رؤى

وثائق بريطانية: المملكة المتحدة اعترفت بحق حماس في المقاومة المسلحة قبل 32 عاما

بقلم: عامر سلطان، نقلًا عن ميدل إيست مونيتور
ترجمة: أحمد بركات

أكدت سجلات حُصلَ عليها بموجب قانون حرية الوصول إلى المعلومات، أن الدبلوماسيين البريطانيين أجروا مناقشات سرية مع ممثلي حركة حماس في لندن والشرق الأوسط. وأشارت الوثائق إلى أن هذه الاجتماعات أثارت ردود فعل قوية من قبل إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اللتين سعتا إلى تشويه صورة حماس.

ففي 10 فبراير 1993، أبلغ السفير البريطاني لدى الأردن، باتريك آيرز، خلال الاجتماع الذي عقده في مقر إقامته الرسمي، وفد حماس بأنه باعتبار المملكة المتحدة إحدى الدول الموقعة على اتفاقات جنيف، فإنها “لا تستطيع التغاضي عن استخدام حماس للعنف في الأراضي المحتلة”، ولكنه أقر بأن حماس تتصرف “على نحو قانوني في إطار حقوقها”، فيما أشار أيضا إلى أن ما تمارسه الحركة من أعمال قد “أسهم في تأجيج العنف، ما فاقم من صعوبة حسم الصراع بالطرق السياسية السلمية”.

وعُقد هذا الاجتماع بناء على طلب حماس، وحضره إبراهيم غوشة، ممثل الحركة في الخارج، ومحمد نزال ممثل حماس في الأردن، وكارين ويتلي مسئولة الأمن في السفارة البريطانية في الأردن.

ووصف غوشة حماس بأنها حركة تحرير تسعى إلى تحرير الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن الحركة “لم تنفذ أي عمليات خارج فلسطين، وليس لديها أي خطط لتوسيع دائرة نشاطاتها خارجها”. وشدد على أن الهجمات الي تشنها حماس “لا تستهدف سوى الجنود الإسرائيليين”.

في تلك الفترة، لعبت حماس دورا محوريا في الانتفاضة الأولى (1987 – 1993)، والتي أدت إلى توقيع اتفاقية أوسلو 1 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر 1993. وبسبب دور حماس المتعاظم، رحّلت إسرائيل 418 من أعضاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في لبنان في ديسمبر 1992، ما أثار إدانات دولية موسعة.

حماس

وخلال الاجتماع، انتقد غوشة إسرائيل لتجاوزها “الحدود المقبولة دوليا” على خلفية “استخدامها القوة”، ودعا المملكة المتحدة إلى “اتخاذ خطوات” لدعم القضية الفلسطينية. وأشار إلى أن المملكة المتحدة “معروفة بمساندتها القضايا العادلة”.

ولدى سؤال نزال عن موقف حماس من عملية السلام، أوضح أنه بينما “لا تعارض حماس السلام في ذاته”، إلا أنها ترفض “البنود المرجعية لعملية السلام الحالية”. وأكد أن السلام يتطلب التعامل مع الفلسطينيين  بوصفهم “شعب وليس أفراد”.

من جانبه أكد آيرز لممثلي حماس أن المملكة المتحدة توافق على مواقفهم من القضايا الرئيسية، بما في ذلك “وضع الأراضي المحتلة، وعدم القبول بمبدأ الاستيلاء على الأرض بالقوة، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره”، ولكنه شدد على أن المملكة المتحدة لا توافق على السبل التي تنتهجها حماس لتحقيق أهدافها، مؤكدا على أهمية “الحلول السلمية”.

وأشار السفير البريطاني إلى أن التغطية الإعلامية الإيجابية التي حظي بها الفلسطينيون في الأيام الأولى من الانتفاضة “مكنت السياسيين في الغرب من الاهتمام بقضية حقوق الفلسطينيين”، ولكنه حذّر من أن الاستخدام المتزايد للأسلحة النارية من قبل المقاومة الفلسطينية “قوض مساحة المناورة المتاحة للسياسيين”، وأن أي إجراءات تؤكد انحياز الغرب للفلسطينيين “لن تؤدي إلا إلى الإضرار بالقضية”.

وفي أعقاب الاجتماع، أشارت ويتلي إلى أن قادة حماس يتمتعون بـ “اللباقة في الحديث”، و”يبدو أنهم حريصون على التأكيد على القواسم المشتركة وعدم إثارة غضب أو استعداء” السفير.

وفي لندن ثار خلاف حاد داخل وزارة الخارجية وشئون الكومنولث بين إدارة التنسيق الأمني من جانب وإدارة شئون الشرق الأوسط من الجانب الآخر بشأن تصنيف حماس، حيث اعتبرت إدارة التنسيق الأمني، المنوط بها إجراء الاتصالات الأمنية مع إسرائيل وغيرها من الدول، أن الحركة الفلسطينية  تمثل منظمة لديها “جناح إرهابي”، وهو ما لم تقبله إدارة شئون الشرق الأوسط بحجة أن هجمات حماس تقتصر بدرجة كبيرة على الأهداف الإسرائيلية العسكرية وشبه العسكرية في الأراضي المحتلة، وأن الحركة “لم تنفذ قط أي عملية إرهابية دولية أو هجوم عابر للحدود ضد إسرائيل”.

بريطانيا

وزعمت وسائل الإعلام الإسرائيلية والموالية لإسرائيل أن حماس خططت لشن هجمات ضد أهداف غربية، ولكن إدارة التنسيق الأمني وجدت أنه “لا يمكن إثبات شيئا من ذلك”، مشيرة إلى أنه “من مصلحة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية تشويه سمعة حماس”، لافتة إلى أنهما تستهدفان من وراء ذلك “جعل الحياة صعبة على مؤيدي الحركة سواء في الداخل أو في الخارج”.

وبعد إجراء مزيد من التحليلات، خلصت الوكالات الأمنية البريطانية إلى أنه لا يمكن منح “قدر كبير من المصداقية” للمزاعم التي تروج لها وسائل الإعلام الإسرائيلية والموالية لإسرائيل بأن حماس تخطط لمهاجمة مصالح غربية. وبعد اتصالات بمسئولين إسرائيليين، خلصت تلك الوكالات أيضا إلى أنه “ليس هناك ما يثبت المزاعم الإسرائيلية بأن مؤيدي حماس في المملكة المتحدة يلعبون دورا محوريا في دعم العنف داخل إسرائيل والأراضي المحتلة”.

وفي الولايات المتحدة، رددت الصحف المؤيدة لإسرائيل الدعاوى الإسرائيلية بأن حماس أنشأت “ملاذا آمنا” على الأراضي الأمريكية، حيث تعمل قيادتها المركزية من داخل الولايات المتحدة. وبرغم ذلك نفت برقية سرية للغاية بعثت بها السفارة البريطانية في واشنطن إلى وزارة الخارجية وشئون الكومنولث تلك الادعاءات، معتبرة إياها “محاولة إسرائيلية مكشوفة لصرف انتباه الرأي العام الأمريكي” عن الجدل المحيط بنقل أعضاء حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور.

وبنت السفارة تقييمها على الاتصالات التي أجرتها مع رونالد شيلشر، مدير مكتب مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية لأمريكية، والتي أكد خلالها أن إسرائيل “تحاول بوضوح أن تصنع شيئا من لا شيء”، مشيرا إلى أنه خلال وجود نحو 20 ناشطا من حماس في الولايات المتحدة، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي “يراقبهم عن كثب”.

وذكر شيلشر، الدكتور موسى أبو مرزوق، وهو أحد قادة حماس المقيمين في الولايات المتحدة بعد حصوله على درجة الدكتوراة في الإدارة الإنشائية من جامعة كولورادو، على وجه الخصوص.

وبينما قال شيلشر إن أبو مرزوق يمكن وصفه بأنه “جزء من القيادة السياسية لحماس”، إلا أنه وصف الدعاوى الإسرائيلية بأن أبو مرزوق يقود عمليات حماس من الخارج بأنها “هراء”.

وأكد المسئول الأمني الأمريكي أن تعاملات أبو مرزوق مع أعضاء حماس في فلسطين كانت تركز بالأساس على تقديم القضية للشعب الأمريكي.

وفي المملكة المتحدة، أشارت تقديرات إدارة التنسيق الأمني إلى عدم رضاء نحو 100 عضو نشط في حماس، معظمهم من الطلاب، عن موقف منظمة التحرير الفلسطينية المعتدل. وأكد مارك كانينج، رئيس إدارة التنسيق الأمني، أنه “لا تتوافر لدينا أي معلومات من شأنها أن تثبت المزاعم الإسرائيلية بشأن اضطلاع قادة حماس في المملكة المتحدة بتوجيه العمليات الإرهابية في الأراضي المحتلة”.

واعترضت منظمة التحرير الفلسطينية بقوة على اتصال بريطانيا بحماس. وبعد أيام قلائل من اجتماع السفير بممثلي حماس، أبلغ الدكتور أسعد عبد الرحمن، عضو المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، آيرز بأنه تلقى اتصالا هاتفيا من زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، أعرب خلاله عن شعوره بالقلق والانزعاج من تواصل الدول الغربية مع حماس ورفضها الحوار مع منظمة التحرير.

وفي معرض الرد، أوضح آيرز ما يلي:

  • حكومة المملكة المتحدة لن تبرر اختيار ممثليها لعناصر بعينها للتحاور معهم.
  • الزعم بأن المملكة المتحدة تتجنب الاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية غير حقيقي، حيث يتواصل الدبلوماسيون البريطانيون بانتظام مع مسئولي منظمة التحرير الفلسطينية في الأردن وتونس، بمن فيهم ياسر عرفات نفسه.
  • من الخطأ افتراض أن هناك أغراضا سياسية خفية وراء استقبال السفير البريطاني لممثلي حماس.
  • عُقد هذا الاجتماع بناء على طلب ممثلي حماس المقيمين في الأردن، كما أن حماس تمثل جزءا من المشهد السياسي في البلاد.
  • المملكة المتحدة ملتزمة بعملية السلام، وأوضحت لحماس أن العنف يتعارض مع مصلحة القضية الفلسطينية.
  • المملكة المتحدة تعتزم الحفاظ على اتصالات منخفضة المستوى مع حماس كجزء من نشاطها الدبلوماسي في الأردن.

وفي واشنطن، عكست وزارة الخارجية الأمريكية قلق المفاوضين الفلسطينيين بشأن الاتصالات الغربية بحماس. وانتقد فيصل الحسيني وحنان عشراوي، عضوا الوفد الفلسطيني المشارك في محادثات السلام في مدريد، الدول الغربية بسبب استعدادها للتحاور مع حماس فيما رفضت بعضها التواصل مع منظمة التحرير.

ووفق مسئولي مكافحة الإرهاب وإدارة شئون الأردن التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، قال الحسيني وعشراوي إنه “من الغريب أن تجري الدول الغربية اتصالات بحركة إرهابية تعارض عملية السلام”.

وبعد نقاشات داخلية، أصدر وزير الخارجية البريطاني دوجلاس هيرد تعليماته للدبلوماسيين البريطانيين بعدم اتباع أي قرارات أمريكية بشأن حماس. وفي برقية سرية للغاية، فوض هيرد السفير البريطاني في الأردن والقنصل البريطاني في القدس “بالحفاظ على الاتصالات على مستوى العمل” بحماس.

وفي ديسمبر 1993، شهدت العاصمة البريطانية لندن جولة جديدة من المحادثات بين محمد نزال، أحد قادة حماس، وجانيت هانكوك، رئيسة إدارة البحث والتحليل في وزارة الخارجية البريطانية، توقع خلالها نزال انهيار اتفاق غزة ـ أريحا الأول، بسبب “فشله في التطرق إلى السيادة والاستقلال” الفلسطينيين. وقال إن حماس “ليست بحاجة إلى اتخاذ أي إجراء كبير لإفشال الاتفاق”.

وشدد نزال على أن حماس كانت حريصة على “إجراء حوار مع الحكومة البريطانية لعرض وجهة نظر حماس”.

وأشارت هانكوك إلى أنه بينما تلتزم حماس بالمقاومة المسلحة، وتعتبر نفسها منظمة وطنية فلسطينية “ذات قبول يتجاوز الدائرة الإسلامية الضيقة”، إلا أنها أعربت عن اعتقادها بأن حماس “تفتقر إلى الرؤية بشأن حياة الفلسطينيين بعد التحرر”.

وأكدت هانكوك أن فشل منظمة التحرير الفلسطينية في تحقيق أي مكاسب ملموسة على الأرض بسبب سياساتها يمثل “أحد أقوى أوراق اللعبة التي تمتلكها حماس”، مشيرة إلى أنه مع استمرار هذا الوضع، “ستنجح حماس”، أما إذا تغير، “فقد يتراجع الدعم الذي تحظى به الحركة، ما لم تتمكن في غضون ذلك من تقديم خطة بديلة ذات مصداقية”.

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock