رؤى

من “غيبور” إلى “تياسير”.. جيش من رجل واحد!

“طار اليعسوب بجناحه

يا يما طار

نزل على ترشيحا

في المعسكر”.

بهذه الكلمات تغنت أنشودة شعبية فلسطينية، انتشرت في أواخر عقد الثمانينات، بعملية فدائية عُرفت آنذاك باسم عملية “الطائرات الشراعية”.

كانت العملية التي نفذها فدائيون من جنسيات عربية مختلفة، قبل اندلاع الانتفاضة الأولى بشهر واحد، وتحديدا في نوفمبر ١٩٨٧، قد ألهمت كثيرين بسبب جرأتها وفكرتها غير المسبوقة.

حيث تمكّن المقاتل السوري الشهيد خالد أكر، من عبور الحدود بين جنوب لبنان، موضع انطلاق العملية، والداخل الفلسطيني المحتل عام ١٩٤٨، بطائرة شراعية.

ثم وصل “اليعسوب” كما أسمته الأغنية أو المقاتل الشهيد إلى مبتغاه، وهو معسكر غيبور الصهيوني؛ ليفتح نيران سلاحه على جنود الاحتلال، الذين باغتهم وقتل منهم ستة جنود، وأصاب ثمانية آخرين قبل أن يرتقي شهيدا على أرض فلسطين.

من الطريف حقا، أن هذه العملية شكَّلت حرجا بالغا؛ لجيش الاحتلال مع اندلاع الانتفاضة الأولى، حيث كانت تشهد تظاهرات الانتفاضة نوعا من “المعايرة” من قبل المتظاهرين الفلسطينيين للجنود الصهاينة، خاصةً حين كانوا يهتفون في مواجهتهم “ستة مقابل واحد” في إشارة إلى تمكُّن مقاتل واحد من مجابهة قوة كاملة من جيش الاحتلال، والاجهاز على ستة منهم.

في صبيحة الرابع من فبراير من عام ٢٠٢٥، أفاق جيش الاحتلال الصهيوني، على مشهد أعاد إلى أذهان كثيرين عملية خالد أكر.

حيث كمن مقاوم فلسطيني، لجنود الاحتلال قرب موقع وحاجر تياسير العسكري، القريب من مدينة طوباس بالضفة الغربية، وارتدى زيا مموها شبيها بزيهم العسكري بغرض التمويه.

وما إن خرج جنود الاحتلال من معسكرهم إلى موضع الكمين؛ حتى فاجأهم المقاوم وأطلق النار عليهم ثم تمكَّن من اقتحام المعسكر منفردا، ونجح في السيطرة على الطابق العلوي من البرج العسكري، وإدارة الاشتباك مع الجنود.

استمرت المعركة رغم استدعاء الجنود لقوة إضافية، وبعد ساعات طويلة أسفرت المواجهة عن استشهاد المقاوم، بعد أن تمكَّن من قتل جنديين وإصابة ثمانية، بعضهم بجراح خطيرة من أصل ١١ جنديا تواجدوا في الموقع.

بدأت الاسئلة تتزايد في الإعلام العبري، مع الكشف عن مزيد من التفاصيل عن العملية، إذ تساءلت القناة ١٢ العبرية؛ كيف حدثت هذه العملية، وسط تأهُّب قيادة المنطقة الوسطى، ونشرها قوات كبيرة في المنطقة المحيطة.

كما ذكرت صحيفة معاريف أن أغلب المصابين بعملية تياسير، من جنود الاحتياط الذين استدعوا مؤخرا للمكان، في إطار تعزيزات عسكرية، وأن المصابين من الكتيبة نفسها، التي أصيب قائدها بجروح خطيرة، وقتل أحد جنودها قبل العملية بأيام في منطقة طمون بالضفة الغربية.

وخلصت معاريف إلى أن “نتائج عملية تياسير صعبة وغير مقبولة للجيش وثمة خطأ وقع ونبحث في أسبابه”.

وما زاد الحرج بالنسبة لجيش الاحتلال، هو أن العملية أتت في توقيت يزيد فيه هذا الجيش من عديد قواته، ومن عملياته العسكرية في الضفة الغربية، وخاصةً في مخيم جنين.. ويزيد معها من جرائمه المرتكبة هناك على نحو يُذكِّر بجرائمه في قطاع غزة، والتي وصلت إلى حد نسف مربع سكني كامل من أرض المخيم المذكور.

دوافع الجيش الصهيوني وحكومته إلى هذه الزيادة، هو تحذير المؤسسة الأمنية الصهيونية من احتمال تكرار سيناريو السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، في الضفة الغربية وخشية الصهاينة من أن يؤخذوا على حين غرة في الضفة كما أخذتهم المقاومة الفلسطينية في غزة في ذلك اليوم المشهود.

لكن اللافت أن من أعاد تذكير الصهاينة بـ”كابوس” السابع من أكتوبر، كما تسميه الصحافة العبرية، لم يكن فصيلا مقاتلا، ولا حتى عدة فصائل، وإنما كان شابا واحدا، لا يزال مجهول الهوية٬ استطاع تجاوز كافة إجراءات العدو الأمنية.

في عملية تياسير كما في عملية “الطائرات الشراعية”٬ كشف مقاتل واحد عن وهن داخلي يعاني منه جيش يتباهى قادته بأنه الأقوى في المنطقة.

وفي كلا المرتين، بدا كلا الشهيدين المذكورين أعلاه، وكأنهما صوت ينبعث من تاريخ الأمة؛ ليُذَكِّرها بمقولة تنطبق على كليهما “لا يهزم جيش فيه مثله”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock