رؤى

الأمم المتحدة.. وتحديات الحوار في السودان

دعوة المفوّض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، إلى حوار شامل في السودان- تمثل خطوة أممية هامة، من جانب الأمم المتحدة، في إطار الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة السودانية المتفاقمة. هذه الدعوة، التي جاءت أثناء الحوار التفاعلي المعزز في شأن السودان، الذي عقد على هامش فعاليات الدورة “58” لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، تعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها السودان منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وضرورة البحث عن حلول شاملة تعيد البلاد إلى مسار الاستقرار.

وبالتأكيد فإن هذه الدعوة ليست الأولى، والأغرب -في نظرنا- أنها لن تكون الأخيرة.. فقد كانت هناك دعوات متعددة إلى الحوار، بين البرهان وحميدتي، بهدف إنهاء الصراع المستمر في السودان منذ منتصف أبريل 2023، والذي قارب أن يدخل عامه الثالث؛ ولكن، إلى الآن، لم يتم هذا الحوار المنشود.

دعوة الحوار

شهد السودان منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، في أبريل 2019، تغييرات جذرية في المشهد السياسي. ورغم التوصل إلى اتفاق بين القوى المدنية والمجلس العسكري الانتقالي، حول فترة انتقالية تُمهِّد لانتخابات ديمقراطية، إلا أن الأوضاع السياسية والأمنية ظلت متوترة ومعقدة، خاصة بعد أحداث أكتوبر 2021، التي أعادت الجيش للسيطرة على مقاليد الحكم.

في هذا الإطار، أصبحت الدعوات الدولية، ومنها دعوة المفوض السامي فولكر تورك، ضرورة ملحة لإعادة الأطراف السودانية إلى طاولة الحوار؛ خاصةً بعد تواصل الحرب في البلاد. تورك دعا إلى حوار شامل، لا يستثني أحدا، يشارك فيه جميع الأطراف المعنية، سواء كانت عسكرية أو مدنية، مع التأكيد على أهمية تمهيد الطريق لتشكيل حكومة مدنية. هذه الحكومة ستكون قادرة على قيادة البلاد نحو الاستقرار، وإعادة بناء المؤسسات، وتحقيق الإصلاحات الضرورية لضمان حقوق الإنسان والعدالة.

ومن الواضح، أن دعوة فولكر تورك تهدف إلى معالجة الأزمات العميقة والمتعددة الأبعاد التي يعاني منها السودان، من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتفاقم الصراع المسلح، والانتهاكات المتزايدة لحقوق الإنسان.

ومن خلال الحوار الشامل، تأمل الأمم المتحدة في تحقيق عدة أهداف:

وقف الصراع المسلح: إذ تمثل الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تحديا كبيرا للسودان، حيث تسببت في سقوط عدد كبير من الضحايا، وتدمير البنية التحتية، وأدت إلى تشريد ملايين المدنيين. ومن ثم، يمكن أن يكون الحوار الشامل وسيلة لتخفيف حدة التوترات ووضع حد للعنف المستمر.

أضف إلى ذلك، تحقيق التوافق الوطني؛ فالسودان بحاجة ماسة إلى مصالحة وطنية حقيقية تجمع مختلف الفئات والطوائف. النزاعات السياسية والتوترات القبلية والدينية، تشكل عقبات أمام بناء دولة مستقرة. من خلال الحوار، يمكن للأطراف المختلفة إيجاد أرضية مشتركة تؤدي إلى تحقيق توافق وطني.

هذا، فضلا عن التمهيد لحكومة مدنية؛ تعتبر العودة إلى الحكم المدني مطلبا شعبيا في السودان، وقد شهدت البلاد تظاهرات متواصلة تطالب بحكومة وطنية مدنية. دعوة فولكر تورك تسعى إلى تسهيل هذه العودة، من خلال ضمان إشراك المدنيين في العملية السياسية، ووضع خارطة طريق واضحة لإجراء انتخابات ديمقراطية.

تحديات الحوار

رغم أهمية دعوة المفوض السامي للأمم المتحدة، فإن هناك العديد من التحديات التي تعيق تنفيذها على أرض الواقع. أبرز هذه التحديات تتمثل في ما يلي:

تعنت أطراف الصراع؛ إذ لم تظهر حتى الآن بوادر إيجابية من الأطراف العسكرية في السودان، سواء الجيش أو قوات الدعم السريع، بشأن الاستعداد للتفاوض الجدي. كلا الطرفين يرفض تقديم تنازلات، وهو ما يُعقد أي محاولة لإحراز تقدم في الحوار.

أضف إلى ذلك، إشكالية التدخلات الخارجية؛ فالسودان لا يعاني فقط من صراع داخلي، بل هناك تدخلات إقليمية ودولية تسهم في تأجيج النزاع. بعض الدول تدعم أطرافا معينة في الصراع، ما يجعل من الصعب الوصول إلى حل سياسي شامل دون معالجة هذه التدخلات.

هذا، فضلا عن تردي الوضع الإنساني؛ حيث الأوضاع الإنسانية المتدهورة تزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار. مع استمرار الصراع، يتزايد عدد النازحين واللاجئين، وتتفاقم أزمة الغذاء والرعاية الصحية. كل ذلك يشكل ضغطًا إضافيًا على أي محاولة للبدء في حوار شامل.

الأمم المتحدة

لطالما كان للأمم المتحدة دور محوري في محاولة حل النزاعات في السودان، سواء من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، أو من خلال المبادرات السياسية والدبلوماسية. دعوة فولكر تورك تأتي في إطار هذه الجهود المستمرة، حيث يعول المجتمع الدولي على الأمم المتحدة لقيادة عملية الحوار في السودان.

لكن على الرغم من هذه الجهود، فإن نجاح أي مبادرة دولية يعتمد بشكل كبير على توافر إرادة حقيقية من الأطراف السودانية نفسها. قد تتمكن الأمم المتحدة من توفير منصة للحوار وتقديم دعم فني ولوجستي، لكنها لا تستطيع فرض حل إذا لم تكن هناك رغبة داخلية في السودان لإنهاء الصراع.

إلى جانب الأمم المتحدة، تلعب الدول الإقليمية، مثل مصر، وإثيوبيا، ودول الخليج، دورا مُهمًّا في حل الأزمة السودانية. هذه الدول تستطيع ممارسة ضغوط على الأطراف السودانية، لدفعها نحو طاولة المفاوضات، كما يمكنها تقديم دعم سياسي ومالي للحكومة المدنية التي قد يتم تشكيلها في المستقبل.

في هذا الإطار، تأتي دعوة المفوض السامي فولكر تورك للحوار الشامل، لتمثل بصيص أمل للشعب السوداني، لكنها ليست الحل النهائي. مستقبل السودان يعتمد على قدرة الأطراف على تجاوز الخلافات والجلوس إلى طاولة الحوار.

إذا ما نجحت الدعوة في تحقيق نتائج ملموسة، فإن السودان قد يشهد تحسنا تدريجيا في الأوضاع السياسية والاقتصادية. ومع تشكيل حكومة مدنية، يمكن للبلاد أن تبدأ في تنفيذ الإصلاحات الضرورية، بما في ذلك إصلاح مؤسسات الدولة، وتحقيق العدالة الانتقالية، وإعادة بناء الاقتصاد.

لكن إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإن السودان مهدد بالانزلاق إلى المزيد من الفوضى. استمرار الصراع قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، وتفتيت النسيج الاجتماعي، وزيادة معاناة الشعب السوداني.

في النهاية.. تعكس دعوة المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى حوار شامل في السودان، إدراك المنظمة الدولية لأهمية الوصول إلى حل سياسي وسلمي للأزمة السودانية. على الرغم من التحديات الكبيرة، فإن هذه الدعوة تمثل فرصة حقيقية للأطراف السودانية لإنقاذ البلاد من المزيد من التدهور. ومع تضافر الجهود المحلية والدولية، فضلا عن الأمم المتحدة، يمكن أن يكون للحوار الشامل تأثير إيجابي على مستقبل السودان، ويعيد البلاد إلى مسار الاستقرار المنشود.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock