاقتصادية العالمية، مُشيرا إلى أن ديون الصين الخارجية تجاوزت 14 تريليون دولار؛ مُؤكِّدا أن السياسات الاقتصادية الصينية تهدد استقرار الأسواق؛ ومُتعهدا باتخاذ خطوات لتقليل الاعتماد الأمريكي على السلع الصينية، بنسبة تصل إلى 50%، خلال ولايته القادمة، بما يمكن أن يُضيف حوالي 3 ملايين وظيفة في الصناعات المحلية.
خطابات ترامب.. محاور رئيسة وأرقام؛ تتعدد المحاور التي تتناول رؤية دونالد ترامب للصين، وللعلاقات الأمريكية الصينية، وتتوزع على أكثر من مستوى.. كما يلي:
1 – التجارة والتوازن الاقتصادي؛ ففي أكثر من 30% من خطاباته الانتخابية، انتقد ترامب الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين، مُشيرا إلى أن العجز التجاري الأمريكي مع الصين بلغ حوالي 383 مليار دولار، في عام 2023؛ وهو رقم استخدمه ترامب مرارا للتأكيد على “استغلال الصين للاقتصاد الأمريكي”.
بل، إن ترامب وعد، في خطاباته، بزيادة الرسوم الجمركية بنسبة تتراوح بين 10% إلى 20%، على السلع الصينية، في حال انتخابه، وهو ما حدث بالفعل؛ وذلك بهدف تقليص العجز التجاري بمقدار 100 مليار دولار سنويا. كما دعا، أيضا، إلى تحفيز الشركات الأمريكية لإعادة التصنيع محليا، بتخصيص 500 مليار دولار كحوافز ضريبية خلال السنوات الأربع القادمة.
2 – الأمن القومي والتكنولوجيا؛ فقد خصص ترامب حوالي 25% من خطاباته، للحديث عن التحديات الأمنية المرتبطة بالصين؛ حيث أشار إلى أن الصين تنفق حوالي 293 مليار دولار سنويا على الأبحاث والتطوير التكنولوجي، في مقابل 212 مليار دولار فقط في الولايات المتحدة؛ وهو ما وصفه بأنه “فجوة تهدد التفوق الأمريكي”.
وقدم ترامب وعدا بزيادة الإنفاق الأمريكي على التكنولوجيا والدفاع السيبراني، بنسبة 15% سنويا، مع فرض قيود على الاستثمارات الصينية في شركات التقنية الأمريكية.
3- العلاقات العسكرية والجيوسياسية؛ في حوالي 20% من خطاباته، ركز ترامب على النشاط العسكري الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ بل وخصص انتقادات واسعة لمشروع “الحزام والطريق”؛ وأشار إلى أن الصين استثمرت أكثر من 1.2 تريليون دولار في هذا المشروع، ما اعتبره محاولة للسيطرة على الاقتصاد العالمي.
وبهذا الخصوص، وعد ترامب بزيادة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بنسبة 30%؛ وتعزيز التعاون مع حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية، عبر بتخصيص 100 مليار دولار لمشاريع عسكرية مشتركة.
4- مسألة حقوق الإنسان؛ على الرغم من أن حقوق الإنسان شكلت محورا أقل أهمية في خطابات دونالد ترامب الانتخابية، حيث وردت في حوالي 10% فقط منها؛ إلا أن ترامب أكد أنه سيواصل الضغط على الصين، بسبب سياساتها في هونغ كونغ وشينجيانغ. واقترح ترامب زيادة العقوبات على المسئولين الصينيين بنسبة تصل إلى 50%، مع توسيع القائمة السوداء للشركات الصينية المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان.
عبر رؤية ترامب للصين، وللعلاقات الأمريكية الصينية، ومستقبل هذه العلاقات، يتبدى عدد من التأثيرات المحتملة.. أهمها ما يلي:
1 – التأثير على الاقتصاد الأمريكي؛ إذا نُفذت سياسات ترامب، خلال السنوات الأربع القادمة، فقد يشهد الاقتصاد الأمريكي زيادة في الإنتاج المحلي؛ لكن التكاليف المرتفعة قد تؤثر على المستهلك الأمريكي. إذ، إن زيادة الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20%.
2 – التأثير على الصين؛ من المتوقع أن تخسر الصين حوالي 200 مليار دولار سنويا، من التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ما قد يؤدي إلى تباطؤ نموها الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 0.5% إلى 1%.
3- التأثير على العلاقات الدولية؛ من المحتمل أن تؤدي سياسات ترامب إلى توتر أكبر في العلاقات بين واشنطن وبكين، ما يرفع احتمالية نشوب صراعات اقتصادية وسياسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ بل وفي مناطق أُخرى من العالم، خاصة في أفريقيا.
وهكذا.. فإن رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سينصب في يناير المُقبل 2025، للعلاقات مع الصين، في خطاباته أثناء الحملة الانتخابية لانتخابات الرئاسة الأمريكية، في نوفمبر 2024، تستند إلى استراتيجيات اقتصادية وأمنية تهدف إلى تعزيز الهيمنة الأمريكية وتقليل الاعتماد على الصين.
وعبر تحويل أفكار ترامب إلى أرقام، يمكن ملاحظة الطموح الكبير لرؤيته، لكن تطبيق هذه السياسات يتطلب توازنا دقيقا لتجنب التداعيات السلبية على الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
إذ، بناءً على التحليل الرقمي لرؤية ترامب تجاه الصين، يمكن القول إن سياساته التي أعلنها في حملته الانتخابية، سوف تؤدي إلى توتر غير مسبوق في العلاقات الأمريكية الصينية، لا سيما في المجالات الاقتصادية والجيوسياسية؛ من منظور أن هذه السياسات سيكون لها آثار كبيرة على الاقتصادين، الأمريكي والصيني، سواء من حيث الخسائر المباشرة أو التأثيرات الجانبية على الشركات وسلاسل الإمداد.