“في هذه الأثناء، يغرد نتنياهو “قلت إننا سنغير الشرق الأوسط، وهذا ما يحصل. سورية ليست سوريا إياها. لبنان ليس لبنان إياه. غزة ليست غزة إياها. إيران ليست إيران إياها.. فليبلغه أحد ما؛ بأن دولة إسرائيل ليست الدولة إياها”.
بهذه الكلمات التي لا تخلو من سخرية مريرة، علّق المحلل السياسي الصهيوني ران أدليست، في مقال له بجريدة معاريف العبرية، على تصريحات الحكومة الصهيونية الحالية.
تعكس سخرية الكاتب، حالة عامة من فقدان الجمهور الصهيوني، الثقة في حكومته بعد ١٥ شهرا متواصلة من القتال على جبهات مختلفة.
ورغم كافة تصريحات الحكومة المذكورة أعلاه، عن انجازاتها على تلك الجبهات، إلا أن هذه التصريحات فيما يبدو لا تلقى صدى عند الجمهور الصهيوني، الذي يرى أنها صادرة عن حكومة فقدت مصداقيتها.
ويظهر ذلك جليا في استطلاعات الرأي؛ كذاك الذي أجرته القناة ١٢ العبرية وأعرب فيه 70% من الصهاينة عن اعتقادهم أن أداء الحكومة سيِّئ و 61% اعتبروا أداء الحكومة ضعيفا.
ولعل من أبرز الفئات المشككة في مصداقية الحكومة- هم أهالي الأسرى الصهاينة، الذين تحتجزهم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
ففي بيان أصدرته تلك العائلات يوم السبت الماضي، اعتبرت أن الحكومة الصهيونية هي التي تعطل إبرام صفقة تبادل الأسرى، وليس المقاومة الفلسطينية.. وطالبت بعقد صفقة تبادل شاملة لا جزئية، كما ناشدت الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، الضغط على الحكومة؛ لكي تقبل بتلك الصفقة الشاملة، حتى وإن تضمّنت وقف الحرب على قطاع غزة.
وقالت عائلة يورام مستقر، الذي قُتل في الأسر بغزة أن “إنهاء الحرب واتفاق شامل هو ضرورة ومصلحة أمنية ووطنية، جميع الأسرى هم حالات إنسانية، وهم في خطر الموت الفوري، لن ينجوا خلال فصل الشتاء – ولا يجب أن يسقط الجنود في حرب سياسية لا مبرر لها ولا منطق”.
ولا يقتصر الأمر على أهالي الأسرى الصهاينة، الذين احتجزتهم المقاومة خلال معركة “طوفان الاقصى” فحسب، وإنما امتد إلى أهالي الجنود الذين أسرتهم خلال معركة ٢٠١٤، مثل الجندي الصهيوني شاؤول أورون.
حيث صرح شقيقه أوفيك في ذكرى ميلاده “لقد أحيينا لأورون أحد عشر عيد ميلاد، وهو أسير في غزة، ونحن هنا، بدونه – يوم أمس أحيينا عيد ميلاده الحادي والثلاثين، فترة زمنية غير معقولة تغيّرت خلالها حكومات، ورؤساء حكومات، ووزراء جيش، ورؤساء أركان، ورؤساء شاباك، وموساد، كل شيء تغيّر، ولكن شيئا واحدا بقي على حاله “الإهمال” – إسرائيل سمحت لنفسها بأن تفوّت خلال هذا العقد العديد من الفرص، واليوم هو الوقت لنقول: كفى”.
كما أفادت صحيفة هآرتس -في تطور لافت- أن والد الجندي الأسير بغزة نمرود كوهن، أكد أنه سيلتقي المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان، وهو تصريح يكتسب أهمية خاصة بعد إصدار المحكمة المذكورة مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الصهيوني ووزير حربه.
أما على صعيد القتال في قطاع غزة -خاصة في شماله- فلا يبدو أن تصريحات الحكومة عن إنجازات عسكرية هناك؛ باتت تقنع الرأي العام الصهيوني.
حيث لخصت جريدة يديعوت أحرونوت الوضع بالقول أن “الجيش الإسرائيلي عالق في دورة قتالية خاسرة في قطاع غزة” وأنه “في كل مرة يدخل الجيش إلى جباليا يدفع ثمنا كبيرا ثم يعود وينسحب”.
ومع بلوغ عدد القتلى الصهاينة في مخيم جباليا أكثر من ٤٠ قتيلا، منذ بداية العملية العسكرية هناك في أكتوبر الماضي، ومع سقوط ١٩ قتيلا صهيونيا في شهر ديسمبر2024، تضيف يديعوت احرونوت “الأمر الأكثر غرابة هو أننا (مواطني إسرائيل) جنود الاحتياط، وأهالي الجنود، لا نستطيع الحصول على إجابات واضحة، ماذا يحدث هناك من الذي يقرر طريقة العمل هذه؟ هناك شعور بالغموض غير الواضح بين الرتب السياسية والعسكرية”.
وعلى صفحات الصحيفة ذاتها.. كتب الصحفي الصهيوني يوآف زيتون، مشككا في محاولة الحكومة، جعل سكان غزة ينقلبون على المقاومة، من خلال سياسة التجويع والحصار والابادة، حيث نقل عن ضابط صهيوني قوله إن سبب عدم حدوث انتفاضة مدنية ضد المقاومة في قطاع غزة هو أن “أي شخص أو عشيرة تحاول التعامل معنا وتحاول رفع رأسها “تسقط على يد المقاومة على الفور”.
وفي الوقت ذاته.. لازالت قدرة المقاومة في غزة على أن تطال بسلاحها الداخل الصهيوني قائمة؛ حيث ذكرت إذاعة الجيش الصهيوني أن “الصواريخ التي أُطلقت مُؤخرا نحو القدس، جاءت من بيت حانون شمال قطاع غزة، وهي منطقة شهدت عمليات إسرائيلية لا حصر لها على مدار العام”.
وهي الصواريخ التي أدت إلى هروع “مئات الآلاف من السكان نحو الملاجئ مساء اليوم، لحظة إطلاق الصاروخين من شمال غزة نحو مناطق القدس” كما ذكرت القناة ١٢ العبرية.
وأضافت “المفاجئ في هذا الإطلاق.. أنه ليس من وسط القطاع أو خان يونس، بل بيت حانون، وهي منطقة يعمل فيها الجيش بحرية منذ عام كامل، ودمّرها وفكك قدراتها مرارا عبر عمليات برية متكررة”.
ونقل موقع والا العبري عن ضباط في جيش الاحتلال قولهم أن “الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة تمتلك المزيد من الصواريخ متوسطة المدى، كما تبذل الفصائل جهودا لاستعادة قدراتها في مجال الصواريخ وقذائف الهاون”.
كما أن سيناريو تكرار المقاومة الفلسطينية لما نفّذته في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، لا يزال هاجسا صهيونيا مستمرا، عبّر عنه الخبير الإسرائيلي إيال عوفير في تصريحات أدلى بها للقناة ١٢ العبرية: “إن قطاع غزة يعتبر المنطقة ذات النمو الديموغرافي الأعلى في العالم، ومنذ الانسحاب منه عام 2005، تضاعف عدد السكان فيه. إن كل طفل في غزة ينشأ على حلم يتحقق في 7 أكتوبر، والذي يُطلَق عليه عندهم “يوم العبور”؛ إنهم يريدون العودة إلى ما يسمونها “بلادهم”.
أما على صعيد الجبهة السورية، فلا يبدو أن توسع الجيش الصهيوني هناك، وكافة المشاهد الاستعراضية التي مارستها الحكومة الصهيونية على قمة جبل الشيخ الاستراتيجي، قد أقنعت مواطنيها، بأن هذه الجبهة باتت أكثر أمانا.
حيث نقلت جريدة يديعوت أحرونوت العبرية عن ضباط في جيش الاحتلال قولهم “وجودنا في سوريا لا فائدة منه، ويفتقد إلى هدف بعيد المدى، ومسألة وقت حتى ينقلب علينا وجودنا هناك نحو الأسوأ”.
كل ما سبق.. لخصه والد جندي صهيوني أسير محتجز في قطاع غزة في تصريح لصحيفة هآرتس: “فقدت الثقة بحكومة نتنياهو ويجب الضغط عليها من الخارج”.