جاءت ردود الأفعال على مسلسل “شهادة معاملة أطفال” لـ محمد هنيدي مخيبة للآمال، حيث لم يحقق العمل أي نجاح يُذكر، وتعرّض لانتقادات شديدة؛ بسبب تواضع عناصر العمل الفني، بداية من السيناريو الضعيف والمترهل؛ حتى الإخراج غير الجيد، مرورا بالكوميديا ثقيلة الظل التي يقدمها هنيدي في العمل، لكن الأزمة في محمد هنيدي نفسه، حتى لو تعامل مع أهم مؤلفي ومخرجي الدراما في العالم لن يحقق النجاح.
هنيدي يكرر خطأ إسماعيل يس سابقا وهو عدم التطور وتكرار ما يقدمه من أداء وموضوعات على مدار سنوات طويلة منذ صعود نجمه في بداية الأربعينات، وحتى تراجعه في الستينات، حتى ملَّ الجمهور بعد أن أدركه التشبّع، ومع ظهور جيل جديد من الكوميديانات (فؤاد المهندس، عبد المنعم مدبولي، وغيرهم من أبناء جيلهم) والذين قدموا شكلا جديدا ومتطورا من الكوميديا، وتزامُن ذلك مع ظهور مسرح التليفزيون الذي سمح لهم بالانتشار والنجاح، ما أدّى لتراجع “سُمْعَه” وانتهائه فنيا؛ حتى اضطر للعودة للأدوار الثانوية في أفلام لبنان المتواضعة كما عمل “مونولجستًا” مرة اخرى.
نفس الأمر مع هنيدي، الذي ما زال مصمما على ما يقدمه من كوميديا منذ “إسماعيلية رايح جاي” حتى الآن، متجاهلا أن الكوميديا وفن التمثيل يتطوران ويتغيران مع الزمن، والجمهور نفسه اختلف أيضا، وكان لزاما عليه أن يواكب هذا التغير، بتغيير شامل في الأداء وطريقة اختيار الأعمال، تكرار الفشل اعتبره هنيدي أمرا عابرا أو أرجعه لأسباب أخرى غيره هو نفسه، وهو ما جعل الفشل مصاحبا له ومتكررا في اعماله الأخيرة “مرعي البريمو و”نبيل الجميل” و”الإنس والنمس” وأفلام اخرى قبلها كلها عبارة عن اسكتشات كوميدية بلا رابط درامي تعتمد على إفيهات هنيدي المعتادة وصراخه، في الوقت الذي ظهر فيه جيل جديد من الكوميديانات محققين نجاحا كبيرا رغم التفاوت في مستوى ما يقدموه من أعمال فنية، إلا أن الحقيقة التي تجاهلها هنيدي، هي أن هؤلاء الشباب أصبحوا نجوما ومطلوبين في السينما والدراما التليفزيونية ويتهافت عليهم المنتجين والموزعين في مصر والخليج، بفضل كوميديا مختلقة قدموها وحققت النجاح وأصبح لها جمهور ومعجبين وبدلا من أن يحاول التغيير ويبحث عن معادلة نجاح مختلفة يستطيع من خلالها منافسة هؤلاء الشباب، استمر في تكرار نفسه وانتقل من فشل لفشل.
على هنيدي -إن كان يريد العودة للنجاح كما كان- أن يقتنع بدوران عجلة الزمن، وأنه لابد أن يواكبها؛ وإلا سوف تتجاوزه لمن يحترمها أكثر منه، أن يقتنع أنه جزء من مشروع وفي خدمته، وليس المشروع في خدمة النجم الذي يفعل ما يريد في العمل الفني متجاوزا دور الممثل، إن السيناريو الجيد أساس العمل الفني، وليس شيئا ثانويا يمكن تجاوزه بالارتجال والاستظراف، وإلا سوف يكون مصيره كمصير إسماعيل يس.. فشل متكرر وتراجع حتى الاختفاء.