رؤى

طوفان الأقصى.. و”رد البضاعة إلى أهلها”

“بضاعتكم ردت إليكم”.. عبارة مستوحاة من آية قرآنية، برزت في أحد المقاطع المصورة، التي نشرتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، في أوج معركة طوفان الأقصى، المستمرة منذ السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣.

كان اختيار العبارة متعمدا من قِبَل المقاومة، للإشارة إلى قنبلة أسقطتها المقاتلات الصهيونية على أرض القطاع ولم تنفجر! والتقطتها المقاومة واستطاعت إعادة تدويرها -إذا صح التعبير- واستخدامها عبوةً ناسفةً في كمين محكم ضد قوة مشاة صهيونية.

بعد ١٥ شهرا من القتال المتواصل، لا تزال “بضاعة” العدو التي أسقطها على أهل القطاع في حرب إبادة غير مسبوقة، تُردُّ إليه على يد المقاومة، وتكلّفه خسائر بشرية فادحة في صفوف جنوده.

ففي ظهيرة يوم الحادي عشر من يناير ٢٠٢٥، اعترفت وسائل الإعلام الصهيونية، بما وصفته بحدث أمني صعب، تبيّن لاحقا أنه كمين، وقعت فيه قوات العدو في قطاع غزة، عبر تفجير المقاومة عبوات كالمشار إليها أعلاه، أسفر عن مقتل أربعة جنود صهاينة على الأقل ووقوع عشرات الإصابات.

وفي تحقيق أولي حول هذا الكمين، الذي وقع في منطقة بيت حانون، كشفت إذاعة جيش الاحتلال أن “القوة كانت تتحرك بمركبات هامر مكشوفة في طريقٍ مصنفٍ كـ “طريق خلفي” على أطراف بيت حانون، وهي منطقة كان يُفترض أنها خالية من المسلحين لهذا السبب، لم تُستخدم مركبات مدرعة أو مصفحة”.

وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا “انفجرت عبوة ناسفة شديدة بالجنود أثناء سيرها على الطريق”  وهي من النوع المستخدم من قبل  المقاومة، وتحتوي على مواد متفجرة قياسية”.

ورجحت الإذاعة أن “لعبوة الناسفة تلاها إطلاق نار على القوة، وقد تكون المجموعة التي زرعت العبوة هي نفسها التي أطلقت النار”.

وأوضحت القناة ١٢ العبرية أن هجوم بيت حانون، كان كمينا مزدوجاً تخلله تفجير لغم، وهجوم بإطلاق النار على القوة الإسرائيلية، و”أن إجلاء الجنود القتلى والجرحى من بيت حانون كان معقدا، وتحت نيران المسلحين” و”أن الجنود الإسرائيليين واصلوا القتال خلال الإجلاء من بيت حانون جراء إطلاق النار”.

وزير الدفاع الصهيوني يسرائيل كاتس، لم يجد مفرا من الاعتراف أن دولته عاشت “أمسية صعبة” على حد تعبيره؛ بسبب هذا الكمين. كما اعترف الرئيس الصهيوني هرتسوغ، بأن “الحرب تستمر في فرض أثمان باهظة ومؤلمة للغاية إذ فقدنا 10 جنود الأسبوع الماضي وحده”.

تصريحات هرتسوغ، تزامنت مع ما كشفت عنه القناة ١٣ العبرية من أن “٤٠٠ جندي قتلوا حتى اليوم منذ بدء العملية البرية في قطاع غزة” وأن “50 جنديا إسرائيليا قتلوا بينهم 11 في بيت حانون منذ بدء العملية في شمال قطاع غزة”.

هذه الخسائر البشرية دفعت المحلل العسكري لصحيفة معاريف العبرية للقول إن “ثمن الدم الذي ندفعه في شمال قطاع غزة لا يُطاق أبدا” وأنه “لم يعد لدى إسرائيل ما تفعله في أي جزء من غزة، لا في الشمال، ولا في الوسط، ولا في الجنوب يجب على إسرائيل أن تُبرم فورا صفقة تبادل وتنهي الحرب في غزة”.

ودفعت أيضا موقع “حدشوت للو تسنزورا” العبري لانتقاد أسلوب جيش الاحتلال في غزة، بالقول أن “أسلوب العمليات البرية الطويلة في شمال قطاع غزة فشل فشلا ذريعا – على مدار 4 أشهر”

وأضاف الموقع أنه ورغم الدمار الكبير في المنطقة، تمكنت المقاومة “من إعادة بناء نفسها وتوسعت عمليات إطلاق الصواريخ باتجاه الغلاف، وزادت أعداد خسائرنا بشكل ملحوظ مع مرور كل أسبوع”.

الصحيفة ذاتها أوضحت أن “آلاف الذخائر التي أسقطها سلاح الجو  على قطاع غزة لم تنفجر” وأن المقاومة “استغلتها في تصنيع عبوات ناسفة”.

وأضافت أن الجيش “تعامل مع العدد الكبير من العبوات الناسفة في بيت حانون شمال قطاع غزة” وأن “لواء “ناحال” ولواء المدرعات 401، اللذين يعملان في بيت حانون خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، يدفعان ثمنا باهظا مع مقتل 11 ضابطا وجنديا وإصابة نحو 20 آخرين”.

خاصة وأن مقاتلي المقاومة الفلسطينية “استعدوا لفترة طويلة لتقدم قوات الجيش في بيت حانون، وزرعوا العبوات الناسفة في المنازل وعلى طرقات المنطقة”.

وخلصت الصحيفة إلى القول أن “الأحداث في بيت حانون مؤلمة، وثمن الدم الذي ندفعه في شمال قطاع غزة لا يطاق، ويجب أن تكون حياة الجنود الإسرائيليين أغلى من اقتصاد التسلح”.

النتيجة ذاتها وصل إليها اللواء احتياط اليعيزر مروم، على صفحات صحيفة “إسرائيل اليوم” حيث كتب أن على دولة الاحتلال “السير نحو صفقة شاملة -الكل في مقابل الكل- وفي مقابل كل المخطوفين الموافقة على تنازلات واسعة”.

الرغبة المشار إليها أعلاه في وقف المعركة وعقد صفقة تبادل.. لا تعبر فقط عن شعور صهيوني دفين بالإخفاق رغم كل ما ألقاه من حمم الموت والخراب على أرض قطاع غزة، وإنما عن تمكن المقاومة من استيعاب “بضاعة” العدو وردها إلى نحره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock