في الفصل الخامس من الكتاب -وعبر ثلاث مقالات- يحاول الكاتب استقراء مآلات معركة طوفان الأقصى، وما تحقق فيها من نصر أولي، من الممكن أن ينقلب إلى هزيمة استراتيجية، على غرار ما حدث في نصر أكتوبر 1973.
ثم يتناول الكاتب المخططات الأمريكية والإسرائيلية لمستقبل المنطقة بعد انتهاء الحرب، وإسناد مهمة القضاء على المقاومة للحلفاء في الأنظمة العربية، بعد فشل الكيان الصهيوني في ذلك.
يتطرق الكاتب بعد ذلك للدور المصري، والضغوط الشديدة التي تمارسها الولايات المتحدة على نظام الرئيس السيسي، ويطرح الكاتب تساؤلا مهما بهذا الشأن وهو: هل الغموض في التصريحات المصرية يعكس تناقضا داخليا في صنع القرار، أم أنه محاولة لخلق هامش مناورة في مواجهة الأزمة؟ ويذهب الكاتب في تحليله للموقف المصري، إلى أن ثمة انقسام داخلي في مصر، بشأن الحرب على غزّة، وهذا الانقسام يُظهر وجود تيارين داخل النخبة المصرية: أحدهما يميل إلى الرضا الأمريكي واستمرار معاهدة السلام مع إسرائيل، والآخر يرى أن تصفية المقاومة والقضية الفلسطينية، يشكل تهديدا للأمن القومي المصري والعربي.

ما يحذر منه عبد الغني، هو أن تتغلب الأصوات المنادية بضرورة الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل؛ مهما كانت التضحيات التي على مصر تقديمها؛ حتى ولو كان التضحية بدورها الإقليمي وقيمتها في المنطقة، وهو ما يعني خسارة استراتيجية جسيمة.
يأمل الكاتب أن تنتهز مصر هذه الفرصة التاريخية، لتعود إلى مكانها الشاغر في قيادة الأمة العربية، وهو المكان الذي لم يستطع أحد ملأه منذ تراجع دور مصر عقب المعاهدة المشئومة.
في العنوان الثاني يشير الكاتب إلى أن سيناريو الحرب الشاملة في الشرق الأوسط -رغم خطورته- ليس الأكثر ترجيحا بسبب وجود فيتو أمريكي ضد هذا النوع من الحروب، بالإضافة إلى توازن القوى المعقد بين الأطراف المتنازعة. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الصراع سينتهي، بل قد يتخذ أشكالا أخرى.
ما يتوقعه عبد الغني بديلا للحرب الشاملة، هو ما أسماه بسيناريو الموت القطَّاعي؛ حيث تحدُث أعمالُ عنفٍ متفرقة ومتقطعة على نطاق واسع وعلى مدى سنوات. هذه الأعمال قد تأتي كرد فعل على الغضب المتراكم لدى الشعوب العربية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب دعمها للعدوان على غزة، وكذلك تجاه الأنظمة العربية التي تتهم بالصمت والتخاذل.
هذا السيناريو يتوقع زيادة العنف الفردي والجماعي، سواء من قبل أفراد مدربين أو حتى غير مدربين.. يدفعهم الحنق على الوضع الحالي، وهذه الهجمات قد تستهدف الأمريكيين والإسرائيليين، وقد تمتد أيضا إلى داخل البلدان العربية، التي ربما تشهد عمليات اغتيال لسياسيين متهمين بالتنازل أو الخيانة. كما يتوقع الكاتب تزايد المقاومة الفلسطينية؛ خاصةً في الضفة الغربية وغزة، وقد يشهد النشاط المسلّح تزايدا كبيرا في المرحلة المقبلة.
ويذكر الكاتب أن حماس نجحت في تجنيد آلاف الشباب، ما يعيد تجديد قوتها العسكرية، كما أن الشباب الفلسطيني قد يلجأ إلى تنفيذ عمليات استشهادية وطعن ودهس داخل الخط الاخضر، ليكون ذلك بمثابة رد فعل على الوضع المأساوي في الأراضي المحتلة.
ويرى الكاتب أن فشل الاحتلال في القضاء على قوة حماس العسكرية؛ قد يحوّل غزة إلى منطقة فوضى وعنف، مشابهة لما حدث في الصومال. وهذا قد يؤدي إلى انتشار الفوضى عبر الحدود المجاورة، ما يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة.
ويرصد الكاتب بدء تنفيذ أمريكا لعدد من العمليات القذرة بهدف زرع الفوضى وإشعال حروب طائفية في المنطقة، وقد بدأت هذه العمليات بالفعل بإطلاق سراح مساجين من تنظيم “داعش” من سجون حلفاء واشنطن في سوريا.
ويختم الكاتب الفصل بالتحذير من عواقب العجز العربي في مواجهة هذه التحديات، والذي قد يؤدي إلى سيناريو رعب وفوضى قد لا ينجو منه أي نظام عربي. كما يشير إلى أن هذا السيناريو قد يكون أكثر رعبا مما حدث بعد نكبة 1948.
هذا الفصل يحمل رؤية لما بعد الحرب واحتمالات تجدد الصراع المسلح بين المقاومة والاحتلال في أكثر من شكل وفي أكثر من مكان، ويرى الكاتب أن الأطراف (أمريكا- الاحتلال الصهيوني – الأنظمة العربية التابعة) لا تنطلق من رؤية معمقة للوضع بعد انتهاء الحرب، وتتغافل عن كثير من الحقائق.. ما لا يستبعد معه أن ينقلب السحر على الساحر.