رؤى

ليبيا.. والتزامن بين مبادرة خوري واجتماع بوزنيقة (2)

بمشاركة نحو 40 عضوا من البرلمان الليبي، و46 من المجلس الأعلى للدولة، اتفق المشاركون في اجتماع مدينة بوزنيقة المغربية، في 18 ديسمبر 2024، على تشكيل حكومة مؤقتة، وتشكيل لجان تتولى حل القضايا الخلافية في المجالات الأمنية والاقتصادية.

والواقع، أن الدوافع التي قادت الأطراف الليبيَّة إلى اجتماع بوزنيقة متعددة؛ منها كما سبقت الإشارة في حديثنا السابق، دوافع داخلية وأخرى خارجية؛ إضافة إلى الضغوط الدولية والإقليمية.

إلا أن التساؤل الأهم هنا، هو ذلك الذي يتعلق بالعوامل التي ساعدت على اجتماع بوزنيقة، وكذلك تداعيات التزامن بين اجتماع بوزنيقة مع حديث المبعوثة الأممية إلى ليبيا، ستيفاني خوري، في مجلس الأمن الدولي في 16 ديسمبر 2024، خاصة أن هذا التزامن في التوقيت، يثير تساؤلات حول ما إذا كان اجتماع بوزنيقة، يمثّل محاولة من الأطراف الليبية لتجاوز المبادرة التي طرحتها خوري، أو حتى ربما المنافسة معها.

عوامل متشابكة

في واقع الأمر، وإضافة إلى ما ذكرناه من قبل حول فشل محاولات الحل العسكري في ليبيا؛ فإن ثمة عاملان أسهما في اجتماع مدينة بوزنيقة المغربية..

فمن ناحية، هناك وضعية استمرار الأزمة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية؛ فقد كانت الأزمة الليبية وما تلاها من سنوات، شهدت انقسامات سياسية وعسكرية، سببا في شلل المؤسسات وإضعاف الاقتصاد؛ ومن ثم.. تأتي اجتماعات مثل بوزنيقة كرد فعل مباشر من الأطراف الليبية على هذا التدهور المستمر، حيث ترى أن غياب حلٍ سياسي سيزيد من عزلة البلاد.

لذا؛ يرى أعضاء المجلسين التشريعيين في ليبيا أهمية الحاجة لتشكيل حكومة موحدة قادرة على التوصل إلى إجراء الانتخابات المؤجلة منذ “ثلاثة” أعوام.

من ناحية أخرى، الضغوط الشعبية والمطالبة بالاستقرار؛ إذ يبدو أن الشارع الليبي لم يعد يحتمل المزيد من التدهور؛ ومع تزايد المظاهرات والمطالب الشعبية بإنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار، باتت الأطراف السياسية والعسكرية مجبرة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ويمثل هذا الاجتماع استجابة لتلك المطالب، في محاولة لتقديم حل يُرضي الأطراف المتصارعة ويخفف من حدة الانقسامات؛ بل ويُساهم في تخفيف حدة الضغوط الشعبية.

أضف إلى ذلك، من ناحية ثالثة، الدور الذي يلعبه المغرب بوصفه وسيطا محايدا في الأزمة الليبية، فقد استضاف العديد من الجولات التفاوضية السابقة بين الأطراف الليبية؛ بل ويوفر المغرب بيئة مناسبة للتفاوض بعيدا عن الضغوط المباشرة من القوى المتورطة في النزاع، ما يعزز من فرص نجاح الاجتماعات التي تُعقد على أراضيه، بما في ذلك اجتماع بوزنيقة الأخير.

مبادرة خوري

رغم هذه العوامل، فإن هذا التزامن بين اجتماع بوزنيقة ومبادرة ستيفاني خوري، يُثير عددا من النقاط التي تُمثل -في حقيقتها- علامات استفهام تختص بالتقابل والاختلاف بين بوزنيقة وخوري.. هذا فضلا عن الاحتمال الخاص بكيفية النظر إلى مبادرة خوري من بعض الأطراف الليبية.

فمن جانب، يأتي اجتماع بوزنيقة محاولةً لتجاوز مبادرة خوري؛ إذ بالنظر إلى المواقف السياسية لبعض الأطراف الليبية، يمكن القول إن اجتماع بوزنيقة قد يكون محاولة من بعض القوى الفاعلة على الأرض، لتخطي المبادرة الأممية وتقديم حل “ليبي- ليبي” بديل. فبالرغم من أهمية الدور الأممي في تسهيل الحوار، قد ترى بعض الفصائل أن الحلول التي تأتي من الداخل قد تكون أكثر قبولا وتنفيذا، مقارنة بتلك التي تأتي من الخارج. هذا التوجه يعكس نوعا من السيادة السياسية التي تسعى الأطراف الليبية إلى الحفاظ عليها بعيدا عن التدخلات الدولية.

من جانب آخر، يبدو بوضوح أن ثمة تلاقي واختلاف – في الوقت نفسه- بين مبادرة خوري ومخرجات بوزنيقة.. فمن جهة، تختلف مبادرة ستيفاني خوري عن نتائج اجتماع بوزنيقة من حيث المضمون والشكل. ففي حين تسعى خوري إلى صياغة خارطة طريق أممية، تضمن مشاركة كافة الأطراف السياسية والعسكرية في ليبيا، قد يُنظر إلى اجتماع بوزنيقة باعتباره محاولة لتشكيل حكومة جديدة بأدوات محلية ودعم إقليمي محدود. ومن هنا قد تظهر تباينات بين المخرجات المحلية والدولية، ما قد يُضعف فرص التنسيق بين المبادرتين.

لكن من جهة أخرى، يمكن أن يكون هناك تكامل بين ما تطرحه الأمم المتحدة، وما تسعى الأطراف الليبية لتحقيقه من خلال اجتماعات مثل اجتماع بوزنيقة. فإذا ما روعيت التوجهات الدولية والإقليمية في هذه الاجتماعات، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز فرص نجاح التسوية السياسية الشاملة. وقد تلعب المبعوثة الأممية دورا في دعم هذه الجهود وتنسيقها مع مبادرات الأمم المتحدة، لضمان الحل السياسي واستقرار ليبيا على المدى الطويل.

احتمال متوقع

في هذا السياق.. يمكن القول بأنه رغم ما تناولناه من قبل، من احتمال النجاح، وكذلك احتمال الفشل، في تشكيل حكومة ليبية جديدة؛ فإن ثمة احتمال متوقع، في نظرنا، بشأن الحكومة الليبية الجديدة، وإمكانية تشكيلها.. إنه ذلك الذي يتمحور حول تحقيق استقرار مرحلي مؤقت؛ حيث تبدو هناك إمكانية بالنجاح في تشكيل حكومة ليبية موحدة، لكن هذه الحكومة لن تتمكن من تحقيق المأمول من تشكيلها. وفي هذه الحال، قد تتمكن الحكومة الجديدة من تحقيق بعض التقدم في الملفات السياسية والأمنية، ولكنها قد تواجه تحديات طويلة الأمد.

من الممكن أن يشهد الوضع استقرارا نسبيًا في بعض المناطق، في حين تظل مناطق أخرى خارج نطاق السيطرة. في هذا السيناريو، سيستمر الاعتماد على الوساطات الدولية والتدخلات الدبلوماسية لحل الأزمات المستمرة و/أو المتجددة.

وهكذا.. فإن اجتماع بوزنيقة، بالمغرب، في 18 ديسمبر 2024، يمثل خطوة هامة في مسار الأزمة الليبية؛ خاصة أنه يأتي في إطار مشهد داخلي وسياق إقليمي ودولي معقد.

أما عن علاقة هذا الاجتماع بمبادرة ستيفاني خوري، فإن تداخل التوقيتات يثير تساؤلات حول ما إذا كان هناك صراع بين المبادرات المحلية والدولية. وعلى الرغم من ذلك، يبقى الأمل قائما في أن تشهد ليبيا تسوية سياسية شاملة تحقق آمال شعبها في حلحلة الأزمة المستمرة منذ سنوات طوال.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock