عقدت في موريتانيا يوم الأربعاء قبل الماضي، قمة دولية لبحث تطورات الأزمة السودانية، التي شهدت تفاقما كبيرا في الأشهر الأخيرة؛ نتيجة النزاع المستمر بين الأطراف السياسية والمسلحة في السودان. هذا الاجتماع، الذي استضافته نواكشوط، جاء في وقت حساس تحاول فيه الأطراف الإقليمية والدولية- إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة السودانية، التي تهدد استقرار المنطقة برمتها.
وهنا، تثور التساؤلات حول دوافع هذا الاجتماع، والدور الذي لعبته موريتانيا، والأطراف المشاركة فيه، وكذلك النتائج والتداعيات المحتملة لهذا الاجتماع على مستقبل السودان.
منذ الإطاحة بنظام عمر البشير في 2019، دخل السودان في مرحلة شهدت صراعا متواصلا بين القوى العسكرية والمدنية على السلطة. وعلى الرغم من توقيع عدة اتفاقيات بين الأطراف السودانية، فإن التوترات لم تنتهِ بل ازدادت حدتها.
ومع تصاعد الصراعات الداخلية، بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، تفاقمت الأوضاع الأمنية والسياسية. النزاع المسلح أدى إلى انقسام البلاد، وتعطّل مسار الانتقال السياسي، الذي كان من المفترض أن يقود إلى حكم مدني وديمقراطي.
في هذا الإطار، يأتي اجتماع موريتانيا بخصوص الأزمة السودانية، نتيجة لتداخل عدة عوامل دفعت إلى التحرك لمحاولة إيجاد حلول.. ومن أبرز هذه العوامل:
– استمرار تدهور الأوضاع في السودان؛ منذ بداية النزاع المسلح في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، ازداد تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية. آلاف الضحايا سقطوا في الاشتباكات، فيما نزح الملايين من مناطق النزاع إلى أماكن أكثر أمانا، سواء داخل السودان أو في دول الجوار. استمرار هذه الكارثة الإنسانية، وتداعياتها على دول الجوار الجغرافي للسودان، وضعت الأطراف العربية والإقليمية تحت ضغط كبير للتحرك، وإيجاد حلول لوقف التصعيد.
– المخاوف من التداعيات الإقليمية؛ الأزمة السودانية لا تقتصر تداعياتها على السودان فحسب؛ بل تؤثر بشكل مباشر على دول الجوار، مثل مصر، تشاد، جنوب السودان، وإثيوبيا. تدفق اللاجئين وتهديد الاستقرار الإقليمي كانا من بين أبرز الدوافع للتحرك الإقليمي. إضافة إلى ذلك، تخشى دول الساحل والصحراء من امتداد النزاع إلى مناطقها، خاصة في ظل نشاط الجماعات المسلحة في تلك المناطق.
– الحد من تزايد تدويل الأزمة؛ رغم وجود تدخلات إقليمية ودولية في الأزمة السودانية، فإن هناك مخاوف من أن تتحول هذه الأزمة إلى نزاع دولي أكبر، قد يجذب قوى عالمية أخرى، ما يعقد الأمور بشكل أكبر. لذلك كان الاجتماع في موريتانيا يهدف إلى تعزيز الحلول الإقليمية، قبل أن يتفاقم النزاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
– دور موريتانيا بوصفها وسيطا محايدا: تتمتع نواكشوط بعلاقات دبلوماسية جيدة مع مختلف الأطراف السودانية؛ لذلك أبدت استعدادا للعب دور الوسيط في هذه الأزمة؛ ولكونها بعيدة نسبيا عن النزاع، يمكن أن تكون أرضا محايدة لكافة الأطراف المتصارعة؛ للتفاوض دون ضغوط خارجية؛ إذ تسعى موريتانيا من خلال هذا الاجتماع لتعزيز دورها الإقليمي وسيطا أساسيا في النزاعات الأفريقية.
لطالما كانت موريتانيا تُعتبر دولة محايدة في النزاعات الإقليمية، لكنها نادرا ما لعبت دورا رئيسا في الوساطات الإقليمية الكبرى؛ ومن ثم فإن اجتماع نواكشوط حول الأزمة السودانية يضعها في موقع جديد، يتطلب منها ممارسة دور فاعل في الساحة الدبلوماسية الأفريقية.
إن نجاح موريتانيا في جمع الأطراف السودانية، وإيجاد أرضية مشتركة للحوار، سيسهم بشكل كبير في تعزيز مكانتها، بوصفها وسيطا إقليميا مُهمًّا.
ولنا أن نُلاحظ أن دور الوسيط الإقليمي يعكس مجموعة من العوامل، منها:
– الحياد السياسي.. إذ لا ترتبط موريتانيا بتحالفات أو انحيازات قوية تجاه أطراف النزاع في السودان، ما يجعلها وسيطا مقبولا من جميع الأطراف. هذا الحياد يتيح لها فرصة أكبر للتأثير في إيجاد حلول سلمية ومرونة في التفاوض.
– إدارة النزاعات: إن موريتانيا ورغم تاريخها من النزاعات الداخلية المحدودة، إلا أنها استطاعت الحفاظ على استقرارها الداخلي، مقارنة بدول أخرى في المنطقة.. هذه الخبرة في إدارة الشئون الداخلية دون الوقوع في نزاعات مسلحة كبرى، تمنحها مصداقية في نظر الدول التي تعاني من الأزمات مثل السودان.
– الدبلوماسية الهادئة؛ خلال السنوات الماضية، اعتمدت موريتانيا دبلوماسية هادئة ومتزنة في التعامل مع أزمات دول الجوار الأفريقي، خاصة في منطقة الساحل والصحراء. هذا الاجتماع يُعتبر جزءا من سياسة موريتانيا لتقديم نفسها كلاعب مهم في القارة الأفريقية، ليس فقط في قضايا الساحل، بل أيضا في أزمات شمال وشرق أفريقيا مثل الأزمة السودانية.
وبالتالي، إذا نجحت الوساطة الموريتانية في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أو خلق آلية مستدامة للحوار بين الأطراف السودانية، فإن ذلك سيضع موريتانيا في مكانة متقدمة بين دول القارة الأفريقية بوصفها وسيطا فعالا. هذا النجاح سيشجع دولا أخرى للاستفادة من خبرتها؛ خاصةً في أزمات مماثلة تعاني من تدخلات خارجية وتجاذبات سياسية داخلية.
علاوة على ذلك، فإن تعزيز دور موريتانيا وسيطا إقليميا، يمكن أن يفتح الأبواب أمام نواكشوط للمشاركة في مبادرات أوسع على مستوى الاتحاد الأفريقي، مثل مبادرات إحلال السلام في مناطق الصراع كمنطقة الساحل، التي تشهد تصاعدا في التهديدات الأمنية من الجماعات المسلحة، أو حتى في مناطق أخرى تشهد نزاعات سياسية وأمنية معقدة.
في هذا السياق.. بينما لا يمكن لأية قمة أو اجتماع واحد أن يحل أزمة معقدة مثل الأزمة السودانية، فإن اجتماع نواكشوط يمكن أن يكون بداية لتحريك العملية السياسية نحو حل دائم. الأزمة السودانية تتسم بتعقيد كبير، نظرا لتعدد الأطراف المتنازعة، وتداخل المصالح الإقليمية والدولية. لذلك.. فإن هذا الاجتماع يشكل جزءا من سلسلة خطوات يجب أن تستمر للوصول إلى حل شامل.
وهنا، يمكن الإشارة إلى أن أبرز النتائج التي تُوصِّل إليها في الاجتماع، هو الاتفاق على هدنة مؤقتة بين الأطراف المتنازعة. هذا الاتفاق إذا التزم به، يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو وقف إطلاق النار الدائم، وبدء عملية سياسية جديدة. الهدنة المؤقتة ستمهد الطريق لفتح ممرات إنسانية وتقديم المساعدات للمتضررين من الصراع.
ومن النتائج المهمة للاجتماع أيضا، تعزيز دور الدول الإقليمية في حل الأزمة السودانية. ومن المتوقع أن تلعب موريتانيا، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، دورا أكبر في متابعة تنفيذ التوصيات، وضمان الالتزام بالهدنة؛ كما أن دول الجوار ستواصل تقديم دعمها للأطراف السودانية للالتزام بالحلول السلمية.
إلا أن ذلك يتوقف، في التحليل الأخير، على قدرة طرفي الصراع على الالتزام بمثل تلك النتائج؛ أو بالأحرى، التخلص من تأثير الأطراف الخارجية على القرارات الصادرة عنهم.