رؤى

طوفان الأقصى.. وحديث “الترحيل” المزعوم

من بين عشرات القصص، التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة، للأسرى المحررين في صفقة تبادل الأسرى، بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، برزت قصة الأسير المحرر علي صبيح.

صبيح الذي حررته المقاومة من سجن الاحتلال، الذي قضى فيه ٢٤ سنة كاملة، كان قد عقد قرانه لتوه على زوجته، قبل أن يعتقل على يد قوات الاحتلال الصهيوني.

ومن اللافت أن صبيح احتفظ بخاتم الزواج، أو “الدبلة” كما تُسمى في المشرق العربي، طيلة مدة أسره ورفض خلعها؛ بل ووصل به التمسك بالخاتم أن ابتلعه؛ حين حاول سجَّانوه انتزاعه منه بالقوة، وما إن خرج من محبسه؛ حتَّى وضع الخاتم من جديد في إصبع زوجته الصابرة.

لا يملك المتابع للأحداث سوى أن يتذكر قصة علي صبيح، وهو يراقب تصريحات الرئيس الأمريكي، حول رغبته في تهجير أهل غزة من ديارهم إلى بلد آخر.

ولعل أبسط ما يقال عن هذه التصريحات، أنها تعكس قدرا هائلا من عدم الإدراك، من قِبَل الرئيس المذكور، لطبيعة الشعب الفلسطيني التي يجسدها صبيح؛ ذاك الشعب الذي يأبى التنازل أو التخلي عن خاتم؛ فضلا عن أن يتخلى عن أرضه وموطنه.

كما أنها تعكس أيضا عدم إدراكٍ لدرس التاريخ، الذي وعاه سياسي مخضرم، وهو رجل الدولة النمساوي مترنيش، حين قال: “لا تستطيع أن تصل على طاولة المفاوضات، أبعد مما تستطيع أن تصل إليه مدافعك على الأرض”.

فالشعب الذي لم يهجر أرضه بعد أن ألقيَّ عليه نحوا من ٨٠ ألف طن، من القنابل والذخائر الأمريكية الصنع، وبعد أن قتل منهم نحوا من ٥٠ ألف شهيد، والذي تدفق كالسيل الجارف بمجرد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلى دياره في شمال القطاع، وهي لا تزال ركاما وحطاما، ليس من الوارد أو المحتمل أن يهجر تلك الأرض بضغوط السياسة والتفاوض.

وفي حين احتفت وسائل الإعلام العبرية، بتصريحات ترامب التي فاقت أقصى أحلام اليمين الصهيوني المتطرف- فإن قلة قليلة من العقلاء من المعلقين الصهاينة أبدوا تشكيكاً في “خطة” الرئيس الأمريكي.

وفي مقدمة هؤلاء البروفيسور إيتان جلبوع، خبير الشئون الأمريكية الذي أوضح أن خطة ترامب لا تتماشى مع “مع الثقافة الدينية والسياسية السائدة في غزة، طالما هناك أشخاص مستعدون للتضحية بأنفسهم من أجل أيديولوجيا، فإن فكرة أنهم سيرغبون في حياة أفضل خارج غزة لن تكون قابلة للتطبيق”.

كما وصف اللواء احتياط غاي تسور، القائد السابق للقوات البرية الصهيونية، تصريحات ترامب بأنها “مجرد تصريح فارغ، لا تستطيع إسرائيل، أن تجعل جيشها يرحّل سكان غزة عبر مصر أو بالسفن”.

أما صحيفة هآرتس فاعتبرت تصريحات الرئيس الأمريكي “سلسلة من الثرثرة المبعثرة، مع القليل من المضمون الفعلي وجرعة كبيرة من الشعبوية والمبالغات الفارغة”.

وأضافت: “هذا هو مصدر شهرة ترامب، وهذه هي أيضا الأسباب التي جعلته يُنتخب: إفراغ علني غير مُراقب للمشاعر الشعبية، التي غالبا ما تكون شعبوية وعنصرية، تُقدَّم كأفكار منطقية، وتصريحات بلا خطة حقيقية، وبالتالي بلا إمكانية للتحقق، ما يجعلها -رغم الضجة الكبيرة- عديمة الأهمية من الناحية العملية”.

على صفحات الصحيفة نفسها، نشر الكاتب أوري مسعاف، مقالا بعنوان “ليس لدينا وقت لهراء ترامب. لن يكون هناك ترحيل من غزة”.

واعتبر الكاتب في مقاله أنه “لن يكون هناك أي “ترحيل” من غزة، ولن يبني الأمريكيون هناك “ريفييرا”، لا توجد خطة، ولا عمل تحضيري، ولا جدوى، ولا يوجد من سيستقبل على أرضه مليوني فلسطيني”.

وأضاف: “من المهين للذكاء أن نأخذ تصريحات ترامب العشوائية على محمل الجد، إنه مختل عقليًا تماما، ونحن نعيش في عصر من الانحدار المتسارع. صحيح أن نتنياهو هو أيضا مختل نفسي بلا ضمير، لكنه ليس غبيا. حتى هو تجمّد بعدم ارتياح عندما بدأ ترامب يهذي حول إخلاء غزة، بينما كان نتنياهو يفرط في كيل المديح المحرج له”.

أما موقع والا العبري فأشار إلى تراجع إدارة ترامب ذاتها عن تصريحاتها في هذا الشأن، حيث “لم يمضِ على قفزة ترامب في الهواء حول التهجير الطوعي لأهالي قطاع غزة والسيطرة الأمريكية عليه سوى ساعات؛ حتى أوضح البيت الأبيض أنه لا نية لإرسال جنود أمريكيين للقطاع أو السيطرة عليه”.

وأضاف الموقع “ما حصل يذكرنا بقفزة ترامب في الولاية الأولى حين وعد  بتحويل كوريا الشمالية إلى “ريفيرا” وكان مصير الخطة سلة المهملات”.

لكن رد الفعل الأبرز والأهم هو رد فعل أهل قطاع غزة أنفسهم، والتي أبرزتها مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تناولت مقاطعهم المصورة سخرية من الرئيس الأمريكي و”خطته” وعلَّق طفل من قطاع غزة على تلك “الخطة” المزعومة بشكل لا يخلو من التهكم: “نحن على استعداد أن نرحل من غزة، ولكن صوب أراضينا المحتلة منذ عام ١٩٤٨”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock