رؤى

العدوان على إيران.. والمعادلة الصفرية

رغم أن غبار القنابل لم ينقشع بعد، إلا أنه يمكن القول، أن العدوان الصهيوني على الجمهورية الإيرانية، والذي بدأ فجر الجمعة (١٣ يونيو ٢٠٢٥) لم يحقق الغرض الأساسي منه.

بداية٬ فإن المتأمل لكيفية تنفيذ العدوان الأمريكي – الصهيوني المشترك، الذي وفرت له واشنطن المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي، في حين نفذت المقاتلات الجوية الصهيونية، على مناطق مختلفة من الأراضي الإيرانية، يدرك أن العدو الصهيوني، استوحى سيناريو عدوانه على مصر في صيف العام ١٩٦٧.

حيث بدأ باستهداف سلاح الجو، ليضمن تحييده ويضمن تقدم قواته البرية في صحراء سيناء، ضد قوات تفتقد الدعم الجوي؛ مراهنا على أن هذا التقدم السريع كفيل بانهيار النظام المعادي له في مصر.

إلا أن هذا التصور يهمل حقيقة، مفادها أن سلاح الجو الإيراني، وعلى عكس نظيره الصهيوني، ليس عماد المؤسسة العسكرية الإيرانية، ولا أساس قوتها الضاربة.

بل إن العكس تماما هو الصحيح؛ فإدراك القيادة الإيرانية لحقيقة التفوق الجوي الصهيوني، بفضل ما توفّره له واشنطن من تكنولوجيا ودعم مادي- جعل طهران تعتمد إلى حد بعيد إلى سلاح غير تقليدي، مثل الصواريخ والمسيّرات والتي أثبتت قدرتها سابقا على اختراق الدفاعات الصهيونية.

وعلى صعيد اغتيال القيادات والذي يعتبره العدو إنجازا، فإن الثابت هو أن النظام الايراني استطاع مرة تلو الأخرى إعادة إنتاج قياداته، لا سيما قيادات مؤسسته العسكرية عقب تلقيه ضربات كهذه.

فحين كان هذا النظام لا يزال فتيا في مطلع الثمانينات، تعرض لضربة مماثلة تمثلت في اغتيال عدد كبير من قياداته في يونيو أيضا من عام ١٩٨١، إلا أن هذه الاغتيالات التي طالت أكثر من سبعين من رموز النظام- لم تؤدِ إلى انهياره؛ خاصةً مع قدرة هذا الأخير على تعويض من اغتيل من قيادات.

ومن اللافت حقا.. مدى سرعة إعلان النظام في طهران عن استبدال القيادات العسكرية التي طالها العدوان الصهيوني، وعددها نحو ٢٠ قياديا بقيادات جديدة أو بديلة في فترة لا تتجاوز بضع ساعات.

أما الهدف الأساس للعدوان الصهيوني، وهو إجهاض المشروع النووي الإيراني، فلا يبدو أن العدو تمكّن من تحقيق ذلك عبر ضرباته الجوية الغادرة.

إذ لم يطل العدوان منشآت نووية بارزة في إيران مثل مفاعل بوشهر، كما أن المنشآت النووية التي استهدفها العدوان مثل موقع “نطنز” فلم تتضرر بالقدر الذي يؤدي إلى خروجها عن العمل، حيث صرّح مساعد المدير العام للوكالة الطاقة الذرية بهروز كمالوندي: الأضرار في موقع نطنز أصابت المباني السطحية، في حين أن المعدات والتجهيزات الأساسية تحت سطح الأرض في موقع نطنز لم تتضرر.

وأغلب الظن أن العدوان الهادف إلى جعل إيران تعدل عن عدوانها النووي، سيؤدي إلى نتيجة عكسية تتمثل في إصرار إيران على امتلاك ردع نووي، يمنع تكرار عدوان كهذا في المستقبل.

وأضاف أن الهيئة “اتخذت الإجراءات اللازمة لحفظ سلامة المواد النووية والكوادر، ولن يحقق العدو أهدافه”.

يمكن القول أن العدو حقق نجاحا جزئيا، وهو تدمير قسم من الدفاعات الجوية الإيرانية، ما يمنح قواته الجوية حرية نسبية في التحليق في أجواء إيران.

إلا أن هذا الوضع في الأغلب لن يطول؛ خاصةً مع تعيين قائد جديد لما يعرف بمقر خاتم الانبياء، للدفاع الجوي وقدرة تلك الدفاعات الجوية الإيرانية على التصدي لمسيّرات العدو في مناطق أخرى لم يطلها عدوانه.

ومن اللافت حقا.. أنه في حين يتباهى العدو بنجاحه المزعوم في هجومه على الجمهورية الإيرانية، إلا أن إعلامه -في الوقت ذاته- لا يخفي خوفا شديدا من رد إيراني قادم.

حيث أوضحت القناة ١٤ العبرية، أن جيش الاحتلال سحب قوات من قطاع غزة؛ لنشرها في جبهات أخرى، وعزز من ناحية أخرى فرقه “الدفاعية” في القطاع، لمنع ما أسماه “التهديدات”.

كما نشرت القناة ١٢ العبرية، أن ما يعرف بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي أوصى الإسرائيليين – في الخارج- بتجنب كشف جنسيتهم، كما أغلق عدد من سفارات دولة الاحتلال في الخارج، كما في السويد والنرويج وغيرها.. تحسبا لهجمات محتملة عليها.

وفي داخل فلسطين المحتلة، قررت وزارة الطاقة وقف عمل عدد من منشآتها الغازية شرقي البحر المتوسط، كما أغلقت منصتين من أصل ثلاث منصات غاز  طبيعي خشية استهدافهم.

ولخصت إذاعة جيش الاحتلال، الذي رفع درجة التأهب إلى أعلى درجة الوضع الداخلي بقولها: أغلق المجال الجوي الصهيوني حتى إشعار آخر، الهجمات الإيرانية قادمة لا محالة، وما نُفذ الليلة هو هجمات مضادة أولية تمنح المواطنين الإسرائيليين وقتا للاستعداد والتحضير.

إن هدف هذا العدوان المشترك واضح جلي، يتلخص في تصريح الرئيس الأمريكي: أن على الإيرانيين الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق، وبطبيعة الحال فإن التفاوض المقصود هو تفاوض تحت وطأة النيران والاتفاق المطلوب هو إعلان صريح من قبل طهران بالتخلي عن برنامجها النووي.

ولا يوجد أي سبب منطقي يجعل المراقب يقتنع بأن ما عجز نفس الرئيس الأمريكي عن فرضه بالقوة على اليمن، وإن ما عجز حليفه الصهيوني على أن يفرضه على مدار أكثر من ٦٠٠ يوم على المقاومة في غزة، يمكن أن ينجح أي منهما في فرضه على طهران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock