عن دار الفلق بالمملكة المتحدة صدر الشهر الماضي كتاب “طوفان الأقصى.. من غيّر قواعد اللعبة؟” للكاتب والمحلل السياسي. الإعلامي حسين عبد الغني. يقع الكتاب في نحوٍ من ثلاثمئة صفحة من القطع الكبير، وهو -كما ذُكر في بدايته “وحدة موضوعية تتناول زلزال طوفان الأقصى أفاد فيها الكاتب من مضمون مئة مقال في الصحف، وتحضير بحثي لنحو 50 محاضرة، ومقابلة تليفزيونية نشرها وأجراها في عامي 2023،2024”.
يشتمل الكتاب على مقدمة وتسعة فصول وخاتمة، تتضمن المقدمة ثلاثة مواضيع هي: طوفان الأقصى حدث تاريخي، جروح قديمة وأسئلة يُراد طمسها، طوفان الأقصى.. الأثر العالمي.
في الموضوع الأول يتناول الكاتب معركة طوفان الأقصى بوصفها أثرا ممتدا في الزمان والمكان، ناعتا إياها بالحدث التاريخي الذي يختلف ما قبله عما بعده، وتتجاوز تأثيراته حدود البلد والإقليم إلى العالم بأسره.
يرى عبد الغني أن المعركة كان لها من الفاعلية؛ بحيث أنها أعادت صياغة الصراع العربي الصهيوني، وأعادت “توجيه مساره ونتائجه” وفتحت ماضي القضية الفلسطينية وحاضرها ومستقبلها، لـ “تعاد قراءة تاريخ هذا الصراع، ومواجهاته، وتسوياته من جديد”.
يستمر الكاتب في استعراض أسبابه لوصف طوفان الأقصى بالحدث التاريخي.. ذاهبا إلى أن المعركة بما أحدثته من زخمٍ؛ طرحت من جديد كل القضايا، وفتحت كل الجروح واستدعت كل الأسئلة الوجودية التي عمل العدو على طمسها، مستبدلا بها “سردية كاذبة” تزييفا لوعي الأجيال الجديدة، في سبيل إخراج القضية الفلسطينية من مركزيتها، بين كافة القضايا التي تُهم المواطن العربي.
في الموضوع الثاني يقارن الكاتب بين معركة طوفان الأقصى والحروب العربية السابقة – نظامية وغير نظامية- ضد الكيان المؤقت، واختلاف الآراء حول ذلك؛ حيث اعتبر معسكر المعادين للمقاومة أن المعركة أشبه ما تكون بنكبة 1948، بينما يرى الكاتب ومناصرو المقاومة أن المعركة “من حيث تأثيرها الإقليمي والعالمي… تشبه حرب السويس عام 1956”. والتي كانت إيذانا بانتهاء عهد الاستعمار القديم متمثلا في بريطانيا وفرنسا.

ويذهب الكاتب إلى أن المعركة غيّرت طبيعة الصراع مع العدو الصهيوني، فبينما غابت الدول العربية بجيوشها النظامية؛ وأسلحتها المُكدّسة في مخازنها؛ ليأكلها الصدأ.. برزت أدوار المنظمات محدودة العدد والعتاد، والتي استطاعت بالمبادأة القتالية أن توجع العدو، وتهز كيانه.
ويعرض الكاتب لعدد من نتائج تراجع دور مصر في محيطها العربي والإقليمي، ويرى أن ذلك أدى إلى تمدد نفوذ دول غير عربية (إيران وتركيا) وتبوُّؤ دول عربية “قليلة الخبرة، كثيرة المال، لأدوارٍ مؤثرة” وهذه الدول اختارت التبعية لأمريكا طواعية حفاظا على بقاء أنظمتها، وطلبا للحماية لها، فكان أن اختارت طريق التطبيع مع العدو، وهرولت فيه حتى بلغت حدود التواطؤ.
ويدلل الكاتب على أهمية معركة طوفان الأقصى بوصفها أكبر تحدٍ وجودي واجه الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية-حسب تصريح وزير دفاع أمريكي سابق- كما وصفت المعركة بأنها تهديد مباشر بالهدم “للهندسة السياسية التي بناها هنري كيسنجر، وضمنت هيمنة أمريكا على المنطقة”.
ويرى حسين عبد الغني أن النظام الإقليمي العربي الذي يذهب البعض إلى أنه انهار فعليا في 1990 بغزو العراق، وأعاد طوفان الأقصى تشييعه بعد الموقف العربي المرتعد والمتخاذل وشبه المتواطئ- لم ينته ولكنه تحوَّل إلى وحدات متنافرة؛ تعمل ضد بعضها وتتعادى، ولكنها لا تعادي دولة الاحتلال الصهيوني. في الموضوع الثالث يتناول الكاتب الأثر العالمي لمعركة طوفان الأقصى.. وتحت عنوان الردع التقليدي.. والخيار النووي؛ يذهب عبد الغني إلى أن الولايات المتحدة مازالت “صاحبة اليد الطولى” وأن دولة الاحتلال ما زالت تأتمر بأمرها.. وإن كان جيشها يعربد في فلسطين ولبنان ويوجه الضربات بصورة منتظمة لسوريا -قبل سقوط نظام الأسد- إلا أن الأمر إذا تعلَّق بإيران؛ فهناك حسابات أخرى لما تملكه من “وقوة ردع نووية”.
ويرى الكاتب أن طوفان الأقصى – من حيث الأثر العالمي- ربما يُمثِّل خطوة نحو نظام متعدد الأقطاب، أو بعبارة أكثر وضوحا “ساهمت حرب طوفان الأقصى في بلورة تحالف عالمي معادٍ لهيمنة أمريكا على العالم، مكوّن من الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران”.
وينهي الكاتب مقدمة الكتاب ذات الموضوعات الثلاث بما أحدثته معركة طوفان الأقصى من تفجير “لأكبر ثورة شباب في العالم، وفي الغرب منذ ثورة الشباب نهاية الستينات بسبب حرب فيتنام، وهذه المرة كانت تعاطفًا مع القضية الفلسطينية، قدرت تقارير أنها تقترب من 25 ألف مظاهرة”.
فلقد تحرك الطلاب مناصرة لفلسطين في جامعات النخبة التي تُخرِّج قادة المستقبل في الغرب بطول الولايات المتحدة وعرضها، وفي أعرق الجامعات الأوربية، حتى قال أحد نجوم هوليود.. أن الغرب إذا أراد استعادة معنى الحياة عليه أن يقف ضد الاحتلال الصهيوني ونظام الفصل العنصري الذي يمارسه، مناصرا لأكثر القضايا عدالة في هذا العالم، وهي القضية الفلسطينية. وإذا لم يكن لطوفان الأقصى غير هذا التحول الكبير في العقلية الغربية.. لكان ذلك كافيا جدا.. رغم عظم التضحيات التي قدمها شعبنا الفلسطيني البطل.