الأربعاء الماضي.. تَسَاءَل رئيس الوزراء المصري، في تصريحٍ له، تساؤلا بدا غريبا للبعض.. تعلّق التساؤل “الاستنكاري” بالصمت إزاء تراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، حيث بدأ سعر الدولار في الانخفاض، في العشرين من مايو المنقضي، لأول مرّة هذا العام، مسجلا 49.94 جنيها، قبل أن يواصل هبوطه؛ ليصل اليوم الإثنين إلى 49.64 جنيها. بعد ارتفاعه في الأسبوع الأول من أبريل الماضي؛ ليصل لأعلى سعر له في البنوك المصرية 51.32 جنيها.
قبل سبع سنوات، وتحديدا في السابع من يونيو2018، تولّى د. مصطفى مدبولي مسئوليات منصب رئيس الوزراء، سَجّل الدولار عشية تولي مدبولي المنصب الرفيع 17.9 جنيها.
في نفس اليوم الذي شهد تصريحات رئيس الوزراء، أصدر البنك المركزي بيانا ذكر فيه أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج، ارتفعت بنسبة 87% على أساس سنوي إلى 9.4 مليار دولار، مسجلةً بذلك أعلى معدل ارتفاع “فصلي” لها على الإطلاق.
تحتل بذلك تحويلات المصريين بالخارج المرتبة الثانية في ترتيب أهم خمسة مصادر للنقد الأجنبي تعتمد عليها الحكومة، وتحتفظ الصادرات المصرية بالمركز الأول بحوالي 9.9 مليار دولار، عن نفس الفترة (الربع الأول من العام الحالي) وتأتي السياحة ثالثا بـ 4.82 مليار دولار، وصافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة بـ 2.7 مليار دولار، وجاءت إيرادات قناة السويس – بدأت الحكومة في خفض رسومها بنسبة 15% لمدة 90 يوما بدءً من 15 مايو المنقضي- في المركز الأخير بـ 930 مليون دولار فقط، بسبب الحرب في البحر الأحمر.
وتعتبر مصر من أعلى دول العالم تحصيلا لتحويلات العاملين بالخارج، ويقدّر عدد المصريين بالخارج بنحو من 11.8 مليون نسمة (إحصاء رسمي 2022) وهناك تقديرات تصل بالرقم إلى 14 مليون نسمة (تصريح وزيرة الهجرة 29/3/2024) يتواجد نحو منهم حوالي 9.5 مليون نسمة، بنسبة 68% في السعودية ودول الخليج، وتتوزع النسبة الباقية على كل من الولايات المتحدة (من 650 ألف إلى مليون نسمة) وكندا من (140ألف إلى 400 ألف نسمة) ونحوٍ من (120 ألف نسمة في أستراليا) وحوالي (510 مليون نسمة) في القارة الأوربية، (140 ألف تقريبا) في إيطاليا.. بالإضافة إلى أعداد قليلة في دول إفريقية وأمريكا الجنوبية وبقية دول العالم.
تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت بنسبة بلغت 51.3% مسجلة 29.6 مليار دولار، في العام الماضي، بعد قرارات الحكومة بتوحيد سعر الصرف في مارس 2024.
أدى ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج خلال الربع الأول من 2025، إلى تحسن أرقام الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية الجارية 2024-2025، واعتبرت تلك الزيادة قياسية، إذ بلغت قرابة 83% على أساس سنوي (حوالي 26.4 مليار دولار) وفق تقديرات بيان المركزي المصري.
بالنسبة لتوقعات صندوق النقد لتحويلات المصريين بالخارج- يتوقع خبراء الصندوق أنه بحلول العام المالي 2027-2028، سيصل الرقم إلى 42 مليار دولار تقريبا.
كان صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي المصري، قد انخفض بنسبة 10.6% على أساس شهري خلال أبريل الماضي. متراجعا إلى 13.4 مليار دولار، مقابل حوالي 15 مليار دولار نهاية مارس الذي سجّل فائضا بقيمة 2.53 مليار دولار، لأول مرة منذ أغسطس 2024، مقابل عجز بقيمة 1.92 مليار دولار في فبراير 2025.
من المعروف أن صافي الأصول الأجنبية هو ما تملكه البنوك من ودائع ومدخرات بالعملات الأجنبية قابلة للتسييل.
وما زال المصريون يلتزمون الصمت حيال انخفاض سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري، الذي فَقَدَ حوالي 186.8% من قيمته أمام الدولار منذ تولي د. مدبولي الوزارة، لتقل هذه النسبة بعد الانخفاض الأخير للدولار إلى 178.96% وهو تراجع في النسبة، لا يسترعي انتباه غالبية المصريين الذين يهتمون أكثر بتسارع معدلات التضخم التي بلغت أعلى وتيرة لها منذ بداية العام الجاري في مايو المنقضي، لتبلغ حسب التقديرات الرسمية 16.8% على أساس سنوي، مقابل 13.9% في شهر أبريل الماضي، وكان الأثر الأكبر في ذلك لارتفاع أسعار الغذاء، الذي تضاعف الإنفاق عليه من 1.96 تريليون جنيه عام 2021، إلى 4.03 تريليون جنيه العام الماضي.
ومازال المصريون في انتظار ظهور ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تحمّل تكلفته الطبقات الفقيرة ومحدودو الدخل دون غيرهم، ولم ترفع برامج الحماية الاجتماعية التي واكبت ذلك عن المصريين إلا أقل القليل.. ما يشي بأن النتائج لن تكون إلا مزيدا من الوعود وكثيرا من الأعباء.