مع اتجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التقارب مع روسيا، ومع الروسي الروسي فلاديمير بوتين، يثور عدد من التساؤلات بخصوص إمكانية تأثير هذا التقارب على “مواقع” متعددة في المنطقة العربية ومحيطها الشرق أوسطي. وضمن أهم هذه المواقع، التي يبدو أنها سوف تتأثر بالتقارب الروسي الأمريكي، هو إيران؛ وذلك من منظور تأثير التقارب إياه على العلاقة الاستراتيجية المتنامية بين موسكو وطهران.
صحيح أن التقارب الأمريكي الروسي، المتوقع، يرتكز على جهود التوصل إلى تسوية للحرب الأوكرانية؛ لكن، رغم ذلك، فإن عددٍ من الدول في الشرق الأوسط سيكون لها نصيب من التأثر بهذا التقارب، خاصةً إيران؛ من حيث إنها أعربت مؤخرا عن استعدادها لاستكشاف إحياء الدبلوماسية بين واشنطن وطهران، وذلك في إطار المبادرة التي طرحها ترامب بشأن صفقة جديدة تسمح لإيران بـ”النمو والازدهار سلميا”؛ بما يعني واقعيا إعادة التفاوض حول البرنامج الإيراني النووي، وربما البالستي أيضا.
هنا، يُصبح التساؤل حول الدور الروسي في هذا الشأن، خاصةً أن روسيا كانت من بين الأطراف في الاتفاق النووي الإيراني، في عام 2015، الذي تخلى عنه ترامب خلال ولايته الأولى.
تحالف استراتيجي
منذ بداية عهد دونالد ترامب الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية، شهد العالم تحولات سياسية عميقة أثرت على مختلف الجبهات الدولية، بما في ذلك العلاقة الأمريكية-الروسية. ومن بين التساؤلات التي تُثير الاهتمام، يأتي التساؤل الخاص بالعلاقة بين روسيا وإيران، خاصة في ظل التحالف الاستراتيجي الذي تطور بين البلدين على مدى العقدين الماضيين، والذي كان مدفوعا بمجموعة من المصالح المشتركة، خصوصا في ملفات الشرق الأوسط، مثل سوريا والعراق.
بل، إن مثل هذا التحالف يتأكد إذا لاحظنا جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في المنطقة الذي استهلها بلقاء في الرياض مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في 18 فبراير، تلتها زيارات متتابعة إلى تركيا في 23 فبراير، إيران في 25 فبراير، وقطر في 26 فبراير.
وتأتي زيارة لافروف إلى طهران، في وقت حساس بالنسبة للعلاقات الروسية الإيرانية؛ إذ، تأتي هذه الزيارة في ظل تعقيدات دولية متزايدة، لا سيما بعد التحولات في السياسة الأمريكية والغربية تجاه الشرق الأوسط، وارتفاع وتيرة الضغوط الاقتصادية على إيران بسبب العقوبات الدولية. والواقع، أن هذه الزيارة تمثل جزءا من الجهود الروسية لتعزيز التحالف مع إيران؛ من حيث إن تعزيز هذا التحالف يساهم في إضعاف التأثير الغربي في المنطقة؛ وفي الوقت نفسه، يوفر لروسيا شريكا موثوقا في العديد من الملفات الإقليمية مثل التحولات السورية والوضع في العراق. إذ، إن إيران تُعد شريكا رئيسا لروسيا في المنطقة، ولطالما كانت موسكو داعمة لطهران في المحافل الدولية؛ واللقاء بين لافروف والقادة الإيرانيين كان فرصة لتعميق التعاون العسكري والاقتصادي مع إيران.
تقارب براغماتي
رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، إلا أن ملامح التقارب الأمريكي الروسي سوف يتسم بقدر من التفاهم والتوافق على بعض الملفات الاستراتيجية، خاصة بعد لقاء لافروف مع روبيو في الرياض.
وقد أظهر ترامب، عبر عديد من التصريحات، استعداده للتعامل مع روسيا من منطلقات براغماتية، مُعتمدا على المبدأ الشهير “أمريكا أولا”. وبالتالي، إذا حدث تقارب بين ترامب وبوتين، فإنه قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية بطريقة تؤثر على العلاقات بين روسيا وإيران.
من أهم الآثار المحتملة لهذا التقارب:
هناك، أولا، تخفيف الضغوط الأمريكية على روسيا وإيران؛ فإذا تمكن ترامب من إقامة علاقة أفضل مع بوتين، فقد يسعى إلى تخفيف العقوبات على روسيا، وهذا قد يفتح الباب أمام تخفيف بعض الضغوط على إيران، نظرا لأن روسيا كانت دائما داعما رئيسا لطهران في مواجهة العقوبات الغربية. إلا أنه، من جانب آخر، فإن التقارب الروسي الأمريكي قد يؤدي إلى إعادة توجيه الأولويات الاستراتيجية لروسيا، حيث قد ترى موسكو أن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة أكثر فائدة من التحالف الوثيق مع إيران.
وهناك، ثانيًا، إمكانية التنسيق الروسي الأمريكي في سوريا؛ حيث تعتبر سوريا واحدة من النقاط الساخنة التي يمكن أن تتأثر بالتقارب بين موسكو وواشنطن. ورغم أن روسيا وإيران تعاونتا بشكل وثيق في سوريا لدعم نظام بشار الأسد، فإن أي تقارب بين بوتين وترامب قد يؤدي إلى تفاهمات جديدة بين روسيا والولايات المتحدة حول مستقبل سوريا. وقد تُضطر روسيا لتقديم بعض التنازلات على حساب الدور الإيراني في سوريا، مقابل تحسين العلاقات مع الغرب.
وهناك، ثالثا، توازن القوة في الشرق الأوسط؛ إذ، قد يؤدي التقارب بين ترامب وبوتين إلى توازنات جديدة في الشرق الأوسط. إذا نجح بوتين في الحصول على تنازلات أمريكية، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع نسبي في الدعم الروسي لإيران، وهذا قد يؤثر سلبا على النفوذ الإيراني في المنطقة، لا سيما في دول مثل العراق وسوريا ولبنان، فضلا عن اليمن.
هذا، فضلا عن أنه إذا قررت روسيا تقديم تنازلات للغرب، في سبيل تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، فقد تتعرض إيران لخطر فقدان أحد أهم داعميها على الساحة الدولية. في هذه الحالة، قد تجد طهران نفسها أمام عزلة أكبر، مما سيزيد من صعوبة مواجهة العقوبات والضغوط الاقتصادية المتصاعدة.
علاقات الضرورة
على الرغم من التحديات التي قد تواجهها العلاقة الروسية الإيرانية، في ظل تقارب بوتين مع ترامب، إلا أن طهران تدرك أهمية هذا التحالف؛ فإيران تعتمد على روسيا في العديد من الملفات الدولية، سواء في ما يتعلق بالدعم العسكري أو التنسيق السياسي على مستوى العلاقات الدولية. ولذلك، فإن القيادة الإيرانية ستحاول الحفاظ على هذا التحالف بأي ثمن.
وربما تلجأ إيران إلى تعزيز تعاونها مع روسيا في مجالات أخرى مثل الطاقة، حيث يمكن للبلدين تطوير مشروعات مشتركة تزيد من تقاربهما. كما أن التعاون في إطار “الاتفاق النووي”، يمكن أن يكون ورقة ضغط تستخدمها إيران لتحفيز روسيا على مواصلة دعمها، بصرف النظر عن أي تفاهمات محتملة بين بوتين وترامب.
في هذا الإطار.. يبقى التقارب المحتمل بين ترامب وبوتين أمرا مفتوحا على العديد من الاحتمالات؛ فإذا حدث هذا التقارب، فإنه سيكون له تأثيرات مباشرة على الشراكة بين روسيا وإيران، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي. وقد تجد إيران نفسها مضطرة إلى التكيف مع توازنات جديدة في المنطقة والعالم، ولكن من غير المتوقع أن تتخلى روسيا عن تحالفها مع طهران بشكل كامل، نظرا للمصالح المشتركة التي تجمع بين البلدين في عدة ملفات، لا سيما في الشرق الأوسط.