خبر موجز أوردته وكالات الأنباء العالمية، ومر مرور الكرام على كثيرين رغم ما فيه من دلالات هامة.
ملخص الخبر هو أن جنديا صهيونيا تمكّن من الفرار من البرازيل التي كان يزورها بغرض قضاء إجازة هناك، بعد أن أمرت محكمة برازيلية الشرطة بفتح تحقيق ضده؛ لارتكابه جرائم حرب في قطاع غزة، والمشاركة في حملة تدمير ممنهجة لبيوت السكان هناك.
قرار المحكمة البرازيلية أتى عقب تقديم منظمة هند رجب، التي تتخذ من بلجيكا مقرا لها، وتحمل اسم الطفلة الفلسطينية التي قتلت على يد جيش الاحتلال، مع ستة من أفراد أسرتها في قطاع غزة، مطلع عام 2024، – بشكوى ضد الجندي.
المنظمة التي تصف ذاتها، بأنها تهدف إلى إنهاء ما وصفته بالحصانة الصهيونية، وتحقيق العدالة للشهيدة هند، ولكل ضحايا حرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، استطاعت انتزاع قرار من المحكمة، بفتح تحقيق مع الجندي حول التهم المشار إليها أعلاه، إلا أن فرار الجندي ليلا من البرازيل؛ حال دون التحقيق معه، كما أوردت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية.
الحادثة المذكورة أثارت قلقا في أوساط الحكومة الصهيونية، كما عقد الكنيست نقاشا عاجلا، حول كيفية حماية الجنود الصهاينة، حال سفرهم إلى الخارج من الملاحقة القانونية.
وأوردت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الناطقة بالإنجليزية، أن حالة الجندي المذكور، ليست سوى واحدة من اثنتي عشرة حالة أحصتها الخارجية الصهيونية؛ لشكاوى قُدّمت إلى المحاكم في دول عدة، ضد جنود جيش الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة.
وإلى جانب البرازيل، ضمت قائمة الخارجية الصهيونية دولا أخرى مثل: سريلانكا وتايلاند وصربيا وهولندا وبلجيكا وإيرلندا وقبرص.. حيث واجه الجنود الذين زاروا تلك الدول مؤخرا ملاحقات قانونية وقضائية.
وأوضحت القناة 12العبرية أنه ونتيجة لما سبق، أصدرت الحكومة الصهيونية تعليمات لجنود جيش الاحتلال، تحثهم فيها على مغادرة بلدان يقضون فيها عطلاتهم خشية تعرضهم للمحاكمة.
كما أوصتهم بتفادي نشر صور ومقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهرهم وهم يدمرون بيوت السكان في قطاع غزة؛ كيلا تستخدم هذه المقاطع والصور، دليلا قانونيا ضدهم.
نجاح منظمة هند رجب في استصدار قرار بالتحقيق مع الجندي الصهيوني في البرازيل، أثار سخط العديد من الساسة الصهاينة، الذين اعتبروه نجاحا فلسطينيا وإخفاقا صهيونيا.
وصرح زعيم المعارضة يائير لابيد “كيف حصلنا على ذلك؟ إلى درجة أن الفلسطينيين أفضل من الحكومة الإسرائيلية على الساحة الدولية؟ ومن ناحية أخرى، كان من الممكن أن تمنع الدعاية الفعالة والمنسقة مثل هذه الظواهر. واليوم جنود الاحتياط -سيكونون خائفين من الذهاب في رحلة إلى الخارج خوفا من الاعتقال”.
كما تسببت الحادثة في انتقادات حادة لحكومة الاحتلال، كان أبرزها رسالة منظمة “أمهات يقظة” التي تمثل أمهات الجنود الذين أرسلتهم الحكومة إلى قطاع غزة.
حيث خاطبت الأمهات في رسالة، رئيس الوزراء الصهيوني.. مؤكدات أنهن يعتبرنه المسئول الأول والوحيد، عن أبعاد ما وصفوه بالـ “خطر القانوني” عن أولادهن.
وأضافت الرسالة أن الجيش الصهيوني يعمل -على حد تعبير الأمهات- في “فراغ سياسي” سببته الحكومة، وتحت ضغط من المجموعات المتطرفة، ودون توفير الحماية القانونية اللازمة للجنود.
ورغم أن الشكاوى المشار إليها لم تنتج حتى الآن محاكمة لأيٍ من الجنود الصهاينة؛ إلا أن مصدرا قانونيا صهيونيا أكد لشبكة سي إن إن الأمريكية، أن هناك تزايدا في محاولات توجيه اتهامات، إلى هؤلاء الجنود لدى سفرهم الى الخارج.
وتستهدف هذه المحاولات – بشكل أساسي- الجنود الصهاينة الذين يحملون جنسية مزدوجة أو أكثر من جنسية، بهدف ملاحقتهم قضائيا في البلاد التي يحملون جنسيتها.
إن حادثة البرازيل -وإن بدت عابرة للبعض- إلا أنها في جوهرها تعبير عن تغيير جذري أحدثته معركة “طوفان الأقصى” وهو شعور الصهاينة -ساسة وجنودا- أن الحصانة التي طالما وفّرها لهم الدعم الغربي على مدار سنوات عدة، ومكنتهم من ارتكاب الجرائم المتتالية؛ وصولا إلى حرب الإبادة في غزة، قد انتهى زمانها، وباتوا محاسبين على جرائمهم.
وإن ضحايا هذه الجرائم، مثل الشهيدة هند رجب، مازالوا يلاحقونهم بعد استشهادهم، وليس من المستبعد أن يفر القتلة من الملاحقة، تحت جنح ظلام الليل، كما فعل الجندي المذكور، لا من البرازيل فحسب.. وإنما من فلسطين ذاتها.