أشاعت القرارات الأمريكية المتعلقة برفع الرسوم الجمركية، حالة من الضبابية تعددت آثارها في الاقتصاد العالمي، وما زالت تبعاتها تتداعى تباعا، ما دفع مسئولي صندوق النقد الدولي إلى تنبيه الحكومة المصرية إلى ضرورة توخي الحذر في مسار خفض أسعار الفائدة.. كانت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري، قد خفَّضت أسعار الفائدة الشهر الماضي لأول مرة منذ نحو خمس سنوات، وذلك بعد تراجع معدل التضخم السنوي إلى 13.6%، حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بعد بلوغه 38% في سبتمبر 2023. ومن المتوقع أن يُقدم البنك المركزي على خفض مجمّع يتراوح بين 600 و800 نقطة أساس خلال العام الحالي.
بخصوص عجز الموازنة توقّع الصندوق ارتفاعا قدره 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بتقديراته السابقة البالغة 10.6% في مارس الماضي.
وتوقّع التقرير أن يبدأ العجز في التراجع التدريجي خلال السنوات المقبلة، ليسجل 10.1% في العام المالي المقبل، و7.6% في العام الذي يليه، قبل أن ينخفض إلى 3.4% بحلول عام 2029-2030.
كما رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العامين الماليين الحالي والمقبل بنسبة 0.2%، لتصل إلى 3.8% و4.3% على التوالي، مقارنة بتقديرات يناير الماضي التي بلغت 3.6% و4.1%.
وتتوافق هذه التقديرات مع توقعات الحكومة المصرية التي ترجّح نموا قدره 4% في العام المالي الحالي و4.5% في العام المالي المقبل.
وكان مشروع الموازنة العامة للعام المالي الجديد 2025- 2026 بمثابة إعلان واضح، عن اتجاه الحكومة للاعتماد على رفع الضرائب؛ لتغطية الزيادة المطلوبة في الإيرادات، والتي تصل نسبتها إلى 23% ما يعادل 3.1 تريليون جنيه، تصل حصة الإيرادات الضريبية منها إلى 2.6 تريليون جنيه، أي ما يعادل 83.8% من إجمالي الإيرادات المتوقعة.. وهو ما يعني ارتفاع نسبة التضخم ذات الأثر المباشر على غالبية المصريين، وتضاؤل فرص العمل، وهما النقطتان اللتان تمثلان تحديا كبيرا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي ينفذه الصندوق في مصر منذ سنوات، وحسب مسئوليه.. يعمل الصندوق من خلال هذا البرنامج على تحقيق أهداف ثلاثة رئيسة هي: رفع مستويات النمو، وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر بالنشاط الاقتصادي، إضافة لمعالجة مشكلة التضخم. كان السوق المحلي قد شهد خروج تدفقات أجنبية بما يزيد عن المليار دولار خلال الشهر الماضي، بحسب تقديرات “غولدمان ساكس” عقب ما أحدثته قرارات ترامب من اضطرابات اقتصادية، وسجل الجنيه المصري الذي تراجع قبل عام بأكثر من 40%، أدنى مستوياته عقب تلك التطورات، قبل أن يُقلّص من خسائره على نحو طفيف. ويبلغ سعر الفائدة الحقيقي -أي معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم- بعد الخفض الأخير نحو 11.75%. ليظل من بين معدلات الفائدة الأعلى عالميا.
ورغم تراجع أسعار البترول عالميا إلا أن الحكومة أقدمت منتصف أبريل المنقضي على رفع أسعار الوقود للمرة الثانية خلال 6 أشهر، بزعم استهداف تحقيق وفر قدره 35 مليار جنيه، في ميزانية العام المالي الحالي، وهو ما أسهم في تسارع وتيرة التضخم.
تصريحات رئيس الوزراء التي أعلن فيها أن الحكومة تدرك أن هناك ضغوط شديدة تحملها المواطن المصري خاصة على مدار العاميين الماضيين، وإنه آن الوقت أن يشعر المواطن المصري أن حياته تتغير للأفضل.. مع عدم نسيان إعزاء أسباب التراجع إلى العوامل الخارجية إقليميا ودوليا- تصريحات ما زالت تتردد أصداؤها في أسماع المصريين، دون أن يجدوا لها أي أثر إيجابي على أرض الواقع.. بل إن الوضع الراهن يؤكد أن السياسات المتبعة تسير نحو مزيد من الأعباء والضغوط؛ في رهان غير مضمون على صبر يوشك أن ينفد.