رؤى

تحولات سوريا.. والنفوذ الإيراني في العراق

بعد التحولات الكبيرة التي شهدتها سوريا، خاصة بعد التغيرات المحتملة في المشهد السياسي في البلاد، عقب سقوط نظام بشار الأسد، يثار العديد من التساؤلات حول مصير الميليشيات العسكرية التابعة لإيران في المنطقة، وخاصة في العراق. هذه الميليشيات، التي لعبت دورا محوريا في تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، باتت تحت الأضواء في ظل التساؤلات حول مستقبلها، وما إذا كان ستجري تصفيتها أم ستدمج في الحشد الشعبي العراقي.

فبعد أن كانت قضية “حل الفصائل” وتسليم سلاحها، عبارة عن تلميحات يتحدث بها السياسيون في العراق، أصبحت الآن – في ما يبدو- واقعا في المناقشات السياسية؛ خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، لصحيفة “الشرق الأوسط”، التي أوضح من خلالها أنه لا بد من التوصل إلى تفاهمات داخلية في هذا الصدد. ورغم أن حسين لم يوضح آليات حل الفصائل، مكتفيا بتقديم أكثر من خيار لهذا الحل.

النفوذ الإيراني

لعل الأحداث الإقليمية، وما أعقبها من تغيرات جيواستراتيجية بدأت تفرض نفسها على الساحة السياسية العراقية، تلك التي تتزامن مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، ومع ما تواكب معه من أحاديث عن سعي الإدارة الأمريكية الجديدة إلى فك ارتباط العراق بـ”المحور الإيراني”، الذي تُمثل الفصائل المسلحة في العراق إحدى ركائزه الرئيسة.

والواقع، أن إيران لطالما كانت لاعبا محوريا في كل من سوريا والعراق. فمنذ بداية الأزمة السورية، في عام 2011، دعمت إيران نظام بشار الأسد عسكريا وماليا وسياسيا، بل وساهمت في بناء شبكة من الميليشيات الشيعية، التي شكّلت جزءا أساسيا من القوات التي دعمت النظام في مواجهة المعارضة السورية. هذه الميليشيات لم تقتصر على سوريا فقط، بل كانت لها فروع وقوى متواجدة في العراق ولبنان واليمن وغيرها.

في العراق، استغلت إيران الغزو الأمريكي في عام 2003، والانهيار السياسي الذي تلاه لتعزيز نفوذها هناك، خاصةً من خلال دعم الميليشيات المسلحة الشيعية. ومن أبرز هذه الميليشيات “كتائب حزب الله”، “عصائب أهل الحق”، و”منظمة بدر”. هذه الفصائل المسلحة لم تكن مجرد قوات محلية، بل كانت مرتبطة عضويا بالحرس الثوري الإيراني، وتحديدا فيلق القدس، الذي كان يقوده قاسم سليماني قبل اغتياله في عام 2020.

وعقب اجتياح تنظيم “داعش” للأراضي العراقية في عام 2014، ساهمت إيران بشكل كبير في دعم تشكيل قوات الحشد الشعبي، وهي قوة شبه عسكرية مكونة من ميليشيات مختلفة، معظمها شيعية، وقد تأسست بهدف محاربة داعش. وقد نجح الحشد الشعبي في طرد داعش من مناطق واسعة من العراق، لكنه لم يكن مجرد قوة عسكرية محلية؛ إذ كانت العديد من مكوناته ترتبط بشكل مباشر بإيران.

وقد كانت الميليشيات الإيرانية، سواء في سوريا أو العراق، تلعب دورا مزدوجا، حيث كانت تدعم بقاء نظام الأسد من جهة، ومن جهة أخرى تعزز النفوذ الإيراني في العراق، عبر تحالفات ومصالح مشتركة مع بعض الفصائل المسلحة هناك.

تحولات سوريا

بعد ما سقط نظام الأسد، فإن المشهد الإقليمي تغيّر بشكل كبير، خاصةً فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني في سوريا؛ فالميليشيات الإيرانية المتواجدة في سوريا تجد نفسها في موقف حرج، حيث ستفقد الحاضنة السياسية، التي كانت تؤمِّن لها الحماية والدعم اللوجستي. لكن الأمر لا يقتصر على سوريا فقط؛ إذ إن هذه التحولات ستؤثر بشكل مباشر على العراق، حيث تعتبر الميليشيات الإيرانية جزءا لا يتجزأ من المشهد العسكري والسياسي هناك.

في هذا السياق، تبرز عدة سيناريوهات لمصير هذه الميليشيات:

– التصفية.. بعد سقوط نظام الأسد وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا، قد تجد الحكومة العراقية أنه من الضروري تصفية هذه الميليشيات، خاصةً تلك المرتبطة مباشرة بإيران. وقد يُنظر إلى هذه الميليشيات على أنها تشكل خطرا على استقرار العراق، وقد يتزايد الضغط السياسي لتفكيكها وإنهاء وجودها العسكري. التصفية قد تأخذ شكل مواجهة عسكرية أو إجراءات سياسية وأمنية لتفكيك هذه المجموعات.

– الدمج.. السيناريو الآخر المحتمل، هو دمج هذه الميليشيات ضمن قوات الحشد الشعبي العراقية، خاصةً وأن بعض هذه الفصائل المسلحة هي بالفعل جزء من الحشد. هذا الخيار قد يكون الأكثر واقعية؛ حيث إن دمج الميليشيات الإيرانية داخل الحشد، سيتيح للعراق السيطرة بشكل أكبر على هذه القوات، وضمان ولائها للدولة العراقية بدلا من ارتباطها بالخارج. إذ إن الحشد الشعبي بات جزءا من المنظومة الأمنية الرسمية في العراق، ودمج الميليشيات الإيرانية فيه – قد يخفف من مخاطر تحوّلها إلى قوى خارجة عن السيطرة.

– الاستقلالية.. هناك احتمال أن تحاول بعض الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، الاستقلال عن الحشد الشعبي وتأسيس وجودها الخاص في العراق. قد تسعى بعض هذه الفصائل إلى لعب دور سياسي وعسكري مستقل في البلاد، مدفوعة بمصالحها الخاصة أو بتوجيهات إيرانية. هذا السيناريو قد يؤدي إلى زيادة الفوضى والعنف في العراق، خاصةً إذا حاولت هذه الميليشيات فرض سيطرتها على مناطق معينة، أو لعب دور مستقل عن الحكومة المركزية.

الحشد الشعبي

مع الاحتمال الواقعي بفقدان إيران نفوذها في سوريا بعد سقوط الأسد، سوف يتحوّل تركيزها بشكل أكبر إلى العراق بوصفها منطقةَ نفوذٍ بديلة؛ حيث يشكّل العراق أهمية استراتيجية لإيران. ومن المرجح، أن تسعى طهران للحفاظ على نفوذها هناك، عبر تعزيز دور الميليشيات المسلحة التي تدعمها. هذا السيناريو قد يعني استمرار وجود الميليشيات الإيرانية في العراق، بل وتعزيز دورها في الحياة السياسية والعسكرية في البلاد.

وعلى الرغم من أن دمج الميليشيات الإيرانية في الحشد الشعبي قد يبدو خيارا واقعيا، إلا أن هناك تحديات كبيرة تعترض هذا السيناريو..

أولا، هذه الميليشيات غالبا ما تكون موالية لإيران أكثر من ولائها للدولة العراقية، وهو ما قد يجعل من الصعب السيطرة عليها أو توجيهها نحو مصلحة العراق الوطنية.

ثانيا، هناك معارضة داخلية في العراق لتزايد نفوذ الميليشيات الإيرانية، خاصةً من قبل القوى السنية والكردية وبعض القوى الشيعية المعتدلة. هذه القوى قد تعارض دمج الميليشيات في الحشد الشعبي وتطالب بتفكيكها نهائيا.

ثالثا، الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية قد تضغط على الحكومة العراقية، لإنهاء النفوذ الإيراني وتفكيك الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران. هذا الضغط الخارجي قد يعقّد محاولات دمج الميليشيات داخل الحشد الشعبي.

وختاما، فإن مصير الميليشيات الإيرانية في العراق، بعد سقوط نظام بشار الأسد، يعتمد إلى حد كبير على التغيرات السياسية والأمنية التي ستحدث في سوريا والعراق والمنطقة بشكل عام. وبينما قد تكون هناك محاولات لتصفية هذه الميليشيات أو دمجها في الحشد الشعبي، إلا أن التحديات التي تواجه هذا السيناريو تظل كبيرة. على المدى البعيد، سيتعيّن على العراق التعامل بحذر مع هذه المسألة، لضمان استقرار العراق وتجنب تحويله إلى ساحة جديدة للصراع الإقليمي بين إيران وخصومها.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock