رؤى

عودة النازحين إلى  شمال القطاع.. وتصريحات ترامب حول التهجير!

اعتبر وزير الأمن القومي الصهيوني المستقيل المتطرف إيتمار بن غفير، عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزّة اليوم الإثنين بمثابة “جزء مهين آخر من الصفقة المتهورة” التي قبلت بها حكومة ناتنياهو لوقف إطلاق النار.

كان المشهد صباح اليوم أقوى من أي بيان- حين تدفّق نحوٌ من نصف مليون فلسطيني عبر محور نتساريم، الذي انسحبت منه قوات الاحتلال، والذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه.

في منشوره الذي كتبه على منصة X اعتبر بن غفير أن ما حدث اليوم هو صورة من صور انتصار حماس.. وأن العودة الفلسطينية على هذا النحو تمثّل “الاستسلام الكامل” من الجانب الصهيوني، على عكس ما وصف ناتنياهو الأمر بأنه “النصر الكامل”.

وتساءل رئيس حزب العصبة اليهودية اليميني المتطرف مستنكرا؛ مما آل إليه الأمر- في ذات المنشور: هل ضحّى “أبطال” جيش الدفاع بأرواحهم، من أجل أن تكون تلك الصور ممكنة؟

ودعا بن غفير في نهاية منشوره إلى ضرورة العودة إلى القتل والتدمير، لاستعادة الهيبة المفتقدة.. على حد زعمه.

حمل المشهد أيضا ردا بالغ القوة على تصريحات ترامب السبت الماضي، والتي أعلن فيها أن على الأردن ومصر استقبال نحوٍ من مليون فلسطيني من أهالي القطاع الذي “دُمِّر تماما ولم يعد صالحا للعيش”. بالطبع اعترض مسئولو البلدين على هذه التصريحات، التي تبدو خارجة تماما عن السياق؛ لا لشيء إلا أنها تتحدث عن شعب قدّم أقوى البراهين، على تمسكه بأرضه؛ على نحو أقل ما يوصف به أنه بطولي ونادر الوجود.

ويبدو أن العقلية الاستيطانية المشتركة بين الأمريكي والصهيوني، والتي تعتمد الإبادة الجماعية والتهجير والإبعاد منهجا لها؛ لم تستوعب بعد مآلات الحرب على القطاع، والتي دامت لأكثر من خمسة عشر شهرا، قدّم خلالها الغزيون تضحيات لا حصر لها؛ لكنها بالمقابل أعادت كثيرا من الأمور إلى نصابها الصحيح؛ فقد بات القاصي والداني يعلم أن الكيان الصهيوني دولة فصل عنصري، لا يتورع عن ارتكاب جرائم الحرب، وأن سرديته القائمة على الاستضعاف لا تعدو كونها ركاما من الأكاذيب.. وأن الولايات المتحدة متورطة تماما مع هذا الكيان في كل جرائمه، أو أنه يمارس إجرامه بالوكالة عنها في المنطقة العربية؛ كأي كيان استيطاني وظيفي يمارس مهامه نيابة عن قوى الاستعمار القديم.

غزة

ربما يكون قادة الكيان ومعهم ترامب -الآن- في حالة من الإنكار؛ تفرض عليهم نوعا من التفكير الدفاعي الذي يتجلى في إحالات و”أمنيات” تكذّبها كل الوقائع، وتأبى النتائج على الأرض الرضوخ لها.

هذه الحالة التي تشبه الخبل التي انتابت الصهاينة وأذنابهم- خاصة في المنطقة العربية- تؤكد هزيمة الكيان الصهيوني الذي أخرج كل ما في جعبة إجرامه، ومستودعات ذخائره التي باتت خاوية، حتى أن جنرالات سابقين في جيش الاحتلال أعلنوا أن كثيرا من الطلعات الجوية كانت بدون قنابل، وأن الطائرات اعتمدت فيها على الترويع الصوتي فقط!

لابد أن نشير أيضا إلى أن معركة طوفان الأقصى؛ كما قلبت موازيين القوى، وأعادت الاعتبار والجدوى للنضال الإنساني الشريف، في مواجهة أعتى الأسلحة- فقد أحبطت المعركة أيضا العديد من المخططات، بدءا من صفقة القرن، ومرورا بخطة الجنرالات، وسيناريو اليوم التالي للحرب، وليس انتهاء بمستقبل ناتنياهو السياسي الذي صارت نهايته مسألة وقت، خاصة أن عاما من الحرب شهد مقتل المئات من جنود العدو – أفضى في النهاية إلى القبول بنفس الاتفاق الذي رُفض سلفا، والذي حمل كثيرا من التفريط والإهانة لإسرائيل حسب رأي الكثيرين من الصهاينة.

إلى جوار مشاهد التاسع عشر من يناير (اليوم الأول لتنفيذ الاتفاق) وظهور المقاومة في أنحاء عزّة في أفضل صورة، وترتيبات تسليم الأسيرات الثلاث، وما تضمّنه من دلالات- نضع اليوم مشهد العودة إلى الشمال؛ وما زلنا في انتظار العديد من المشاهد التي ستضيفها المقاومة إلى مشهد انتصارها المتحقق، الذي أصبح عصيا على الإنكار.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock