في الفصل الثامن، الذي اختار له الكاتب عنوان: خارج خرائط النار.. تفاعلات دولية مع المَظْلَمَة الفلسطينية، والذي تضمّن خمسة عناوين فرعية هي:- بعد 7 أكتوبر.. الحركات غير الحكومية تتصدر المشهد الدولي.
– الاستدارة الكاملة لأردوغان في حرب غزة
– قرار المحكمة الدولية
– هل فعلا يمكن عزل إسرائيل دوليا؟
– الاعتراف بدولة فلسطين، النصر الذي يريد أن يسرقه الجميع!
يرصد عبد الغني صعود الفاعلين غير الحكوميين (حركات المقاومة) في قلب الموازين الإقليمية والدولية بعد هجوم 7 أكتوبر، مقارنةً بتراجع دور الدول العربية. ويشير الكاتب إلى أن هذه الحركات أعادت شرعية مفهوم “نضال التحرر الوطني” بعد أن اختطفته الجماعات الإرهابية (القاعدة وداعش) في العقدين الماضيين. كما يشيد بالدور الإعلامي للصحافة “المواطنية” ووسائل التواصل، في فضح الرواية الإسرائيلية، وكسر احتكار الإعلام الغربي.
ويرى الكاتب أن حركات المقاومة نجحت حيث فشلت الدبلوماسية العربية الرسمية، مستفيدةً من الفراغ الناجم عن انهيار مشروع التحرر العربي التقليدي (مصر ما بعد السادات، منظمة التحرير بعد أوسلو). لكن هذا يطرح تساؤلات حول إمكانية تحويل النجاح العسكري إلى إنجازات سياسية دائمة دون دعم دولي حقيقي.
ينتقل الكاتب في العنوان الثاني إلى الموقف التركي من طوفان الأقصى؛ مبرزا دور الضغط الشعبي في تحوّل موقف أردوغان من التحفظ الأولي إلى مناهضة دولة الاحتلال “صوتيا”، في محاولة لتعزيز مكانة تركيا إقليميا بوصفها دولة “سُنّية” في مواجهة المشروع الإيراني، المساند للمقاومة والدعم الأول لها.
لم يتوقف استغلال أردوغان للموقف على ما سبق؛ إذ أعاد ترتيب الأوراق التركية بشأن عدد من الدول العربية، وتحسين العلاقة مع مصر على وجه الخصوص، مُرحّبا بلعب دور الوسيط، مع الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة مع الغرب، على طريق استعادته لوضع الحليف.
ويذهب عبد الغني إلى أن تأثير مناهضة تركيا للاحتلال الصهيوني ودعم فلسطين – في معادلة القوى- بالغ الضعف؛ لأسباب عديدة تتعلق بنهجها البرجماتي وتاريخها الطويل في تبعية الغرب، وعلاقاتها المتجذرة بالكيان المؤقت.
في المقال الثالث يؤكد حسين عبد الغني أن قرار محكمة العدل الدولية بفحص ادعاءات الإبادة الجماعية؛ يُعدُّ بمثابة خطوة تاريخية؛ لكن القرار شابه الغموض المتعمد الذي سمح لدولة الاحتلال بالادعاء بحق الدفاع عن النفس.
ويذهب الكاتب إلى أن القرار تأرجح بين القانون والاعتبارات السياسية، وهو يُعزى التردد في إصدار أمر بوقف فوري للحرب إلى التوازنات السياسية الدولية، خاصةً الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي. كما يُظهر القرار الدولي المشار إليه، تناقض النظام القانوني العالمي؛ فبينما يُطبَّق القانون بصرامة على روسيا (في أوكرانيا)، تُعامل إسرائيل بانتقائية بسبب الحماية الأمريكية. وهو ما يُعمّق أزمة شرعية المؤسسات الدولية.
في المقال التالي يتساءل الكاتب، هل فعلا يمكن عزل إسرائيل دوليا؟ راصدا التراجع الكبير في شرعية الدولة العبرية؛ لكنه يستبعد فكرة عزل الكيان بشكل كامل، في ظل ما توفّره الولايات المتحدة الأمريكية من الحماية والمساندة الدولية له على كافة المستويات. ويشير الكاتب إلى أن مستقبل العزلة يعتمد على مدى استمرار الحرب وردود فعل واشنطن، التي قد تسمح بحدٍ معين من العقوبات لحماية مصالحها الإقليمية.
ثم يشير الكاتب إلى عجز النظام العربي الرسمي -كعادته- عن استثمار الفرصة التاريخية (مثل حرب 1973) لموازنة الهيمنة الأمريكية. ويرتبط سبب هذا العجز بغياب القيادة الموحدة، والتبعية الاقتصادية للغرب، والخوف من فقدان الشرعية الداخلية حال التحالف مع المقاومة.
وجاء المقال الأخير في الفصل بعنوان: الاعتراف بدولة فلسطين: انتصار المقاومة أم سرقة النصر؟ حيث يشير الكاتب إلى أن الاعتراف الأخير بدولة فلسطين من جانب (النرويج، إسبانيا، إيرلندا) يرجع إلى صمود المقاومة وتأثير الرأي العام العالمي، وليس لجهود الأنظمة العربية أو السلطة الفلسطينية.. كما ينتقد عبد الغني النظام العربي لاستغلاله الانتصارات الفلسطينية دعائيا؛ رغم تقاعسه عن دعم غزة خلال الحرب. ويؤكد الكاتب أن الاعتراف الدولي بفلسطين لم يتحقق إلا بعد عودة خيار المقاومة المسلحة، ما يعيد الجدل حول جدوى “المسار السلمي” الذي تبنته السلطة الفلسطينية لعقود دون نتائج.
إجمالا، يقدّم عبد الغني – في هذا الفصل- رؤية نقدية لتحولات ما بعد 7 أكتوبر، مُعتبرا أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية عبر صمود المقاومة، وليس عبر الدبلوماسية العربية. ويطرح تحديا جوهريا عن إمكانية تحويل الزخم الشعبي والقانوني الدولي إلى ضغط سياسي فعلي لإنهاء الاحتلال، أم ستبقى إسرائيل محميةً بفيتو أمريكي وهيمنة غربية؟ الجواب يعتمد على قدرة الفلسطينيين وحلفائهم على توحيد الاستراتيجيات بين المقاومة والدبلوماسية، واستغلال الانقسامات داخل المعسكر الغربي نفسه.