رؤى

عرض كتاب “طوفان الأقصى.. من غيّر قواعد اللعبة؟” (7)

في الفصل السادس من الكتاب، يطرح الكاتب من خلال ثماني مقالات رؤيته حول الخلاف بين واشنطن وتل أبيب بشأن التوقيت الذي تريد أمريكا أن يُسبق ببعض الإجراءات مثل مد مظلة التطبيع، واستكمال ما يُعرف بالحلف الإبراهيمي، وبناء قدرات حلف النقب للدفاع الجوي وتحويله لحلف عسكري متكامل (أمريكي- إسرائيلي- عربي) على طريق الاستعداد للمواجهة الكبرى مع إيران.

استخدمت الولايات المتحدة وإسرائيل المفاوضات بوصفها أداة ضغط على المقاومة الفلسطينية  بالتزامن مع الحرب العسكرية، بهدف إضفاء شرعية زائفة على عملية السلام، وإعطاء إسرائيل الوقت لتدمير غزة. كما حاولت واشنطن استغلال الوسطاء العرب لفرض شروط مُجحفة على حماس، بينما دعمت إسرائيل عسكريا ودبلوماسيا.

يشير الكاتب إلى أن حماس استطاعت تحقيق انتصار نسبي في الجولة الأولى من الحرب (حتى نوفمبر 2023) عبر مباغتة إسرائيل في هجوم 7 أكتوبر، ما كسر نظرية الردع الإسرائيلية، والصمود أمام العدوان ومنع إسرائيل من تحقيق أهدافها (استعادة الأسرى، اجتثاث حماس، تأمين غزة). وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية، وإجراء تبادل جزئي للأسرى.

بينما فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، رغم الدعم الأمريكي غير المحدود، بسبب الاعتماد الكلي على واشنطن في الضغط السياسي والدعم العسكري، وفقدان المبادرة بعد هجوم 7 أكتوبر، وتراجع ثقة الشعب الإسرائيلي في مؤسساته.

طوفان الاقصى

جاء موقف معظم  الدول العربية شديد التخاذل إذ تقاعست عن دعم المقاومة، وواصل بعضها التطبيع مع إسرائيل، بل واعتبر حماس “عدوًّا” بزعم ارتباطها بالإخوان المسلمين وإيران التي أضعف الحذر الشديد دورها في دعم المقاومة.. أما روسيا والصين فاتسم موقفهما بالتراجع أمام الهيمنة الأمريكية، كما فشلتا في مواجهة الدعم الغربي لإسرائيل.

ويرجع عبد الغني فشل مفاوضات الدوحة إلى تبنّي الولايات المتحدة مقترحات منحازة لإسرائيل، هدفت من خلالها إلى: وقف التصعيد الإقليمي (منع رد إيران وحزب الله). إخضاع حماس لقبول شروط إسرائيلية.. لكن ذلك لم يتحقق بسبب صمود المقاومة.

يرى الكاتب أن مصير الحرب  يعتمد على قدرة المقاومة على الصمود، والتي تبدو كبيرة بحسب الأداء العسكري، بالإضافة إلى الضغوط الشعبية الغربية التي قد تُجبر الحكومات على وقف الحرب؛ إذا تصاعدت الاحتجاجات ضد جرائم إسرائيل.

لذلك ربما يكمن الخلاف بين وجهتي النظر الأمريكية والإسرائيلية في سعي واشنطن لتأجيل المواجهة الشاملة مع إيران وحلفائها؛ حتى اكتمال تحالفاتها الإقليمية، بينما يدفع نتنياهو نحو تصعيد فوري لـ”غسل عار” هزيمة 7 أكتوبر.

غزة

لعبة الطيب والشرير في “الفيلم” الأمريكي لغزة.. عنوان المقال الثالث في الفصل، يتناول المقال التحول في الخطاب السياسي الأمريكي تجاه الصراع في غزة، حيث تُصوِّر الإدارة الأمريكية نتنياهو في دور”الشرير” وبيني غانتس “البطل”، رغم تشابه مواقفهما الرافضة لحل الدولتين ودعمهما لاستمرار الحرب.

يُفسِّر الكاتب هذا التحول بوصفه جزءا من استراتيجية أمريكية هوليوودية تهدف إلى: إعادة هندسة المشهد السياسي عبر إزاحة نتنياهو (الذي يُعتبر عائقا لخطة واشنطن بسبب رفضه الظاهري للتوجيهات الأمريكية)، واستبداله بغانتس الذي يمثل الطبقة العسكرية الموالية للتحالف مع أمريكا، مع الحفاظ على السياسات نفسها.

تعزيز الهيمنة الأمريكية من خلال تصوير الصراع كمعركة بين “الخير والشر” لخداع الرأي العام، وإخفاء حقيقة أن المشكلة تكمن في النظام الإسرائيلي ككل (ليس نتنياهو فقط)، والذي يُجمع على رفض حق الفلسطينيين في الدولة، بدعم من التمويل الأمريكي للاستيطان.

إحياء حل الدولتين الوهمي عبر ترويج وهم أن استبدال القيادات المتطرفة (حماس ونتنياهو) بقيادات “معتدلة” (سلطة رام الله وغانتس) سيُنهي الصراع، بينما الواقع أن الاستيطان وحلفاء أمريكا من العرب (مثل التطبيع مع السعودية) يُفشلان أي حل عادل.

حماية المصالح الإقليمية عبر بناء تحالف عربي-إسرائيلي- تركي بقيادة أمريكا لمواجهة إيران، مع تجاهل الحقوق الفلسطينية.

يرى الكاتب أن التغيير الشكلي في القيادات لن يُنهي الاحتلال، لأن الإجماع الإسرائيلي (من اليسار إلى اليمين) يُعارض الدولة الفلسطينية. كما يشير إلى تناقض الموقف الأمريكي الذي يدعم الاستيطان ماليا وعسكريا، بينما يتظاهر بدعم السلام.. ويصل الكاتب إلى أن الشر – كل الشر- في وجود النظام الإسرائيلي المدعوم أمريكيا بلا حدود وليس في شخص نتنياهو.

في المقال التالي المعنون بـ “صوملة غزة.. وخلاف أمريكي إسرائيلي مزعوم” يؤكد الكاتب على أن خدعة الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول الحرب لم تعد تنطلِ على أحد، وهي خدعة تهدف لتضليل الرأي العام -العربي على وجه الخصوص- فكيف لعاقل أن يصدق بوجود هذا الخلاف في ظل تدفق السلاح الأمريكي على مخازن جيش الاحتلال، بينما تمارس أمريكا كافة الضغوط الممكنة وغير الممكنة على الأنظمة العربية “التابعة” بشأن المزيد من الدعم والمساندة للكيان الصهيوني في حربه الإجرامية على القطاع؟!

ثم نأتي للعنوان الذي ربما يكون الأهم في الفصل وهو “محور فيلادلفيا”.. وشرعية نظام الحكم في مصر ويتعرض الكاتب خلال هذا المقال للموقف المصري من الحرب، والدور المصري حيال القضية التي تمثل ركيزة أساسية في العلاقة بين الشعب المصري ونظام الحكم منذ 1948، ويرى الكاتب أن ما مورس على  القاهرة من ضغوط؛  كان من  شأنه تهديد التوازن الذي صنعته القاهرة خلال الـفترة المنقضية من الحرب والمتمثل في الحفاظ على قنوات اتصال وتأثير على حماس، بما يحفظ لها دورا أساسيا في المفاوضات، وفي الوقت نفسه عدم الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل رغم الاستفزازات المتكررة للكرامة المصرية من رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو.

ويرى الكاتب أن طوفان الأقصى أثبت أن لا أحد يستطيع ملء الفراغ الذي ينتج عن تراجع مصر عن دورها الإقليمي، وهو الدور الذي تثمّنه كافة الأطراف، وعلى مصر أن تعي محورية ذلك الدور وما يمكن أن تجنيه من مكاسب، إذا هي تمسكت بالوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني، وعدم تقديم أية تنازلات، رغم استغلال الأطراف للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وهو ما يملي على مصر ضرورة إدارة العملية على نحوٍ أكثر برجماتية.. كما راينا في أكثر من جولة تفاوضية بعد ذلك.

في العناوين التالية يكشف الكاتب عن استراتيجية الولايات المتحدة لتحقيق نصر إسرائيلي بالقضاء على حماس والجهاد الإسلامي، ونزع سلاح غزة، وضمان أمن إسرائيل.

من خلال استخدام الضغط العسكري الممنهج لخلق “واقع إنساني كارثي” يُضعف مقاومة حماس. وتوجيه المفاوضات عبر هندسة مسار سياسي يضمن انتصار واشنطن وتل أبيب. وتعزيز التطبيع العربي- الإسرائيلي وتشكيل تحالفات إقليمية مثل “منتدى النقب” لمواجهة إيران وحماية المصالح الغربية.

الاستراتيجية الأمريكية تُصوّر الأنظمة العربية (مثل مصر وقطر) بوصفها أدوات، للعب دور الوسيط “المحايد” بين حماس (طرف عربي) وإسرائيل (عدو)، دون اتخاذ مواقف حاسمة ضد الانتهاكات الإسرائيلية. كما تُستخدم هذه الدول (بإشراف أمريكي) للضغط على حماس لتقديم تنازلات، مثل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين دون ضمانات بوقف دائم لإطلاق النار أو انسحاب الاحتلال.

وتستخدم الاستراتيجية التصعيد العسكري لدفع حماس للتفاوض تحت النار، مع إدارة الأزمة الإنسانية بوصفها أداة ضغط. استغلال التطبيع بتحفيز دول عربية على قبول “حلول” تُكرس التبعية للأمن الإسرائيلي، مثل إدارة غزة عبر “روابط قبلية” أو سلطة فلسطينية مُضعفة.

مع مضاعفة معاناة المدنيين في غزة من المجاعة والقصف بهدف تبديد الدعم الشعبي للمقاومة.

وتضع تلك الاستراتيجية في الحسبان عوامل أخرى باتت مؤثرة مثل: الغضب الشعبي العالمي: (خاصة في الجامعات الأمريكية). إصرار المقاومة على ربط أي اتفاق بوقف دائم للعدوان وانسحاب إسرائيلي، مع الوضع في الاعتبار توسع الحرب في جبهات الإسناد، في حين فشلت المفاوضات.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock