بداية من الثامن عشر من شهر مارس ٢٠٢٥، استأنف جيش الاحتلال الصهيوني حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة المحاصر منذ أكتوبر من عام ٢٠٢٣.
كان استئناف الهجوم على غزة خرقا فاضحا لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الاسرى، بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية الذي توصل إليه الوسطاء في يناير ٢٠٢٥، علما بأن المقاومة التزمت بهذا الاتفاق، رغم تعدد الخروقات الصهيونية له.
وفي محاولة لإقناع الشارع الصهيوني بالعودة الى القتال في قطاع غزة- روّجت الحكومة الصهيونية، رواية بدت متكررة في أحاديث ساستها والناطقين باسمها وباسم جيشها، وهي أن الضغط العسكري قد أوهن المقاومة، وسيدفعها لتقديم تنازلات فيما يتعلق بالأسرى الصهاينة.
لكن ليلة السادس من أبريل 2025 حملت تطورا، بدا وكأنه رد على الرواية المشار إليها أعلاه؛ بل قل تفنيد لها.
حيث دوّت صافرات الإنذار لا في مستعمرات “غلاف غزة” فحسب وإنما في الداخل الفلسطيني المحتل، منذ عام ١٩٤٨، مع إطلاق المقاومة في غزة دفعة صواريخ جديدة، قدّرها جيش الاحتلال بنحو عشرة صواريخ.
شملت مناطق الاستهداف كلا من عسقلان وأشدود، بل ووصلت الصواريخ إلى الضواحي الجنوبية لتل أبيب، وأصاب أحد الصواريخ بشكل مباشر مبنى في عسقلان.
ونقلت القناة ١٢ العبرية عن مستشفى برزيلاي في عسقلان حدوث إصابات في صفوف الصهاينة، بسبب صواريخ المقاومة تنوعت ما بين : 17 إصابة هلع، 7 إصابات بشظايا، 1 إصابة في العين،2 إصابات أثناء الركض إلى الملجأ.
لم تخف وسائل إعلام صهيونية دهشتها من قدرة المقاومة في الاستمرار في إطلاق الصواريخ بعد أكثر من ١٥ شهرا من القصف الصهيوني، وذكر مراسل إذاعة جيش الاحتلال أن الصواريخ أطلقت “من منطقة دير البلح وسط قطاع غزة.. وهذه ليست منطقة قريبة من المنطقة التي ينشط فيها الجيش الإسرائيلي على الأرض حاليا؛ بل هي منطقة لم يتحرك فيها الجيش الإسرائيلي على الإطلاق أثناء الحرب”.
وصول الصواريخ إلى الجبهة الداخلية الصهيونية؛ جعل كثيرا من الساسة والمعلقين الصهاينة يشكك في رواية الحكومة المذكورة أعلاه.
حيث صرح عضو الكنيست يائير غولان: “غدا نُحيي ذكرى مرور عام ونصف على اندلاع الحرب، ولا يزال 59 أسيرا محتجزين في غزة. هذا المساء، أطلقت حماس وابلا من الصواريخ من غزة، أثناء وجودي مع نحو 300 ناشط في لقاء في موشاف (مزرعة جماعية) كفار هنغيد.
ما يحدث ليس إلا دليلا جديدا على الفشل والإهمال، حكومة تتخلى عن مواطنيها، ورئيس وزراء عاجز عن تحقيق النصر، من أجل استعادة الأمن – لا مفر من تغيير القيادة”.
وقال عضو الحكومة المستقيل بيني غانتس بشكل لا يخلو من السخرية من الانقسام الداخلي الصهيوني٬ أن صواريخ المقاومة تذكير للحكومة؛ بأن المقاومة هي العدو “الذي لا يزال -بعد عام ونصف من الحرب- يطلق الصواريخ على “إسرائيل” وأن العدو “ليس رئيس الشاباك، ولا المستشارة القضائية، ولا المحكمة العليا”.
ولم يخف المستوطنون الصهاينة سخطهم على الحكومة حيث صرح أحد سكان عسقلان الذي أصيب منزله بشظايا صاروخ: “بعد سنة ونصف من الحرب في غزة، لا يزال سقوط الصواريخ على عسقلان مستمرا-هذا غير معقول، غير طبيعي. نحن لا نشعر بأي انتصار، بعد سنة ونصف لا نزال نركض نحو الملاجئ، عن أي انتصار يتحدثون؟”.
الصواريخ ليست الأمر الوحيد الذي لا يزال يؤرِّق الصهاينة بعد عام ونصف من بداية المعركة في غزة؛ فوفقا لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، لا يزال سيناريو تكرار هجوم المقاومة في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، احتمالا واردا.
حيث قالت الصحيفة أن “رشقة الصواريخ من غزة قد تكون أيضا محاولة للتشتيت تمهيدا لتسلل بري، على غرار ما حدث في 7 أكتوبر، صحيح أن هناك تواجدا عسكريا كبيرا للجيش على الحدود، ولسنا في نفس الوضع الذي كنا فيه عشية اندلاع الحرب، لكن يجب أن نتذكر: الحرب لم تنتهِ بعد، وكل السيناريوهات واردة”.
ويبدو هذا السيناريو احتمالا قائما في ظل تأكيد مصادر أمنية للقناة ١٢ العبرية أن المقاومة “لا تزال تملك عشرات الصواريخ التي يصل مداها إلى نحو 45 كيلومترا، ومئات الصواريخ الأخرى قصيرة المدى”.
وهو ما دفع العميد احتياط ران كوخاف، المتحدث السابق باسم الجيش للقول إن المقاومة “لا تزال تحتفظ بقدرات عسكرية رغم القتال المستمر، ومن يظن أنها ستفقد جميع قدراتها العسكرية فهو مخطئ”. وأضاف أن المقاومة في غزة “لن ترفع الراية البيضاء، ولا يزال لديها قدرات متبقية، والواقع أعقد بكثير مما يبدو. لن يكون هناك نصر حاسم ومطلق”.
ولم تستبعد صحيفة معاريف أن تكون صواريخ المقاومة بمثابة رسائل سياسية متزامنة مع لقاء رئيس الوزراء الصهيوني مع الرئيس الأمريكي.
وقالت الصحيفة إنه في هذا السياق، تُظهر المقاومة الفلسطينية “أنها لا تزال تُبدي صمودا وترفض الاستسلام، من خلال مواصلة إطلاق الصواريخ، وكأنها ترسل رسالة مفادها أنها ما زالت طرفا فاعلا ومؤثرا في الميدان والمفاوضات”.
إن المقاومة في غزة ورغم فداحة جرائم العدو ورغم بساطة إمكانياتها- لا زالت تبدو بعد عام ونصف العام من بداية المعركة، ككف قادر على أن يقاوم مخرزا مسموما.