حفلت الأساطير اليونانية العتيقة، بمخلوقات خرافية ذات ملامح مميزة، وفي مقدمة هذه المخلوقات وحش مسمى بالـ”هيدرا”.
كانت الهيدرا – كما تصورتها المخيلة اليونانية- وحشا ذا رءوس متعددة، وكانت لديها القدرة على إعادة إنتاج أي رأس تفقده، أو يقطعه بطل الأسطورة -هرقل مثلا- بحد سيفه.
دخلت الهيدرا إلى المخيلة الغربية، عبر الأساطير اليونانية، وباتت تستخدم رمزا لأي كيان قادر على تعويض ما يفقده، وإعادة إنتاج ذاته، وقدراته في مواجهة عدوه.
واليوم.. وبعد نحوٍ من خمسة عشر شهرا من انطلاقة معركة الأقصى، في السابع من أكتوبر من عام 2023، تبدو المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة -في نظر العدو الصهيوني- كوحش الهيدرا. فرغم اغتيال العدو عددا من كبار قادتها، ورغم حرب الإبادة التي يشنها على القطاع المحاصر؛ فإن المقاومة – كما تؤكد الصحافة العبرية- استطاعت تجديد دماءها، وقدراتها ورد الضربات للعدو.
حيث ذكرت القناة ١٢ العبرية – نقلا عن مصادر في الجيش الصهيوني- أن معدل تجنيد مسلحين جدد في صفوف المقاومة؛ يفوق عدد المسلحين الذين استشهدوا على يد جيش الاحتلال.
ووفقا لتقديرات جيش الاحتلال؛ فإن هناك ما بين 20 إلى 23 ألف مقاتل من مختلف فصائل المقاومة، ينتشرون في أنحاء قطاع غزة.
وأضافت مصادر أمنية أنه في ظل غياب أي عامل آخر فإن “معدل نمو المسلحين في غزة سيستمر؛ بغض النظر عن مدى قوة عمل الجيش الإسرائيلي في القطاع”.
كما كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن المقاومة “نجحت أخيرا في استعادة معظم قدراتها؛ بالسيطرة المدنية على مناطق بقطاع غزة” وأنها “قضت على جهات إجرامية كانت تسرق القوافل الإغاثية”.
وأوضحت الصحيفة ذاتها أنه “من الصعب رؤية نهاية للحدث شمالي قطاع غزة، وقد يستغرق الأمر أشهر من القتال، بالإضافة إلى ذلك، فالقتال هناك له ثمن باهظ من حيث القتلى “خاصة وأن المقاومة “لا تظهر أي علامة على الاستسلام”.
كما أنه في شمال القطاع “تستمر محاولات إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وكذلك المحاولات لمهاجمة الجنود باستخدام مجموعات صغيرة مكونة من ثلاثة إلى أربعة عناصر، أو ربما أقل “حيث تعلّمت المقاومة “التحول إلى حرب العصابات في كل شيء داخل منطقة مدمرة”.
وأضافت أحرونوت أن المقاومة في المناطق التي لا يعمل فيها جيش الاحتلال- تستعيد “السيطرة المدنية والعسكرية” بشكل وصفته بأنه “مثير للإعجاب”.
وهو ما أكده المراسل العسكري للقناة 13 العبرية أور هيلر، بقوله: إنه في كل مكان يقتل فيه الجيش مسلحين؛ تنجح المقاومة الفلسطينية في تجنيد آخرين من أعمار مختلفة.
ووفقا للقناة ١٢ العبرية، فإن هذا التجنيد -المشار إليه أعلاه- تفوق معدلاته أعداد من يقتلون من مسلحي المقاومة، على يد جيش الاحتلال.. كما ذكرت بيانات أمنية.
وأوضح الكاتب الصهيوني مايكل ميلشتين، على صفحات الصحيفة ذاتها، أن العملية الهجومية لم تحقق أيًا من الأهداف الاستراتيجية للحرب، التي حددتها الحكومة الصهيونية؛ إذ لم تؤدِّ إلى انهيار المقاومة أو “رفع راية الاستسلام، ولم تؤدِّ إلى انتفاضة شعبية ضدها، والأهم من ذلك، لم تُحرز تقدما في قضية تحرير الأسرى أو تحقيق أي مرونة كبيرة في مواقف الحركة المتشددة بشأن الموضوع”.
أما على الجانب الآخر، أي جيش الاحتلال٬ فتبدو الصورة مختلفة تماما؛ حيث تقر الصحافة العبرية بأن جنود هذا الجيش يشعرون بالإجهاد بسبب القتال على جبهات متعددة.
وذكرت يديعوت أحرونوت أن الجيش “يعاني من نقص في القوى البشرية، بسبب إصابة أو مقتل أكثر من عشرة آلاف مقاتل في المعارك”.
كما أن الكلفة البشرية في صفوف الجيش المذكور؛ آخذة في الارتفاع. حيث ذكرت قناة كان العبرية أن “أكثر من 13500 جريح إسرائيلي، سجلوا منذ 7 أكتوبر2023، في قسم إعادة التأهيل” وأن “51% من الجرحى تقل أعمارهم عن 30 عاما، و43% منهم يعانون من صدمات نفسية”.
وفي إشارة إلى ظاهرة أخرى آخذة في التزايد ذكرت إذاعة جيش الاحتلال أن “28 جنديا إسرائيليا؛ انتحروا منذ بدء الحرب. بينهم 16 من الاحتياط، وهو أعلى رقم منذ 13 عاما”.
ولعل هذه الكلفة هي ما يبرر ما ذكره مراسل القناة ١٢ العبرية من أن “الجيش يتوق لإتمام صفقة، لكنه غير قادر على التحذير من عدم جدوى استمرار القتال”.
كما ذكرت نفس القناة أن “الجهاز الأمني الإسرائيلي، أوصى المستوى السياسي بوقف القتال مؤقتا في غزة لإتمام صفقة تبادل”.
ولعل المفارقة الأبرز في كل ما سبق ذكره، هي أن المجتمع الذي يملك السلاح المتطور الفتاك، هو الذي يبدو اليوم منهكا مجهدا ساعيا لإيجاد نهاية للقتال، في حين أن الطرف الذي استخدم ضده هذا السلاح الفتاك على مدار أكثر من عام كامل- لازال قادرا على مفاجأة عدوه كوحش الهيدرا أو كطائر العنقاء.