ثقافة

ندوة حفل التوقيع الأول لكتاب “طوفان الأقصى.. من غيّر قواعد اللعبة؟”

ندوة حفل التوقيع الأول لكتاب

“طوفان الأقصى.. من غيّر قواعد اللعبة؟”

للكاتب

حسين عبدالغني

—————————–

عبد الله السناوي: الكاتب قدم فكرا سياسيا، وتوحَّد مع موضوع الكتاب، وتصدَّى لمهمة صعبة في التحليل والتنبؤ بحدث سائل ومتحرك.

نيفين مسعد: الكاتب قدَّم إضافات نظرية، يمكن تطبيقها على أحداث وقضايا أخرى وأثارَ قضايا خلافية.

حسين عبد الغني: هدف رئيسي من أهداف الكتاب، منع تزوير تاريخ ٧ أكتوبر وتثبيته، بوصفه لحظة انتصار عربي تاريخي على إسرائيل.

بحضور الكاتب الكبير الأستاذ عبد الله السناوي، والدكتورة نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة. رحبت الدكتورة فاطمة البودي، مدير دار العين للنشر بالسادة الحضور، وأعلنت أن مناقشات الليلة حول كتاب طوفان الأقصى من غيّر قواعد اللعبة؟، هي بمثابة البداية التي سيعقبها ندوات أخرى، تبدأ بندوة في بيت السناري بالقاهرة سيتحدد موعدها لاحقا، يعقبها ندوة بمكتبة الإسكندرية.

وأضافت د. فاطمة، أن هذا الكتاب هو عصف ذهني فكري قيم جدا وعميق لعملية طوفان الأقصى.. إلى ماذا سيؤدي؟ ماذا فعل بنا؟

أ. حسين: كما أنه محاولة للإجابة عن كل الأسئلة الكبرى المطروحة. فهذا نوع من أنواع الزلازل التكتونية التي تمتد آثارها لفترة طويلة جدا.

د. فاطمة: نحن ما زلنا في اللحظة الراهنة، والحدث لم ينتهِ بعد، والتاريخ يُكتب أمام أعيينا بمشاهد الضرب والقتال، وامتداد الحرب إلى لبنان؛ حتى ينسى الناس الحديث عن غزّة، وقد حدث هذا بالفعل.. اللهم إلا القابضين على الجمر.

أرجو أن يكون هذا الكتاب إسهام ولبنة أولى، في مشروع كبير يتبناه الأستاذ حسين عبد الغني، ويقوم على هيكلته، باستضافة العديد من الباحثين الجادين لإجراء الكثير من الدراسات حول طوفان الأقصى.

 أجدد ترحيبي بكم وسعادتي بوجود هذا الكتاب في دار العين وشكري للحضور الكريم.. وأرجو من أ. حسين أن يُحدِّثنا الآن عن الهاجس الرئيس حول موضوع الكتاب.

أ. حسين عبد الغني:  بسم الله الرحمن الرحيم.. أبدأ أولا بشكر الكاتب الكبير والمحلل السياسي وصديق العمر الأستاذ عبدالله السناوي، والأكاديمية والكاتبة المرموقة الأستاذة الدكتورة نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية. وأشكر جدا جدا دار العين. لولا دار العين ومحبة الدكتورة فاطمة، لم نكن لنستطيع طبع هذا الكتاب قبل المعرض، ونحظى بشرف وجودكم معنا، هي وفريقها الدؤوب.

أشكر صديقي الحبيب صاحب دار الفلق، سعادة السفير سيف  وفريق عمل دار الفلق، المهندس سعيد والأستاذة سميَّة والأستاذ خليفة. أود أيضا أن أوجِّه شكري للفنان الكبير أحمد اللباد (ابن الغالي الفنان الكبير محيي الدين اللباد وأخو الغالي الباحث الكبير د. مصطفى اللباد) لأنه تبرّع بإهداء هذا الغلاف الرائع للكتاب. أود أن أشكر كل من حضر اليوم. أشكركم شكرا جزيلا على تجشّمكم مشقة الحضور في هذا اليوم الشتائي البارد.

 في الحقيقة أن هذا الكتاب تنطبق عليه القصيدة البديعة لصلاح جاهين، والتي قالتها الرائعة سعاد حسني وهي: وقف الشريط على وضع ثابت.. دلوقتي نقدر نفحص المنظر.

الهدف الرئيسي من هذا الكتاب هو الإمساك بهذه اللحظة التاريخية من نصر عربي حدث في السابع من أكتوبر، وكما يعلم الكافة أن كُلاً  منَّا ابن تجربته، أو بتعبير محمود درويش، كل واحد منَّا هو نتاج واقعه الاجتماعي والتاريخي. وأنا تجربتي قالت:  أن  كل محاولة لمقاومة إسرائيل وتحقيق نصر عليها-  تعرضت لاحقا لعملية تزوير. فابني آسر – وهو موجود هنا- كان في المدرسة الأمريكية، وحصل خلاف بينه وبين مدرسته؛ لأنه في منهج التاريخ، كانوا يريدون أن يعلِّموه، أن حرب أكتوبر -أعظم الانتصارات العربية “النظامية”- كانت هزيمة للجيش المصري والجيش السوري.

الكتاب نحن نثبِّت فيه – حدث الطوفان على وضع ثابت- ونقول فيه أن ما حدث في السابع من أكتوبر، كان نصرا عربيا بامتياز. في  الكتاب نحاول  الإجابة عن الأسئلة الرئيسية. منها هذا السؤال مثلا: هل كان قرار طوفان الأقصى قرارا أهوجَ متسرعا، اتخذه قائد محلي في غزة متطرف دينيا ومتطرف سياسيا -كما يصفه الأعداء – أم أن كل الشواهد وكل الطرق كانت تؤدي إلى طوفان الأقصى.. لدرجة يمكن معها القول أنه كان قدرا مقدورا. في الكتاب نوضح كيف كان طوفان – فعلا لا مجازا- قدرا مقدورا.

كل الأسباب كل التراكمات.. بما فيها أنه قبل طوفان الأقصى بأيام،  كانت ذكرى مرور 30  سنة على أوسلو، وبدا أن أوسلو ليست إلا وسيلة لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتحويل السلطة إلى مخفر أمامي متقدم يحمي الأمن الإسرائيلي، أو بلسان إيلان باييه: هو اتفاق يهدف إلى إطالة وتجذير وجود الاحتلال.

هل ما حدث في السابع من أكتوبر كان هزيمة لإسرائيل؟ في الكتاب هناك محاولة للإجابة على هذا السؤال، وفيه أيضا -على الأقل- 10 نقاط حاسمة  نستطيع القول معها إنه -كان في وقتها- هزيمة لإسرائيل؛ في الكتاب أيضا تحذيرات مبكرة جدا -من أول شهر في الحرب- وأنا أقول: نحن انتصرنا في معركة؛ لكننا لم نكسب الحرب، وأن التخاذل العربي والتجبر الأمريكي -أسميته في الكتاب الغضبة الأمريكية الكبرى- وما يمكن وصفه بتشوش محور المقاومة، وتأخره الكبير جدا في إدراك حقائق ما حدث، و هذا الذي  كان يباهي به السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق، وأحد المقربين من الرئيس الإيراني الحالي- بوصفه من أشكال ضبط النفس والصبر وغيره وغيره. كان هذا هو الخطأ الأكبر الذي وقع فيه محور المقاومة . كتب جنرال إسرائيلي منذ أيام: لو أن حزب الله قد استمع إلى صوته.. صوت حسن نصر الله “العظيم” وقتها أن يهاجم؛ لكان اللبنانيون الآن وحزب الله في الجليل الأعلى، ويسيطرون على إصبع الجليل.

في الحقيقة أن التقيد الإيراني تجدونه كثيرا.. التحفظ الإيراني تجدونه كثيرا.. هذا المسلك جعل إيران تخطئ لأول مرة، أخطاء استراتيجية كبيرة.. وتقيِّد حزب الله وتقيِّد محور المقاومة؛ لكي تحافظ على قوتها، وكانت النتيجة أنها خسرت ما استثمرته خلال أربعة عقود كاملة تقريبا.

هل نحن هزمنا؟ هل كان هناك طوفان مضاد؟ طبعا. لكن كما قلنا أننا انتصرنا في معركة ولم نكسب الحرب. هم أيضا انتصروا في معركة، وحققوا مكاسب كبيرة، لكنهم لم يكسبوا الحرب. وبالتالي فإن مناخات الهزيمة وأجواء الإحباط التي تسيطر على أفئدة الشعب العربي؛ تحتاج إلى مراجعة ونظرة تأمل حقيقية.

كل الأشياء تقول أن كل ما هو قادم سيؤدي إلى انفجارات في المنطقة. لكن من أهم ما في هذا الكتاب إيضاح أن نمط الانتفاضات الفلسطينية هو نمط بندولي -إن صح التعبير- نمط متكرر  يهاجم ويحقق مكاسب، ثم يعود إلى الوراء.

 من أول الكفاح الفلسطيني المسلح، من ثورة البراق 1929، وثورة 1936، 1948، ويمكن أن نعد  بعد ذلك الانتفاضة الفلسطينية 1987، انتفاضة 2000، أربعة حروب على غزّة، سيف الأقصى- كانت كلها مؤشرات على أن هذا النمط  البندولي سيستمر. المحلل السياسي المصري الذي قال أن الضفة الغربية ستكون هي مصدر الحرب القادمة- لم يخطئ كثيرا؛ لأن ما نحن مقدمون عليه هو ضم الضفة الغربية. لم يُعرض على الفلسطينيين شيء، ولم يُعرض على العرب شيء، وبالنسبة للعرب.. كل الدول التي كان لها تاريخ في مواجهة الصراع العربي الإسرائيلي؛ تتحدث فقط عما تسميه تأمين نفسها، إبعاد نفسها عن شر الحرب. أما دول الخليج، فهي لا تفكر إلا في إقامة ما يمكن وصفه بالاستثمار المالي الخليجي الإسرائيلي الأميركي في المنطقة والعالم. وهم يعدّون أنفسهم لهذه المسألة، والقضية الفلسطينية لم تعد تعني شيئا لهم، بأي صورة من الصور.

هذا هو الكتاب. حاولنا  فيه أن نمسك  بلحظة من الزمن، نحاول فيه أن نتغلب على قدر كبير من الإحباط الموجود ونقول أنها جولة من جولات الصراع. وأقول مرة أخرى من قصيدة صلاح جاهين:

“وقف الشريط في وضع ثابت

دلوقتي نقدر نفحص الصورة

انظر تلاقي الراية منشورة

متمزّعة لكن ما زالت فوق

بتصارع الريح المسعورة.

“مُمّزَّعَة”.. لكنها مازالت مرفوعة بيد النسور. شكرا جزيلا.

د. فاطمة: أ. حسين حضرتك في كلمتك “القصيرة” أثرت العديد من الأفكار والتساؤلات، نود من الضيوف الكرام مساعدتنا في فهم بعض النقاط؛ لأننا كثيرا من نجد أنفسنا سعداء جدا بما حدث في السابع من أكتوبر 2023، ثم نجد أن النتائج كانت رهيبة؛ فنشعر أننا ممزقون أيضا.. نود أن ينير لنا الأستاذ عبد الله السناوي بعض هذه النقاط.

أ. عبد الله: مساء الخير. في الحقيقة أن الكتاب والكاتب يحتاجان إلى مناقشة واحدة.. هناك حالة توحُّد بالقضية من الأستاذ حسين عبد الغني على مدى سنة ونصف، تقريبا فإن كل ما كتب تقريبا في أكثر من مطبوعة ومنصة، كان  في هذا الموضوع وما حوله فقط.

أهم شيء -بصفة عامة- فيما كان يكتبه، أن به ”فكر سياسي، كان يحاول أن يطل على الأحداث، ويحللها وينظر فيما بعدها ويتوقع.. وبالتالي كانت هذه مغامرة إلى حدٍ ما؛ لأن الحدث متحرك وسائل  ومتغيراته قوية.. ولو أنك جئت في لحظة وقلت أننا انتصرنا انتصارا نهائيا، فإن هذا ليس صحيحا، الثمن كان فادحا. بالطبع كان هناك انتصار استراتيجي بمعنى محدد، أن إسرائيل يمكن هزيمتها، وهذا أهم شيء، أن هناك هزيمة استراتيجية، بما يعني أن إسرائيل ليست قوة فوق الطبيعة، وأن الهزيمة بالنسبة لها مسألة محتملة  إذا توفرت إرادة القتال، وعوامله المساعدة وهذه هي الهزيمة الاستراتيجية، وهزيمة أخلاقية لأن صورة إسرائيل في العالم كقوة سلام ودولة صغيرة يحيط بها عالم عربي يحكمه حكّام فاسدون.. تلك الصورة النمطية السائدة التي كانت تمنح إسرائيل التعاطف، تقوَّضت إلى حدٍ كبير جدا. النتائج المترتبة على الهزيمة الاستراتيجية، ستأخذ مدى طويلا، نحن في لحظة لم نصدّق أن جامعات النخب الأمريكية المهمة تشهد تظاهرات واحتجاجات تدعو إلى قطع العلاقات الأكاديمية مع إسرائيل، وهذا لم يحدث من قبل إلا أيام حرب فيتنام، ما يؤسس لوضع جديد سيكون له ما بعده، وقد هُدد رؤساء الجامعات بالفصل، وكذلك الطلاب لحد الترويع.. هذا التطور تطور عميق سيأخذ مدى طويلا. طلاب جامعات النخبة الأوروبية والأمريكية بعد عشر سنوات أو عشرين سنة؛ سيصبحون قادة المستقبل، هم لديهم فكرة واضحة عن الصراع، فكرة مرتبطة بتكوينهم السياسي والأخلاقي. وهذه تطورات لم نكن لنحلم بها. دعك من مسألة اللوبي اليهودي، هناك أمر آخر لم ننتبه إليه في العالم العربي، وهو أن شباب الغرب اليساري -الاشتراكي تحديدا- صاروا سفراء الآن.. في بداية إنشاء الدولة العبرية، كانوا يذهبون إلى إسرائيل، ويعيشون هناك ويعطونهم صورة عن دولة متقدمة، تستخدم الوسائل الحديثة في الزراعة، مجتمع مسلح ضد الغارات العربية المتوحشة، هناك إذن صورة تكونت بالإضافة إلى المذابح النازية والهولوكوست، ما أعطى تعاطفا كبيرا من الشباب الأوروبي -اليساري بالذات- مع إسرائيل. هذا سيتغير.

هناك شرخ آخر داخل المجتمع اليهودي نفسه، وهناك تعاطف كبير من اليهود الامريكيين مع الشعب الفلسطيني، وهناك تقارير في نيويورك تايمز وغيرها عن انشقاق داخل الأسرة اليهودية؛ بين الأجيال القديمة المستعدة لتبني مقولات استهلكت تماما، وشباب يرون الجرائم ويسمعون في التاريخ عن الاضطهاد اليهودي؛ لكنهم يرون رأي العين ما هو أبشع، في فلسطين وغزّة.. هناك ارتداد قد حدث. وهذه كانت هزيمة أخلاقية لإسرائيل ولها تداعياتها في الحالتين. الحقائق لا تضيع؛ لكنها من الممكن أن تتقوض أو تتراجع.

لماذا تراجعت الحقائق إلى حد ظهور شعور عربي بأننا قد هُزمنا، وأننا في نكبة عربية جديدة، مثل نكبة 1948؟ هناك مقدمات وشواهد تقول ذلك. ما حدث في سوريا شاهد، في سوريا بِغَض النظر عن طبيعة نظام بشار الأسد، وأنه يستحق السقوط في الحقيقة، لكن ماذا عن القادمين؟ نحن بصدد الحديث عن عصابات مسلحة إرهابية، مثل داعش والقاعدة.. وهذه تحولات أساسية تحدث وبالتالي أذكر أنني قلت لموقع عربي قبل سقوط نظام الأسد: أن النظم العربية الحالية سوف “تُكنس” في غضون عشر سنوات، بأثر ما حدث في غزَّة، لكن التجربة العملية تقول إنها ستتحقق على الجانبين، وستضرب النظم التي تواطأت على الدم الفلسطيني بالتداعيات، والنظم التي حاولت بقدر ما تستطيع أن تبقى على الحياد، تساهم قليلا.. تدعم؛ لكن الحدث أكبر من أن يمضي إلى حال سبيله، وتستكمل التحولات الجارية بسقوط نظم عربية، وضرب إيران وتصفية المقاومة، بالطبع أنا أوافق وأنا ممن نادوا طويلا بإلحاح بالحديث مع إيران، على مدى العشر سنوات الماضية، بوصفها هي وتركيا قوتان أساسيتان في الإقليم. وتخفيف التوتر مع تركيا والحديث مع إيران لحل كل المشاكل، وأنا أعتقد أن إيران أخذت شعبية ضخمة في العالم العربي، باعتبارها القوة الأساسية المناصرة للمقاومات العربية، لكن أنا أعتقد -في إدارة الحرب الأخيرة- أن  إيران أخطأت أخطاء فادحة، أدي لأن تخسر كل ما عملته على مدى الأربعين سنة الماضية. وكل النظم إياها وأمريكا وإسرائيل يريدون الخلاص منها “بالمرّة”. وهي الخطوة الأخيرة. وهذا لن يحدث، لكن يمكن إجبارها على حل مع ترامب، يجعلها خارج معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، بزعم التهدئة في الشرق الأوسط، في مقابل تحسين أوضاعها المالية، وحل بعض المشاكل الخاصة بالعقوبات المفروضة عليها. وهي في حاجة إلى ذلك. مشكلة إيران أنه لا يوجد إجماع حقيقي داخلها على القضية الفلسطينية ومناصرتها. لأنهم تعبوا كثيرا من أجل القضية الفلسطينية، هذا الخط سيزيد قليلا، لأن السؤال سيكون أين العرب؟ وأين الدول العربية؟ الدول العربية تهرول إلى إسرائيل، ومستعدة أن تتعامل مع الحقبة الإسرائيلية التي تطل على المنطقة، ستكون لديهم ذريعة أكبر. سوريا الوضع فيها قلق وسائل لا أستطيع أن أتحدث عن هزيمة نهائية في سوريا إلا أنها ضربة موجعة عنوانها، خروج سوريا من الصراع العربي الإسرائيلي. كما هو حادث الآن. مع ذلك احتلت إسرائيل القنيطرة وبعض القرى السورية، لتضرب على الحديد وهو ساخن. بينما أنت ترى الدول العربية مرتعشة، وعلى استعداد لفعل أي شيء قبل أن يأتي ترامب؛ حتى لا تتعرض للجحيم الذي يبشر به، ولا أدري أي جحيم أكثر من ذلك! هذا شخص مخبول، هو غير منتبه أن العالم كله  ضجَّ من هذه المجازر المتتالية، دون إيقافها وبدون سبب وبدون مبرر.. وهذا الكلام أسقط كاميلا هاريس في الحقيقة، ومرشح إلى الإضرار بترامب، ترامب قال: أنا سأوقف كل الحروب، الحقيقة أن كلامه الأخير عن كندا وبنما مخبول؛ لأن العالم لا يحتمل فتح كل هذه الملفات مرة واحدة وبكل هذه الدرجة من العنف مرة واحدة، يعني عندما يكون أحد مذعورا من هذا الكلام، عليه أن يعلم أن هناك ضغوط على هذه القوى.

د. نيفين مسعد: سعيدة جدا بدعوة أ. حسين عبد الغني لي لمناقشة كتابه المهم جدا. سأختار منحى يختلف عن منحى أ. عبد الله، سأقسم مناقشتي لثلاثة أقسام، قسم منها أثني فيه على بعض اللقطات المهمة في الكتاب، والقسم الثاني أتفق فيه مع بعض النتائج التي توصّل لها الكاتب، القسم الثالث سيكون حول إثارة بعض التساؤلات الخلافية، وردت في الكتاب، وجاءت أيضا على لسان الأستاذ عبد الله السناوي، فيما يتعلق بالقسم الأول الذي يضم لمحات شديدة الأهمية، النقطة الأولى هي أن يكون للعرب سرديتهم الخاصة، وأن الكاتب حرّكه موقف ابنه عندما جاءه قائلا أن مُدرِّسته تصوِّر له حرب أكتوبر 1973، باعتبارها هزيمة منكرة لمصر، على فكرة ليست وحدها التي تقول ذلك؛ فهذه التُّرَّهات موجودة في أماكن مختلفة، لماذا أنا مهتمة بهذه النقطة؟ لأن هناك من يقول أن العرب ليسوا في حاجة إلى سردية، وأنَّ على المتضرر أن يقول سرديته، نحن سرديتنا واضحة وحقنا واضح.. نحن لسنا محتاجين أن ندافع عن الحق الفلسطيني فهو واضح وضوح الشمس، الذي يحتاج أن تكون له سردية هو الطرف الإسرائيلي المدعي، المستوطن، المحتل… إلى آخره، لا.. أنا اتفق مع الكتاب، نحن نحتاج إلى سردية، وأن تكون هذه السردية مفكِكَة للسردية الإسرائيلية، القائلة بأن إسرائيل دولة ديمقراطية، دولة تعيش في وسط أو محيط معادٍ لها، وأنها دولة علمانية، وهي دولة دينية في الأساس، أنا سعيدة جدا بهذه اللقطة، لأنها تشدد على أن يكون للعرب سرديتهم الخاصة.

أمر آخر مهم في الكتاب هي مسألة التعريفات التي جاء بها أ. حسين، وفي الحقيقة أنها تمثِّل إضافة من وجهة نظري، فهو يسعى إلى تعريف “الحدث التاريخي“ من خلال مجموعة من المؤشرات أنا بالنسبة لي استفدت منها كثيرا، فالحدث التاريخي: يميز ما قبله عن ما بعده – يمتد تأثيره من بؤرته إلى الإقليم ثم إلى العالم- يعيد صياغة الصراع المتصل به – يفضي لإعادة قراءة تاريخ الصراع – يعيد طرح كل القضايا – ويستدعي كل الاسئلة. أتصور أن النقاط الخمس أو المعايير الخمسة هذه تصلح لأن نطبقها على أي تطور من التطورات؛ لنقول متى يكون هذا التطور حدثا تاريخيا فاصلا، ومتى لا يكون. أظن أنه هنا بني جهدا نظريا معتبرا ومُهمَّا في هذا الخصوص.

نقطة ثالثة مهمة للمنشغلين مثلي بالنظم والمقارنة بين النظم السياسية المختلفة، استفدت جدا من مقارناته بين النظم المختلفة من 1956، إلى طوفان الأقصى، مرورا بحرب الاستنزاف وحرب تموز 2006، من حيث الأفراد والمدة، من حيث النتائج والآثار إلى آخره، في الحقيقة إنه أيضا مسألة المقارنة بين الحروب النظامية والحروب غير النظامية والمدة التي استغرقتها كل حرب، والقضايا التي أثيرت أعتقد أن هذا كان أيضا جزءا شديد الأهمية.

*نقطة أخرى مهمة.. مسألة المقارنة بين تفاوض ما قبل طوفان الأقصى، وتفاوض ما بعد طوفان الأقصى، أ. حسين كانت له لمحات شديدة الأهمية في تحليل طريقة المفاوض الفلسطيني على مدار سنة وأربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، من الأخذ والرد والاقتراحات والاقتراحات المضادة، والصياغات وإعادة تشكيل الصياغات إلى آخره، وهنا يرصد خبرة المفاوض الفلسطيني في الاستفادة من التجارب السابقة، ألا ينفرد فرد واحد بالتفاوض، أن يتم التفاوض تحت خط النار، بمعنى أن يكون التفاوض بينما المعارك مستمرة، رفض الصياغات الفضفاضة أو الغامضة إلى آخره. مسألة المقارنة بين التفاوض ما قبل طوفان الأقصى، وما بعد طوفان الأقصى، نقطة شديدة الأهمية أيضا بالنسبة لي.

المسألة التي لفتت نظري أيضا المقارنة الأمريكية، مع حرب أكتوبر 1973، ومع حرب طوفان الأقصى، في الحالتين كان يراد أن تكون هذه الحرب آخر الحروب، سواء قيل بهذا نصا أن أكتوبر آخر الحروب، أو أن المقولة أمريكية، هذا ما أقصده، هذه كانت النية وهذا هو القصد وهذا هو الغرض، أن تكون حرب أكتوبر 1973، آخر الحروب وألا يتكرر ما حدث في 73، مرة أخرى أبدا. وكان يتم التعبير عن هذا المعنى بصياغات مختلفة. مع طوفان الأقصى كان السقف هو القضاء على حماس، انتهاء حركة حماس، انتهاء حزب الله، بما أن هؤلاء هم من يقودون المقاومة، وأن هؤلاء هم من يقفون في المواجهة، وبالتالي فإن القضاء عليهم يُعدّ بمثابة إنهاء الصراع أو تصفية للقضية الفلسطينية من جذورها. يعني القوالب الأربعة: الحدث التاريخي، المقارنة بين التفاوض قبل وبعد، المقارنة بين أسلوب أمريكا في حرب73، وطوفان الأقصى، نقاط شدتني وجعلتني أشد على يد الأستاذ حسين في هذه النقاط.. وأن تكون للعرب سرديتهم الخاصة.

اتفق مع الأستاذ حسين في بعض الأحيان أو بعض النقاط.. على سبيل المثال هو قال أن هذا يبدو غريبا بعض الشيء؛ لكن الكيان الإسرائيلي إلى زوال، لا نحكم على الوضع من هذه المرحلة، في هذه النقطة؛ لأنه كما قال أن هذه جولة وليست نهاية المعركة، لا أريد أن أفرّق بين المعركة والصراع أو بين المعركة والحرب، لأني ارى أن كل معركة هي حرب، لكن من الممكن أن نتكلم عن جولة من جولات الصراع، أو جولة من جولات الحروب، وبالتالي انتهاء الحرب بشكل تالٍ.

نحن في مرحلة أو جولة فازت فيها إسرائيل، يعني حققت فيها مكاسب، لكن طالما هناك قضية، وهناك من يتحدث باسم هذه القضية، ويدافع عن هذه القضية، أتصور أنه لن ينتهي الصراع. إسرائيل إلى زوال، كما درسنا في كلية الاقتصاد من سنوات كثيرة، على يد الدكتور حامد ربيع، أن هذا الكيان إلى زوال أولا لأنه “مُخوّخ” من الداخل، وفيه العديد من التناقضات مثل أن الرأسمالية محمّلة بعوامل تناقض تؤدي إلى تفجرها، أيضا الكيان الإسرائيلي محمّل بتناقضات كفيلة بتفجيره، مثل التناقض بين أصول المستوطنين، وتناقضات بين العلمانيين ورجال الدين أو المتدينين، حتى في إطار المتدينين هناك أيضا متناقضات؛ فهذا الكيان عندما ينتهي التهديد المحيط به سوف يلتفت الإسرائيليون إلى داخلهم، يعني الأمر في كل الحالات هو التخويف من الصراع الخارجي، ومن البيئة المحيطة، لكن إذا ما اطمأن الإسرائيليون إلى ان الخارج أصبح محيَّدا، وأصبح ساكنا ومسالما وغير مهدد، بالتالي تنفجر التناقضات الداخلية، لأن القاعدة هي أن التناقض الرئيس؛ يَجُبُّ ويعلو ويرتفع على التناقض الفرعي فإذا حُيِّدت التناقضات الرئيسية، إذن تبدأ التناقضات الفرعية في الظهور.. أنا متفقة معك في هذا الأمر. أيضا معك في توصيف طوفان الأقصى، أن طوفان الأقصى كان ردّ فعلٍ ولم يكن فعلا. ودائما ما يقال في الثورات وفي الأحداث الكبرى أنه عند لحظة معينة، ينضج فيها إجماع تاريخي أو كما تسمى الكتلة التاريخية- تنفجر الثورة، وإذا طبقنا ذلك على حالة طوفان الأقصى، لا أتحدث عن كتلة تاريخية؛ لكن أتكلم عن لحظة نضجت فيها كل العوامل الدافعة إلى تحريك المياه الراكدة، لم يكن أحد يتكلم عن القضية الفلسطينية، الحصار خانق، ولا يوجد أفق له، مع احتمال وصول ترامب إلى السلطة، وبالتالي توقع تصفية ما تبقّى من القضية، الدول العربية منخرطة جميعا في عملية تطبيع، كان لابد من يكون هناك رد فعل، فطوفان الأقصى رد فعل وليس فعلا  لأنه لو لم يكن هناك طوفان الأقصى لكانت غزّة ما زالت موجودة، نحن في الحقيقة نرى صور لغزة ومساكنها الجميلة، والحياة التي كان ينعم بها الغزاويون؛ إذن مما كانوا يشتكون؟ إذا كانت الحياة كانت لبنا وعسلا، كما هو واضح من صور العمارات الشاهقة والأبنية والحياة الرغدة، أين المشكلة إذن؟ أتفق معك في هذه النقطة، كما أتفق معك أن هذه الحرب هي جولة وليست نهاية للحرب.

أختلف في عدد من القضايا، أول قضية المشابهة بين حرب 1956، وطوفان الأقصى 2023، في أن الحربين أديا إلى تغيير في النظام الدولي، أو قد يكون لهما نفس التأثير، بالطبع حرب عام56، أكدت الثنائية القطبية التي كانت بدأت تبرز بعد الحرب العالمية الثانية، وانتصار الولايات المتحدة الأمريكية فيها وتخليها عن عزلتها الدولية وتأكدت بعد 56 وانتهاء الحرب.

بعد طوفان الأقصى 2023، أ. حسين يرى أننا صرنا أمام نظام دولي تعددي، أو هناك درجة ما من التعددية، نتكلم عن تحالف بين الصين وروسيا ومعهما كوريا الشمالية، في مواجهتهم للولايات المتحدة، لا أرى أننا أمام نظام دولي جديد تشكّل، بالعكس أنا أرى في هذه اللحظة التاريخية التي نتكلم فيها الآن، لا أستطيع أن أقول أن هناك تعددية متبلورة، التحدث عن روسيا والصين-ذكر الكاتب ذلك في موقع لاحق- أنهما لم يبليا بلاء حسنا؛ بل بذلا الحد الأدنى من الجهد في دعم القضية الفلسطينية، نعم طوال الوقت هما داعمان، لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن إلى آخره، لكن ماذا فعلت روسيا؟ وماذا فعلت الصين؟ ولا أريد أن أمد الخط على استقامته، وأقول ماذا فعلت روسيا مع حليفتها – وأحد المعاقل  إن لم يكن المعقل الأخير لنفوذها في منطقة الشرق الأوسط- سورية. كيف أستطيع في هذه اللحظة التاريخية أن أقول أننا إزاء نظام تعددي، وأن هناك تحالفا بارزا بين روسيا والصين وكوريا الشمالية، وأن هذا التحالف يثبت وجوده وحضوره على الأرض. أنا متشككة قليلا؛ لذلك أرجو أن أسمع من حضرتك تعقيبا يوضح ذلك، خاصة ونحن نرى ترامب يريد أن يحتل كندا، ويضم جرينلاند وبنما، كما ذكر الأستاذ عبد الله. حتى أنه أطلق إيلون ماسك في مواجهة الأوروبيين، وكما ذكرت فايننشال تايمز، أنه يود تغيير رئيس وزراء بريطانيا، وبالتالي كيف أستطيع أن أقول أننا إزاء نظام تعددي. طبعا حرب أوكرانيا ستشمل تصفية القضية الأوكرانية، أو حسم القضية الاوكرانية في غير صالح أوكرانيا، ما يُعدّ هزيمة للاتحاد الأوروبي الذي استثمر في هذه الحرب على مدى أربع سنوات، أود أن أسمع كيف أن السابع من أكتوبر2023، أحدث هذا النوع من التوازن الاستراتيجي، وتوازن القوى بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، والتحالف الصيني الروسي الكوري الشمالي من جهة أخرى.

الأمر الثاني يتعلق بالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الكتاب له موقف واضح يقول أن أمريكا إذا قالت؛ فإن على إسرائيل أن تمتثل، لست متأكدة أن هذه هي طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يمكن أن نقول أنه في حرب 56، عندما تلكَّأت إسرائيل قليلا  في الانسحاب من سيناء، قالت الولايات المتحدة، وأطاعت إسرائيل؛ لكن عندما نرى الولايات المتحدة على مدار الفترة من 7 أكتوبر، إلى الآن قالت لا للاقتحام البري، اقتحمت إسرائيل، قالت لا دخول لرفح، دخلت إسرائيل رفح، لا تحتلوا محور فيلادلفيا، احتلت إسرائيل فيلادلفيا، لا لغزو لبنان. غزت لبنان. قد يرد البعض على ذلك بأن الولايات المتحدة تقول في العلن ما لا تقوله في السر. أنا أحاكم التصريحات الرسمية، وبالتالي لست متأكدة أن الولايات المتحدة هي التي تتحكم في السلوك الإسرائيلي، لذلك فهذه النقطة أيضا تحتاج إلى تعقيب، على أي أساس بنيت المسألة، حتى فيما يتعلق بضبط الحرب الإقليمية، وستكون النقطة قبل الأخيرة، وسأختم بنقطة عدم اتساع الصراع. إسرائيل نجحت في أنها تستفز أو تستدرج إيران لصراع عسكري مباشر معها، عندما اعتدت على مقارها الدبلوماسية في دمشق في أبريل ردت، وعندما اغتالت إسماعيل هنية على أرضها ردت، قبل ذلك كانت إيران تتحرك خلف ستار من خلال حلفائها أو الجماعات المتحالفة معها من أجل مواجهة إسرائيل.. في الحقيقة أن هذه النقطة أيضا تحتاج إلى توضيح. وهذا يقودنا إلى النقطة الأخيرة، هل كان على إيران أن تنخرط بشكل مباشر، وأنها خسرت ما جنته على مدار أكثر من 45 سنة من عام 1979، بسبب أنها لم تواجه، أنا أيضا لست متأكدة أن إيران كانت ستكون أكثر حظا وأفضل نتيجة، لو أنها انخرطت بشكل مباشر في جبهة مفتوحة مع إسرائيل، يعني إذا كانت الضربات الجراحية التي وجّهت لإيران من جانب إسرائيل رغم التعتيم الإعلامي الإيراني لأن النظام الإيراني مغلق كالقوقعة، ولا نعلم عنه إلا القليل؛ إلا أنها أحدثت ضررا فادحا، ومن الواضح أن ما حدث لم يكن بسيطا.  حتى أن المرشد خرج بعدها وقال: لا يجب أن نقلل أو نهوّل، وهذه جملة غير معتادة، لأن المتعارف عليه أن يقال أن الصواريخ الإسرائيلية نزلت في الصحراء، أو أنها أصابت أهدافا غير استراتيجية وغير حيوية إلى آخره. القول أن ما فعلته إسرائيل لا يجب التهوين منه، ولا يجب التهويل فيه- يرسل رسالة مفادها أن إيران تدرك تماما -من منظور مصلحتها الوطنية- أن المستهدف هو ضرب قدراتها النووية، وهي ما قامت بدعم القضية الفلسطينية-دعنا نكن صرحاء- ولا بدعم سوريا، إلا دعما لمصلحتها الوطنية حتى تزيد من أوراق قوتها، عندما تجلس على مائدة التفاوض، تقول أنا زعيم إقليم أحكم أربعة عواصم عربية، لذلك فعين إيران هي دائما على مصلحتها الوطنية، وفي وجهة نظري أنها لم تخطئ خطأ استراتيجيا من منظور المصلحة الوطنية، أما من منظور المصلحة العربية، فلا شك أنها أخطأت، لكن من قال أن إيران وتركيا أو أي دولة أخرى مطالبة بأن تدافع عن المصلحة العربية، هي تدافع عن مصلحتها الوطنية البحتة، تركيا دخلت سوريا من أجل أهداف إقليمية قديمة، ومن أجل أن تلجم نفوذ الأكراد، لا من أجل أن بشار الأسد غير ديمقراطي، ولا من أجل إنقاذ الشعب السوري، يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، لكن انطلاق إيران من الحفاظ على مصالحها الوطنية ربما لا يكون كافيا لحمايتها، نرى ترامب يقول الشيء وعكسه، قال أثناء حملته الانتخابية: أنا لا أريد الإضرار بالشعب الإيراني، ولن أصيب إيران بأذى.. ولكن ليس من حق إيران أن تمتلك سلاحا نوويا. ثم عاد ترامب وقال أن أفرادا من فريقه الرئاسي يشيرون عليه بالعمل العسكري تجاه إيران وهذا وارد. إيران تصرفت بعقلانية وبرجماتية شديدة جدا، وهم – في الأصل- تجار وهم من اخترعوا الشطرنج، وهم يلاعبون العالم كله، على رقعة شطرنج، وهم يفهمون جيدا ما يفعلونه من منظور المصلحة الوطنية. والحقيقة أنني لا أستطيع أن أطلب من إيران أن تدافع عن العرب. وشكرا.

أ. عبد الله السناوي: لو سأبدأ من حيث انتهت د. نيفين، من نقطة أظن أن الكتاب لم يتطرق كثيرا إليها، وهي أن تأثيرات ذلك ستكون فيما بعد؛ لأننا في حالة سيولة ضخمة جدا، والسؤال الإيراني سؤال هام وضروري، “كلاب الصيد” كلها خرجت لضرب إيران، لو تابعنا الفضائيات العربية؛ سنجد تركيزا كبيرا جدا على الدور الإيراني، وتعقُّبه في لبنان مع انتخاب رئيس جديد، بضغط أمريكي فرنسي سعودي، ابتدأ الكلام اليوم عن نزع سلاح المقاومة وحدود الليطاني، لأنهم سيضربون على الحديد الساخن، طبعا الكلام الذي كان قد قاله الشيخ نعيم قاسم، لم يكن يصح قوله؛ لأنه عبّر عن فجوة كبيرة وفرق واضح – في الإدراك- بينه وبين الشيخ حسن نصر الله، عندما خرج بعد أن انتهت الحرب، ومع وقف إطلاق النار وأعلن أنه نصرٌ أكبر من انتصار 2006، وهذا كلام “فارغ” لم يكن يصح قوله، لأن النتائج وبنود الاتفاقية لا تتسق ما على الأرض من سلاح، فحزب الله لم يُهزم عسكريا؛ لكن الحسابات السياسية مع ضغط الداخل، والتهديد بتفجير الوضع اللبناني من الأمريكيين والإسرائيليين الذين يريدون الاستمرار في الحرب، وعدم رغبة إيران في الانخراط؛ جعلهم يضغطون لقبول الاتفاق، الاتفاق في الحقيقة لا يليق بمن قاوم وضحَّى،؛ لكن لو كانوا هُزموا هزيمة ساحقة، لم يكن الأمر ليؤول إلى ما هو أسوأ من ذلك؛ ولذلك لا تريد إسرائيل التنفيذ؛ لكن التنفيذ الفعلي بدأ من يوم توقيع الاتفاق، وجرت عملية ردع العدوان واحتلال حلب.. وفي عشرة أيام انهار كل شيء، ماذا حدث؟ كيف جرى إعداد هذه “الطبخة” على هذا النحو من السرعة؟ الحقيقة أن التفسير ليس بنظرية المؤامرة؛ لكنها حسابات دول.. منها الحساب الإيراني؛ لأن إيران كان لديها أمل أن تتوقف الحرب عند هذا الحد؛ لتستثمر جهودها، لأنها مطالبة بالتهدئة في الشرق الأوسط؛ في مقابل رفع العقوبات عنها، أو التوصل لصيغة مع الأمريكيين، ورئيس الجمهورية – بالذات- مع هذا الكلام ومعه قطاع كبير من الرأي العام الإيراني المنهك، والذي يريد تحسين أوضاعه الاقتصادية، وهذه حقيقة موجودة بالفعل. إيران لديها حساباتها الداخلية، وهي بالنسبة للعالم العربي، الدولة الوحيدة “المستقلة” في المنطقة، أي التي تمتلك قرارها، وعليها ضغوط ضخمة. بالنسبة لتركيا الوضع مختلف، فهناك حلف الناتو والحسابات الغربية؛ لذلك تحكمها اعتبارات مختلفة، ولديها أيضا ضغط شعبي ضد أردوجان، لتحسين العلاقات مع السعودية ومصر والخليج، وهي اعتبارات لا يمكن تبسيطها. عندما نتحدث عن أن إيران قد أخطأت، فهذا قياسا على أهدافنا نحن، أما الأهداف الإيرانية فلم يكن هناك توفيق في كثير من الأمور، والدليل أن رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قلباف عندما ذهب إلى لبنان، صرّح بكلام يعني أنه هو من يتفاوض بشكل مباشر، ما استفز اللبنانيين، ورغم معرفة الكل بذلك؛ إلا أن الأداء لم يكن موفقا، بالإضافة إلى تصريح سابق غير موفق أيضا عن وجود إيران في أربعة دول عربية، وكان من نتيجة ذلك أن تخسر إيران العاصمة تلو الأخرى، وهذا التصريح هو ما جعل رئيس الوزراء العراقي محمد شيَّاع السوداني، والزعيم الشيعي مقتضى الصدر يعلنان تحدي الإرادة الإيرانية بشكل صريح، إيران تحرّك العناصر الموالية لها في العراق، وتستخدم حزب الله في سوريا  لكن لا تريد التدخل بشكل مباشر؛ لأنها تعلم أن الحسابات السنية في العراق – وهذه حقيقة موجودة- تُوجِد مشكلة داخل العراق نفسه، ومن الممكن أن ينفجر الوضع في أي لحظة، وهم سيسعون -كل أعداء محور المقاومة- إلى تفجير العراق أيضا؛ فإيران أمام معضلة، وقد اضطروا بعد اغتيال السيد حسن نصر الله، إلى تنفيذ عملية كبيرة؛ لأن الجمهور الشيعي في لبنان يُلقي بتبعة اغتيال السيد حسن نصر الله على الجمهورية الإسلامية، وبدا مقتل نصر الله أنه استشهاد جديد للحسين، وأن نصر الله اغتيل وحيدا ليس معه أحد، وهذا من الكلام المسكوت عنه، والذي لا نحب أن نخوض فيه، ولكنه جعل الرد الإيراني -هذه المرة- سريعا دون إبطاء.. وهذا السؤال الإيراني الذي يحتاج إلى إجابات كثيرة، وفي النهاية إيران لديها مشروع نووي، وهو أمر -بلا شك- حكمهم، وإلى اللحظة الراهنة ما زال الجدل الإيراني الداخلي قائما عن حدود التدخل في الإقليم، كما أن هناك سؤال في العالم العربي بشأن الدور الإيراني على أوجه عديدة، فلا يستطيع أحد أن يفعل كل الأمور بالنيابة، وقد حاولت كل الأطراف أن تملأ الفراغ الذي تركته مصر، ولكن إيران وكذلك تركيا يحاولان، وهناك حديث عن صدام مصالح محتمل بين تركيا وإسرائيل، وقد استفادتا من الإطاحة بالنظام السوري، تركيا دخلت بتنسيق كامل مع أمريكا، في نفس اليوم مع إسرائيل، وبالطبع هناك الأكراد وموقف تركيا منهم، وما يجري الآن في سوريا هو أكبر بكثير من إمكانات الجماعة (جبهة النُّصرة) ويبدو أن هناك من يفكر و”يهندس” لكن إلى أي حد، وعوامل الانفجار عالية جدا، وفوق طاقة عملية “الهندسة” التي تتم الآن، والوضع في حالة سيولة شديدة، والعالم العربي كله يحاول اتّقاء ما قد يأتي به ترامب، وما قد يأتي به الشرع، كل النظم العربية بلا استثناء، على سبيل المثال: الدول العربية (الخليج ومصر) قلقون ومتحفظون من الشرع، ومن الضغوط الأمريكية للتعامل معه، وهناك مشاعر خوف وقلق.. هناك دولتان عربيتان لهما وزن كبير في المعادلة هما مصر والسعودية.. مصر بقيمتها المعنوية ووضعها بين الدول العربية، وهناك مشاكل وقلق أيضا، والسعودية تريدها تركيا وتريدها أمريكا، والدول الأوربية ليس لديها مانع؛ لتولي المملكة هذه المهمة، والوضع السوري معرّض للانفجار والنظام الجديد مازال ضعيفا وهشا وقوته العسكرية لا تسمح له بالسيطرة، مع وجود الفصائل المسلحة، وهذا الانفجار قد يضر بالاستراتيجية الغربية ومصالح إسرائيل، والرأي العام يمكن قياسه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فكل الأطراف التي ذهبت إلى دمشق: الإسرائيليون والأمريكان والأوروبيون والأتراك يعرفون ماذا يريدون، وأنت ماذا تريد؟ ما أهدافك؟ على كل حال هذه أمثلة لحالة السيولة الموجودة، والنتائج التي تمخض عنها طوفان الأقصى ستأخذ زمنا طويلا؛ لتظهر آثارها كما توقعنا، الهزيمة الإسرائيلية ماثلة حتى هذه اللحظة، الأوضاع الداخلية هشّة في إسرائيل، ونحن بصدد نظام دولي جديد لم يتشكل بعد، والحقيقة أننا كنا نطلب من إيران ما هو فوق طاقتها – رغم أخطائها- ويمكن وصف الأخطاء الإيرانية بأنها كانت عملية براجماتية بأكثر من اللازم؛ أدت إلى أن تخسر إيران كل شيء، وحتى نرى الصورة كاملة ؛ فلربما لو كانت إيران انخرطت بشكل أكثر؛ لكانت دمرت.. وربما أن هذا المصير مازال ينتظرها.

د. نيفين: أنا أفضّل طالما أن الشرق الجديد – من وجهة نظر الكتاب- سقطت فيه نظرية الأمن الإسرائيلي، وسقطت فيه نظرية إبادة حماس والمقاومة، نظرية الهوس بالتكنولوجيا وإعادة الاعتبار للكفاح الإنساني، سقطت فيه أسطورة العقلانية التامة في السياسة الخارجية للدول الكبرى، سقطت فيه نظرية ناتنياهو ومحمود عباس (أبو مازن) بوصفهما زعيمين للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.. هذا السقوط هو سقوط إيجابي، ولذلك لا بد أن يكون في العنوان أو التحليل ما يشير إلى أن هذا هو السقوط الإيجابي؛ لأن هناك على الجانب الآخر سقوط سلبي كثير.

مداخلة أ. عمرو حسين: مساء الخير. لن أطيل على حضراتكم، وسأحاول الاختصار ما أمكن، بالطبع أحيي أولا المتحدثين الكرام، وأشكرهم على ما تفضلوا به، ولكن أود أن أتوقف عند نقطة لفتت نظري، في أغلب ما ذهب إليه المتحدثون، وهي أنه يبدو لي أن هناك شبه تسليم لدعاية يسوّقها العدو الآن، أنه استطاع بعد الضربة التي تلقّاها في السابع من أكتوبر2023، أن يدير دفة الأمور ويحوّل المعركة لصالحه، أنا أستغرب أن نكرر -نحن العرب- هذه الدعاية الصهيونية، في حين أن الجمهور الصهيوني، الذي من المفترض أن حكومة ناتنياهو تسوّق له هذا الخطاب، لا يتقبّلها.

دعونا نبدأ أولا بجبهة غزّة، البعض يسوِّق الآن لفكرة أن العدو أنجز ما يريده في غزّة؛ لأن غزّة الآن مدمرة، والعدو أحالها ركاما، وهناك تكلفة بشرية عالية، تتجاوز 43000 ألف شهيد، وهناك مئات الألوف من الجرحى، فإذا كانت التكلفة البشرية أو التكلفة المادية هي مقياس النصر أو الهزيمة، فبكل بساطة سنقول أن فرنسا انتصرت في الجزائر، وأمريكا انتصرت في فيتنام؛ لكن العكس تماما هو الصحيح، كما قال هنري كسينجر في أعقاب حرب فيتنام وبعد المشهد في سايجون، والأمريكان يهربون بمروحياتهم، وعملاؤهم يتعلقون بها، ويتركونهم لمصيرهم، قال جملته الشهيرة في درس فيتنام وهي أن الجيوش النظامية تخسر إذا لم تنتصر، في المقابل فإن من يخوض حرب عصابات ينتصر إذا لم يُهزم، واليوم بعد مرور خمسة عشر شهرا من القتال المتواصل، العدو كان قد دخل إلى غزّة وقد حدد عدة أهداف: تحرير الأسرى دون دفع أي مقابل، القضاء على المقاومة في عزّة، وإقامة نظام جديد كالذي أسسه في لبنان بعد غزوه لها في 1982، والعدو لم يفلح في تحقيق أيٍ من هذه الأهداف، ولا زال جنرالاته يعترفون، وهناك تصريح بالأمس نقلته صحيفة ذا جيروزاليم بوست عن أحد جنرالات العدو، أنه بعد خمسة عشر شهرا متواصلة من القتال، من المستحيل القول أن المقاومة في عزّة قد كُسرت، ونقلت عن قائد الفرقة السابعة في الجيش الصهيوني قوله: أن هؤلاء الذين نقاتلهم، مؤمنون بشيء ما، وهم على أتم الاستعداد -إلى الآن- للقتال في سبيل ما يؤمنون به. جباليا التي اجتيحت ثلاث مرات، ما زالت الخسائر الصهيونية فيها مستمرة، واعترف الصهاينة بمقتل 46 من جنودهم في منطقة، قالوا مرارا وتكرارا أنهم أحكموا سيطرتهم عليها. وبالأمس كانت هناك عملية فدائية في بيت حانون كلّفتهم ثلاثة قتلى؛ رغم ادعائهم أنهم سيطروا عليها منذ أكتوبر الماضي.

ثانيا: بالنسبة للجبهة في جنوب لبنان: العدو يدّعي أنه أنجز ما أراد في هذا الجبهة، لأنه اغتال قيادات المقاومة؛ فإذا كانت تصفية قيادات المقاومة إنجازا؛ فأود التذكير بأن ثورة الجزائر العظيمة، استشهد فيها ثلاثة من القادة الستة الذين أعلنوا قيامها في الأول من نوفمبر 1954، ثلاثة فقط شهدوا انتصار الثورة واستشهد ثلاثة؛ إذن فاغتيال القيادات ليس إنجازا على الإطلاق، الأهم من ذلك أنه لو كان اغتيال القيادات إنجازا ما كان السابع من أكتوبر2023، السابع من أكتوبر صنعته فصائل اغتيل كل مؤسسيها، كتائب القسام اغتيل مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، سرايا القدس اغتيل مؤسسها الدكتور فتحي الشقاقي، وكتائب أبو علي مصطفي اغتيل مؤسسها الشهيد أبو علي مصطفى، ومع ذلك فهذه الفصائل أقوى اليوم، مما كانت عليه في حياة مؤسسيها. الاغتيال الذي حدث في لبنان وادّعى الصهاينة أنهم بذلك قد ردعوا المقاومة اللبنانية، وبعدها مباشرة بدأ الاجتياح البري، وباعتراف صحيفة يديعوت أحرونوت -وهذا له علاقة بخطاب الشيخ نعيم قاسم المشار إليه- أنه تم تجهيز خمسين ألف جندي، وخمس فرق عسكرية لاجتياح جنوب لبنان، ولم تستطع إسرائيل احتلال قرية واحدة. وقالت الصحيفة صراحة أن هذا العدد هو ضعف عدد الجنود الذين شاركوا في حرب تمّوز 2006، ومع ذلك لم يستطيعوا السيطرة على أي منطقة من مناطق الجنوب اللبناني، وإذا كان العدو يدّعي أنه فكّك ما يسمى محور المقاومة، ويسميه البعض المحور الإيراني- أيا كانت التسمية؛ فهذا مردود عليه حتى وإن كانت تهدئة الجبهة اللبنانية بشكل مؤقت؛ فهناك جبهات أخرى قد اشتعلت كالجبهة اليمنية، التي استطاعت تجاوز كافة الحدود الجغرافية، وباعتراف الصهاينة أنهم لا يستطيعون احتواء التهديد اليمني، وأنهم لا يملكون أية معلومات استخباراتية عن هذا العدو الجديد، بعكس الجبهة اللبنانية والجبهة الفلسطينية، أخيرا وليس آخرا أقول أنه على عكس ما يصف البعض، أن السابع من أكتوبر كان نصرا عابرا أعقبه فراغ، أقول أن السابع من أكتوبر كان نصرا ممتدا، ولا أبالغ إن قلت أن السابع من أكتوبر في سبيله لأن يغير العالم؛ لأنه حوّل القضية الفلسطينية من قضية شبه منسية إلى القضية الأولى للحركة الطلابية في أوروبا والولايات المتحدة، في أكثر الدول عملا لصالح الكيان الصهيوني.. ما يُعرف بالمرصد المتوسطي أحصى أكثر من 2600 فاعلية ما بين مظاهرة واعتصام دعما للقضية الفلسطينية في العواصم الأوروبية؛ حتى في تلك العواصم المؤيدة للكيان الصهيوني. حين يشعر جنود الاحتلال أنهم مطاردون وملاحقون من قبل منظمة هند رجب، المسماة باسم الطفلة الفلسطينية الشهيدة، ويضطر جيش الاحتلال للتنبيه على جنوده ألا ينشروا صورا، ومقاطع مصوّرة لهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حتى لا تلاحقهم هذه المنظمة، فهذا يدلنا من المنتصر ومن المنهزم.

تعقيب ختامي لمؤلف الكتاب:

الحقيقة إنه أنا أعتقد إن الكتاب إذا كان له قيمة ما؛ فقد زادت بعد المناقشات التي تفضل بها أستاذ عبد الله السناوي والأستاذ الدكتور نيفين مسعد، لأنه في الحقيقة دائما كل نص يُقرأ بطرق مختلفة، وأحيانا يُقرأ بطريقة لا يتوقعها الكاتب، وأنا أشكر أخي العزيز الأستاذ عبد الله السناوي؛ لأنه قال أن هذا الكتاب كانت فيه لمحات من الفكر السياسي، وهو أكثر شيء يسعد به  أي كاتب، أن يكون ما كتبه قد ساهم  في إنضاج مفاهيم معينة. النقطة الثانية تتعلق بالملاحظة المهمة التي أشار إليها الأستاذ عبد الله، وهي أن الإنجاز الأهم لطوفان الأقصى؛ هو تحويله القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية عالمية. هذا التطور لا يمكن تصوّر قيمته على المدى الطويل، وأعتقد أن ما حدث شيء مذهل؛ إذ حدث التحام بين الأجيال الرابعة والخامسة من أولادنا الموجودين في الغرب، مع أجيال – كما تفضلت الدكتورة نيفين  من أجيال النخبة الأمريكية القادمة، نتحدث عن طلاب أهم جامعتين، كولومبيا في الساحل الشرقي، وبيركلي في الساحل الغربي، نحن نتكلم عن قادة المستقبل، لدينا أيضا المعهد الوطني الفرنسي الذي يخرّج القادة السياسيين، وهذا تطور بالغ الأهمية، فلم يكن الأمر مجرد ثورة شباب، هذه المرة الالتحام تم مع حركات اجتماعية حقيقة، حركات لها وجود ولها تمثيل لمصالح طبقية واجتماعية مثل: حركة حياة السود مهمة، نتحدث أيضا عن توجه عام لدى الشباب؛ الذين أصبحوا لا يثقون تماما في النظام الغربي في المرحلة النيوليبرالية،  ولا يذهبون إلى الانتخابات؛ بل يفضلون النزول إلى الشارع؛ والاحتجاج السياسي كما حدث في طوفان الأقصى.

الحقيقة أنا لن أتكلم عن الإسهامات ونقاط الاتفاق، فالدكتورة قالت كلاما بديعا عن الإضافات النظرية للكتاب؛  لكني سأتكلم في نقاط الاختلاف.

النقطة الأساسية عن المشابهة، عندما قلت أن طوفان الأقصى هو نوع من الزلازل التكتونية، وهي أخطر الزلازل لأنها تظل لأطول مدى، وأنها لا تقل في أهميتها عن حرب 56 وعن حرب 73.

في حرب 56 الناس في الغرب عندما يتحدثون عن العلاقات الدولية في التاريخ المعاصر، يضعون خطا فاصلا بين ما قبل السويس وما بعد السويس، وأنا أطلب من الأخت العزيزة الدكتورة نيفين أعطاها الله العمر والصحة والتألق الذهني، أن نجلس بعد فترة ونرى إذا كانت آثار طوفان الأقصى ستصل في مداها لحرب السويس ٥٦ أم لا.

تعبير الزلزال التكتوني ليس من عندي فقد قدَّمه باحثون أمريكيون جادون، في فورين أفيرز وفورين بوليسي، وباحثون إسرائيليون جادون، ممن لا بد أن نعترف بأنهم يكتبون نصا جادا ومختلفا عن  بعض النصوص العربية، وفي الحقيقة أنني ما زلت معتقدا في صحة هذا التعبير. سأضرب بعض الأمثلة للدكتور نيفين على أن هذا نوع من الحدث التاريخي، الذي يمكن أن تكون قيمته مثل قيمة حرب56.

د. نيفين مسعد: أنا تشككت فقط في أن طوفان الأقصى أعاد تشكيل النظام الدولي في اتجاه التعددية القطبية.

أ. حسين: مفهوم لكن دعيني -حضرتك- أضرب بعض الأمثلة، لقد رأينا لأول مرة في التاريخ، منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، أن مصير النظام السياسي الإيراني نفسه قد يصبح مهددا، الأمريكان والإسرائيليون وغيرهم يتكلمون الآن عن نظام في حالة ضعف، وأنه آن الأوان لإسقاطه من الداخل أو إعادة استخدام قوات المعارضة وغيره..  وضع لم يكن متصورا لفترات طويلة.

تركيا قد تتحول لعدو للعالم العربي بعد المشهد السوري، وقد ينحسر  الغطاء الإسلامي الذي استخدمته تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية، قد تتحول تركيا إلى عدو استراتيجي للعالم العربي، هذا يحدث الآن، أو على الأقل هناك احتمالات أن يحدث بعد المشهد السوري، وهناك احتمال كبير جدا أن تتقدم تركيا لتكون عدوا للأمن القومي العربي، بمعيار قريب جدا من الإسرائيليين.

الأمر الآخر الذي أعتقد أنه مهم، وأشار إليه أ. عبد الله، وهو أن هناك احتمالات كبيرة جدا، أن ما حدث بعد عام 1948، سيحدث بعد طوفان الأقصى، هذه النظم والطبقة الحاكمة العربية التي لديها مشكلتان أساسيتان: مشكلة في شرعية الإنجاز الاقتصادي والاجتماعي، ومشكلة في شرعية الانفتاح والاحتواء السياسي للقوى، لديها مشكلة الآن أنها فقدت شرعية الحفاظ على الحد الأدنى من استقلالية القرار السياسي، والقرار الوطني. هذا مسألة ستنعكس لابد على ما هو قادم، ليس ما يبشر به الإخوان المسلمون عن استئناف ربيع عربي جديد؛ لكن عن أن هناك مهمات  تاريخية لم تتحقق، وفشلت فيها الطبقة الحاكمة العربية؛ وتعثرت  أمام هذه التحديات، وهذا سيفتح الباب لتغييرات لا حد لها.

مسألة النظام الدولي: أعتقد أني لم أكتب نهائيا عن أننا أمام نظام دولي جديد بعد طوفان الأقصى، لكن تكلمت عن أنه في معركة طوفان الأقصى على مدى ١٥ شهرا تقريبا رُسمت خطوط النظام الدولي، بمعنى أنه – أنا واحد من الناس أرى أنه لن تكون هناك ضربة عسكرية مباشرة لإيران- السبب في ذلك أو أحد الأسباب، أن الخسائر أو التكلفة ستكون فادحة جدا، أنا أعتقد أيضا أن إيران بالنسبة للصين -على وجه الخصوص- وبالنسبة لروسيا؛ قضية لا يمكن التفريط فيها، في مسألة العلاقات الدولية، بعبارة أخرى أنا قلت أن هناك خطوط رسمت لكنها لم تتشكل بعد، بدليل أنه طوال تلك الفترة هناك انتقاد صريح وسافر للموقفين، الروسي والصيني.. وأنا قلت في الكتاب أن الصين ما زالت غير مهيّأة حتى الآن لدور الدولة العظمى، قد تكون روسيا بخبرة الاتحاد السوفييتي لديها هذه المقدرة؛  لكنها غارقة في حرب أوكرانيا وعندها هذه القيادة شديدة البراجماتية والمصلحية؛ فهي كذلك  لا تستطيع الآن  أن تلعب هذا الدور.. أنا قلت أن خطوط النظام الدولي تُرسم ولكن لم أقل أن هذا النظام  تشكل  بعد. فيما يتعلق بمواجهة الغرب مثلا ستكون هناك قيود على استعمال القوة الأمريكية، بسبب معرفتها بوزن إيران لدى الصين ولدى هذا المحور.

التقيّد الإيراني في مسيرة الحرب الطويلة أرى أنه كان خاطئا؛ لأنه أضاع فرصتين تاريخيتين  ،أضاعهما التقيد الإيراني وضبط النفس وكل هذا الكلام الذي قاله ظريف وغيره. الفرصة الأولى بعد السابع من أكتوبر، وأنا أشرت لما قاله الجنرال الإسرائيلي وغيره، من أنه كان هناك فرصة حقيقية. باحث عربي أمريكي كتب يوم 8 أكتوبر: اذهبوا إلى إصبع الجليل، وكان هذا- أعتقد- خطأ كبيرا، أنا أعتقد أن حسن نصر الله ، كان بوسعه أن يعمل، لولا تقيّده بالكوابح  الإيرانية.

الفرصة التاريخية الثانية التي أضاعوها هي بعد مقتل إسماعيل هنية، وهذه للأسف ساهم فيها العالم العربي والنظم العربية ساهمت فيها في عملية التضليل، قيل لهم أننا على وشك إنجاز اتفاق غزّة، وأن الحرب ستتوقف، وأنا كتبت هذه النقطة، تحت عنوان متى حدث الانقلاب؟ متى حدث الانقلاب في المعادلات؟ إن الإيرانيين اشتروا هذه الخديعة، ولم يقوموا بالرد إلا متأخرا جدا، كما نعرف. في هذه الفترة رفع الأمريكان كل القيود عن استخدام الصواريخ حتى التي تصل إلى 70 أو 80 مترا تحت سطح الأرض، قبل عملية البيجر، واغتيال نصر الله الذي أعتقد أن محور المقاومة كله  تبدّل بعد استشهاده كليا.

إسرائيل إلى زوال ردا على سؤال الدكتور فؤاد عبد الرازق : دكتور نيفين  وأنا نتفق في هذا الأمر، إذ إننا  نتكلم بالمعنى التاريخي الذي يتكلم عنه إيلان بابيه، ويتكلم عنه جون ميرشايمر وغيرهما، هذا الزوال بالمعنى التاريخي، وليس بمعنى أنه سيحدث حاليا، أو في المدى القصير أو حتى المدى المتوسط، وفي الكتاب مؤشرات أساسية في هذا الصدد.

في الحديث عن مصر في الكتاب، هناك ثلاثة مقالات أو ثلاثة فصول ذكرت فيها أنه حدث تحدٍ حقيقي لشرعية النظام السياسي المصري، بسبب طوفان الأقصى، وحدث تحدٍ حقيقي لأول مرة لفكرة استقرار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بسبب احتلال محور فيلادلفيا وبسبب مشروع تهجير الفلسطينيين من غزة إلي سيناء.

لمشاهدة الندوة كاملة:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock