رؤى

الغاز النيجيري.. وتوتر العلاقات بين الجزائر والنيجر

شكّل قرار السلطات العسكرية في النيجر، بطرد السفير الجزائري لديها، تطورا لافتا في العلاقات بين البلدين، وفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول مستقبل التعاون الثنائي، ولا سيما  ما يخصُّ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي يُعدّ من أضخم المشاريع الاستراتيجية في غرب أفريقيا. فهذا المشروع، الذي يهدف إلى نقل الغاز النيجيري إلى الأسواق الأوروبية عبر النيجر والجزائر، أصبح اليوم مُهددا بالتعطيل أو التأخير، وسط تصاعد التوترات الدبلوماسية واشتداد الاستقطابات الجيوسياسية في المنطقة.

توتر سياسي

يُعتبر مشروع “أنبوب الغاز العابر للصحراء” أحد أكثر المشاريع طموحا في أفريقيا، منذ مطلع الألفية الجديدة. يهدف المشروع إلى مدّ أنبوب بطول يناهز “4128” كيلومترا لنقل الغاز الطبيعي من نيجيريا، الغنية بالموارد الطاقوية إلى الجزائر عبر النيجر؛ ومن ثم تصديره إلى أوروبا عبر الشبكات الجزائرية القائمة.

وتكمن أهمية المشروع في كونه يمثل خيارا استراتيجيا لتقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، لا سيما في ظل أزمات الطاقة التي عصفت بالقارة الأوروبية، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. كما يُعدّ المشروع فرصة لدول العبور، خاصة النيجر، لتحصيل عائدات مالية كبيرة، وتحسين بنيتها التحتية، وتعزيز موقعها الجيوسياسي.

إلا أنه، في أواخر مارس الماضي، 2025، أعلنت السلطات العسكرية في النيجر أن السفير الجزائري شخص “غير مرغوب فيه”، وطالبته بمغادرة البلاد في غضون “48” ساعة. وقد جاء القرار في سياق توتر العلاقات بين البلدين، بعد رفض الجزائر تسليم ممثلين عن النظام السابق في النيجر، كانوا قد لجئوا إلى أراضيها، بعد انقلاب يوليو 2023، وهو ما اعتبرته نيامي دعما ضمنيا لأعداء السلطة القائمة.

وبالرغم من أن الجزائر أعلنت تمسكها بالمبادئ الدبلوماسية وحق اللجوء السياسي، فإن القيادة العسكرية في النيجر رأت في ذلك استفزازا صريحا، ومساسا بسيادتها. وقد فتح هذا التوتر الدبلوماسي الباب أمام مراجعة مجمل العلاقات الثنائية، بما في ذلك مشاريع التعاون الاقتصادي والطاقة.

مشروع الأنبوب

يعتمد مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، في جوهره، على التعاون الوثيق بين الدول الثلاث المعنية: نيجيريا، النيجر، والجزائر. وأي توتر بين اثنتين من هذه الدول، من شأنه أن يُعقّد التنفيذ، ويهدد الجدوى الاقتصادية والسياسية للمشروع.

ويمكن تلخيص أبرز تداعيات طرد السفير الجزائري، والتوتر في العلاقات، على المشروع في الجوانب التالية:

من جانب، فإن تنفيذ المشروع يتطلب تنسيقا يوميا على مستويات عدة: سياسية، أمنية، هندسية، واستثمارية. وطرد السفير يعني تجميد العلاقات الدبلوماسية، ما ينعكس سلبا على آليات المتابعة، والتفاهمات البينية، وعمل اللجان المشتركة. أضف إلى ذلك، إمكانية تعطيل مرور الأنبوب عبر الأراضي النيجرية؛ إذ تُمثل النيجر نقطة عبور أساسية للأنبوب بين نيجيريا والجزائر، وأي خلاف سياسي قد يدفع سلطات نيامي إلى تعطيل الأعمال الإنشائية داخل أراضيها، أو فرض شروط جديدة، أو حتى التلويح بالانسحاب من الاتفاق، وهو ما سيعني عمليا شلّ المشروع بأكمله.

من جانب آخر، فإن التوترات السياسية تمثّل بيئة طاردة للاستثمارات الأجنبية. وفي حالة استمرار القطيعة بين الجزائر والنيجر، ستتردد الشركات المتعاقدة على المشروع، سواء كانت أفريقية أو أوروبية، في ضخ أموالها في مشروع محفوف بالمخاطر السياسية. هذا فضلا عن أن شركات التأمين قد ترفع أقساطها أو ترفض التغطية.

من جانب أخير، في ظل التنافس الإقليمي والدولي في منطقة الساحل الأفريقي، قد تستغل قوى مثل روسيا أو تركيا هذا التوتر لتوسيع نفوذها على حساب المشروع، الذي يرتبط بالأجندة الأوروبية. كما قد تجد المغرب في هذا التعثر فرصة لترويج مشروعها البديل الذي يربط الغاز النيجيري بالمغرب عبر غرب أفريقيا. ومن ثم، يتزايد التنافس المغربي الجزائري، الذي قد يصل إلى مرحلة “العداوة” بين الجارتين.

مواقف مختلفة

تتعدد المواقف بخصوص هذا التوتر بين الجزائر والنيجر.. كما يلي:

بالنسبة إلى نيجيريا، فإنها تجد نفسها في موقف حرج بين الجزائر والنيجر؛ فهي شريك للطرفين، ولا ترغب في خسارة أي منهما. إلا أن استمرار الأزمة قد يدفع أبوجا إلى مراجعة شراكتها في المشروع أو البحث عن بدائل تمرّ عبر دول أخرى أقل توترا. أما الاتحاد الأوروبي، فهو يعوّل على مشروع “أنبوب الغاز” لتوسيع مصادر الطاقة وتقليل التبعية لروسيا. وقد أثار التوتر بين الجزائر والنيجر قلق الأوروبيين، وطرح تساؤلات عن مدى استقرار الإطار الجيوسياسي للمشروع؛ لذا قد يتجه الأوروبيون إلى البحث عن بدائل، مثل أنبوب الغاز المغربي.

أضف إلى ذلك، الولايات المتحدة وفرنسا، حيث تراقب واشنطن وباريس الوضع عن كثب. فلكلٍّ منهما مصالح في النيجر وفي أمن منطقة الساحل الأفريقي عموما؛ كما أن استقرار الإمدادات الطاقوية في غرب أفريقيا يدخل ضمن الأولويات الاستراتيجية لديهما، سواء لدواعٍ اقتصادية أو جيوسياسية مرتبطة بمنافسة روسيا والصين.

سيناريوهات محتملة

يمكن توقع عدد من السيناريوهات المستقبلية المحتملة، لهذا التوتر السياسي بين الجزائر والنيجر، بخصوص مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء..

من هذه السيناريوهات، تسوية الخلاف واستئناف التعاون؛ ففي حال نجحت جهود الوساطة، سواء من الاتحاد الأفريقي أو من نيجيريا، في تهدئة التوتر بين الجزائر والنيجر، يمكن للمشروع أن يستعيد زخمه، مع استئناف التنسيق المشترك، خاصةً في ظل الحاجة الاقتصادية المُلحة للدول الثلاث إلى العوائد المالية.

لكن، من جهة أخرى، يمكن أن نشهد سيناريو آخر، يتمثل في التجميد المؤقت للمشروع؛ إذ في حال استمر الخلاف دون تصعيد إضافي، قد يُعلّق المشروع مؤقتا، بانتظار تهيئة الظروف السياسية. وفي هذه الحالة، ستتراجع وتيرة العمل، وتزداد تكلفة المشروع، وقد تفقد الدول الثلاث ثقة الشركاء الأوروبيين. وبالتالي، إذا ما وصلت العلاقات بين الجزائر والنيجر إلى طريق مسدود، فقد تضطر نيجيريا إلى البحث عن بدائل، مثل إحياء مشروع الأنبوب عبر بنين أو عبر المغرب، رغم أن هذه البدائل أكثر كلفة وتواجه تحديات لوجستية وجيوسياسية.

وهكذا.. وبالرغم من أن مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء يُمثل فرصة حيوية لدول غرب وشمال أفريقيا، وللقارة الأوروبية، في ظل التحولات العالمية في سوق الطاقة؛ إلا أن مصير المشروع بات اليوم مرهونا بالتطورات السياسية والدبلوماسية بين الجزائر والنيجر. وإذا لم تطوّق الأزمة، فقد تنزلق إلى تعطيل مشروع يُعدّ من أهم المشاريع الطاقوية في أفريقيا. لذا فإن الحكمة الدبلوماسية والمصالح المشتركة يجب أن تتغلب على الخلافات؛ حتى لا تُهدَر فرصة تاريخية للتكامل الأفريقي والنهضة الاقتصادية المشتركة.

 

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock