في الصباح الباكر وبعد يوم عمل شاق كادت فيه طاقتي تنفد، وأفقد شغفي وحماستي للعمل؛ علي الرغم من أن مقابلة أنماط العملاء المختلفة وحديثي معهم وممازحتهم ومحاولتي المستمرة في رسم البسمة علي وجوههم وزرع الطمأنينة في قلوبهم هي مصدر سعادتي وتحققي.
لم يكن عملي في مجال النظارات الطبية طيلة أكثر من عشر سنوات، أخصائي رعاية بصرية ومدير لأحد الفروع في إحدى الشركات المتخصصة في مجال البصريات في الاسكندرية، وليد الصدفة أو مجرد عمل أحصل منه علي أجر أو مقابل مادي معقول- يكفي لسد احتياجات المنزل ومتطلباتي الشخصية والعلاجية، ولكنه كان بمثابه رسالة ورحلة للتعمق والغوص في أسرار الوجوه وتعلّم وإدراك لغة العيون، وفهم واستيعاب أوجاع البشر لمحاولة للوصول إلي أعماقهم الخفية وذواتهم الدفينة، ومساعدتهم علي تكوين رؤية مكتملة وصورة واضحة تغلب فيها البهجة والفرح والمرح والسعادة.
الحياة لوحة فنية مكتملة الأجزاء والأركان والعناصر محاطة بأُطر معينة، لا يمكن الخروج عنها ولا تجاوزها فيها مزيج من النقاء والصفاء والسلام والطهر، ومزيج آخر من مشاعر الغضب والحزن والثورة والاكتئاب والخوف والحذر والسيطرة، فلكل لون دلالاته داخل النفس البشرية، وله تأثير عميق وتعبير عن مكنونات النفس ونمط الشخصية!
ففي اللوحة ألوان وأجزاء يغلب عليها اللون الأبيض:
لون السلام والسحاب، لون النقاء والطهر والفرح فهو يبعث مشاعر الراحة والأمل؛ فأكثر المستفيدين من هذا اللون هم الأطباء والعاملين في المجال الطبي؛ وذلك لما يبعث هذا اللون داخل النفس البشرية من الشعور بالأمان والراحة، ويبث الأمل في الشفاء وله أثر فعال في عملية الاسترخاء وتهدئة الأعصاب؛ حيث أثبتت فعاليته في السجون والمصحات النفسية، وظهر أثره في تهدئة النوبات العصبية المفرطة.
فهو له طبيعة ناصعة يمتاز بقدرته الفائقة علي انعكاس جميع الألوان والموجات اللونية المختلفة.
وهناك أجزاء أخري يزيد فيها اللون الأسود:
فهو سيد الألوان وزعيمها، وله طبيعة قاتمة ومعتمة لا يعكس أي موجة ضوئية ملونة، علي عكس اللون الأبيض.
فاللون الأسود يمتص جميع ألوان الطيف التي تسقط عليه، ويوحي بالكآبة ويشكّل تهديدا للأفراد الذين يخافون من الظلام، ويستخدم في كثير من البلدان، رمز للحداد والحزن والغموض.
إلا أنه في أحيان كثيرة يستخدم بملازمته للون الأبيض في الفنون بأنواعها؛ لكونه يؤدي إلي خلق التناقض الفني الذي يدل علي الجمال والإبداع، ما يساعد المتلقي علي وصول المعني واضحا.
وأجزاء أخري تميل إلي اللون الأخضر:
لون الزرع ورمز النمو والخضوبة، ويعبر عن الانسجام والتوازن والانتعاش ويزيل القلق والتوتر فهو محفز علي الشعور بالمعاني الإيجابية، مثل: التفاؤل والراحة.. فهو لون الطبيعة ويراه البعض لونا ملكيا أنيقا.
وأخرى إلي الأزرق: فهو من أكثر الألوان شعبية، وانتشارا في العالم؛ لأنه يعبّر عن الاستقرار ويحفز الشعور بالأمان والثقة بالنفس.
يشيع استخدام هذا اللون في ديكور المكاتب والشركات لزيادة مردود الموظفين في الإنتاجية.
فهو يعبر عن الراحة والسعة في التواصل مع الآخرين
فهو مهدّئ لنبضات القلب، ويساعد في خفض حرارة الجسم.
وأجزاء يكثر فيها اللون الرمادي: فهو من الألوان المحايدة كونه لا بيض ولا أسود.
يرمز الرمادي القاتم المائل إلي اللون الأسود إلي الغموض والمأساة.
أما الفاتح المائل للون الأبيض، فيرمز إلي الحيوية والنور.
ولكنه لون ساكن وخال من المشاعر علي حد سواء.
وأخرى يزداد فيها البُنّي: فهو لون التراب.. كما يصفه الكثيرون، حيث يُعدُّ لونا حقيقيا ومستقرا كاستقرار باطن الأرض، ويدل علي الدعم ويعطي شعورا قويا بالواجب والمسئولية والالتزام.
فهو اللون السائد علي هذه الأرض؛ جنبا إلي جنب مع اللون الأخضر، فالبني لون مريح ودال علي الاستقرار أما الأخضر فهو يدل علي التوازن واستعادة الحيوية.
وأخرى يغطيها اللون الأحمر: فاللون الاحمر هو من أقدم الالوان التي عرفتها البشرية، إذ يعبر عن الدم والنار ورمز للثورة والعصبية.. ويدل علي العاطفة والقوة والمشاعر الجياشة والحيوية، ويعبّر عن النشاط والمثابرة.
فهو يعمل مُحفزا لعملية التنفس، ويرفع عدد نبضات القلب، فهو لون ملفت للأنظار، ومن أكثر الألوان دفئا وحرارة.
ويُستخدم الأحمر في التعبير عن حالات الخطر، كما هو الحال في إشارات المرور.
أما اللون الأصفر فيرمز إلي الطاقة والأمل والاحترام ويضفي شعورا بالدفء، وقد يرمز أيضا إلي الخوف والضعف.
لونٌ مشرق فهو من أكثر الألوان وضوحا للعين.. يلفت الانتباه ويشير إلي الحذر؛ لذا يستخدم في شاحنات المدارس ووسائل المواصلات وإشارات المرور.
أما اللون البرتقالي: فهو مزيج من الأحمر والأصفر معا، وهو يحمل العديد من صفات اللونين، ويعطي شعورا بالحرية والنشاط والسعادة وعلي الرغم من ذلك فإن هذا اللون قد يرمز إلي الحقد.
يستخدم البرتقالي في الديكور الداخلي، بوصفه عاملا مساعدا، بإضافته لبعض الألوان الأخرى، لأنه يعطي شعورا بالراحة ويقلل الإجهاد العصبي.
ولكن استخدامه بشكل مفرط يؤدي إلى الشعور بالقلق والتوتر.
أما اللون الملكي الذي كان يعبر عن الثروة والغنا قديما؛ واستخدمته العائلات الملكية بكثرة، ما رفع من قيمة المواد المستخدمة في استخراجه وصنع أصباغه؛ فهو اللون البنفسجي: فهو مزيج من الأحمر والأزرق، ويعبر عن الحكمة والروحانية والغموض.
وفي الأخير.. إن لكل لون طبيعة تعبر عن محتواه، والغرض من تواجده، ولا يمكن أن تكتمل اللوحة دون وجود ترابط وارتباط شرطي ونوعي أصيل، بين كل العناصر والألوان.
فكل منا جاء ليكمل الآخر، ويواصل رسالة من سبقوه، وأنت وحدك لن تصل ولن تمر ولن تعبر.
امتزج بالألوان التي تشبه روحك وتناسب طبيعتك، وتعبّر عن أهدافك وتجعلك أكثر بريقا وغنى ولمعانا وتعلي قدرك وتثمن قيمتك.
كن كالبنفسج فريدا ومميزا وملكيا، ولا تكن كالأسود قاتم غامض.. وكئيب.