فجر أمس الجمعة، شنت إسرائيل هجوما جويا واسع النطاق على أكثر من100 موقع إيراني، وقد أطلق على العملية الاسم التوراتي “عم كَلافي” وتعني الأسد الصاعد.
استهدف الهجوم منشآت نووية مثل: نطنز وأصفهان، منشآت صاروخية، أنظمة دفاع جوي، ومسئولين كبار في الحرس الثوري الإيراني، من بينهم الجنرالين حسين سلامي ومحمد باقري، وعدد من العلماء النوويين.
ردا على ذلك، أطلقت إيران هجوما مضادا بما يزيد عن 100 طائرة مسيرة، وأكثر من 150 صاروخا باليستيا، استهدفت عددا من المواقع داخل الارض المحتلة، وأصابت بعض المنشآت، وافادت تقارير أن عددا كبيرا من الصواريخ، اعترضتها منظومات “القبة الحديدية” الأمريكية/الإسرائيلية.
والواقع أن هذه المواجهة المباشرة وغير المسبوقة بين الطرفين، والتي تعد الأشدّ في تاريخ الصراع المباشر بين البلدين، وتفتح فصلا جديدا من التوتر العنيف، تفتح بابا جديدا من التوترات الإقليمية، مع تداعيات واسعة على أمن واستقرار الشرق الأوسط، وخاصةً على الدول المجاورة مثل مصر، التي تعاني بالفعل من تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية.
تصعيد الأزمة
الضربة الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن استهدفت إسرائيل مفاعلات نووية في العراق (1981)، وسوريا (2007)؛ لكن استهداف إيران مباشرة يمثل تصعيدا غير مسبوق، خاصةً أن طهران تمتلك قدرات عسكرية متطورة، وشبكة واسعة من الوكلاء الإقليميين.
والواضح، أن إيران لم تتردد في الرد على الضربة الإسرائيلية، حيث أطلقت موجات متتالية من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة نحو إسرائيل، مستهدفة مواقع عسكرية ومدنية. وكما يبدو، فإن هذا الرد يشكل سابقة خطيرة، لأنه أول هجوم مباشر من إيران على إسرائيل من أراضيها، وليس عبر وكلائها في المنطقة. ومن ثم، تزيد المواجهة المباشرة بين الطرفين من احتمالية حرب إقليمية واسعة، خاصةً إذا قررت إسرائيل الرد بعملية برية أو جوية أكثر قوة، أو إذا تدخلت دول مثل الولايات المتحدة بشكل مباشر. كما أن إيران قد تضطر إلى حشد حلفائها، في سوريا والعراق واليمن ولبنان، لفتح جبهات متعددة ضد إسرائيل، ما يعمق الفوضى في المنطقة.
تداعيات إقليمية
بالطبع، تتعدد التداعيات الإقليمية لهذه المواجهة الإيرانية الإسرائيلية.. فمن جهة، هناك التهديد الواضح لأمن منطقة الخليج العربية؛ فالدول الخليجية – خاصةً السعودية والإمارات- ستكون في مرمى النيران بسبب تحالفاتها مع الغرب وعلاقاتها المتوترة مع إيران؛ لذا فإن أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى استهداف منشآت نفطية أو اقتصادية، كما حدث في هجمات 2019 على أرامكو.
ومن جهة أخرى، هناك إمكانية تفعيل المحورين الإيراني والإسرائيلي؛ حيث ستعمل إسرائيل، على تعزيز تحالفاتها مع دول عربية مثل الأردن، وربما بعض الدول الخليجية في إطار التطبيع، بينما ستحاول إيران تعبئة حلفائها في سوريا ولبنان واليمن. هذا الاستقطاب سيزيد من حدة الصراعات بالوكالة في ليبيا واليمن وسوريا.
ثم، هناك أيضا التأثيرات الاقتصادية الكارثية؛ إذ إن أي حرب إقليمية ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وتعطيل خطوط الملاحة في مضيق هرمز، ما يهدد الاقتصادات الهشة أصلا في المنطقة. كما أن الاستثمارات الأجنبية قد تتراجع بسبب عدم الاستقرار. أضف إلى ذلك، أن إغلاق مضيق هرمز أو تعرّض السفن التجارية لهجمات – كما حدث سابقا- سيعطل حركة التجارة العالمية، ويهدد الأمن الغذائي لدول تعتمد على الاستيراد، مثل مصر ولبنان.
ومن جهة أخيرة، هناك تحركات القوى الدولية الكبرى، روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية؛ فالعلاقات بين إيران وروسيا والصين تدخل منعطفا، حيث يمكن أن تحاول موسكو وبكين استثمار التوتر للتوسط أو تعزيز نفوذهما في المنطقة، بما في ذلك الإبقاء على الإمدادات النفطية خارج متناول واشنطن. ثم، إن هذه الأخيرة، واشنطن، وحساباتها بشأن أمن إسرائيل ووجود قواتها في العراق وسوريا، أمام تحدي حماية منشآتها والشركاء المحليين دون الانزلاق في مواجهة مباشرة مع إيران.
تداعيات مصرية
هنا، يثور التساؤل حول تداعيات هذه المواجهة، واحتمالات تصعيد الأزمة، على مصر؟
إذ إن مصر -بحكم موقعها الجيوسياسي وعلاقاتها المعقدة مع إسرائيل وإيران- ستكون من أكثر المتأثرين بالتصعيد الحالي.
فمن جانب، هناك التأثيرات الاقتصادية؛ خاصة في ما يتعلق بقناة السويس، التي قد تشهد تقلبات بسبب المخاوف من التهديدات في البحر الأحمر والخليج، ما قد يؤدي إلى اتجاه السفن نحو طرق أطول وأغلى. أيضا، الارتفاع المتوقع في أسعار النفط سوف ينعكس بزيادة تكلفة الاستيراد، ما يفاقم الضغوط على ميزانية مصر، ويؤثر على الأسعار المحلية. هذا، فضلا عن ما يمكن أن تُثيره التوترات الإقليمية من قلق المستثمرين والسياح، خاصةً من أوروبا، ما سوف يؤتي بإشكالات اقتصادية على الاقتصاد المصري الذي يعاني من مشكلات متعددة.
من جانب آخر، هناك الأبعاد الجغرافية والأمنية؛ حيث من المحتمل أن يحدث نزوح جديد من لبنان أو سوريا نحو مصر، ما يزيد من الضغط على البنية التحتية والخدمات التي تعاني من الضغوط جراء وجود حوالي “عشرة” ملايين أجنبي ينتمون إلى 133 دولة، حسب المنظمة الدولية للهجرة- على الأراضي المصرية.
أضف إلى ذلك، ما يختص بالأمن البحري، حيث إن تزايد أنشطة الحوثيين قرب باب المندب يهدد باختلال الملاحة، ما يستدعي تنسيقا مصريا مع قوات التحالف لضمان مرور آمن.
ثم، هناك أخيرا، مسألة التوازن الدبلوماسي؛ حيث إن مصر -في ما يبدو- مطالبة بلعب دور الوسيط لضبط التوتر العربي – الإيراني، مع الحفاظ على علاقات قوية مع الخليج وواشنطن، دون الإضرار بشبكة علاقاتها الدولية.
في هذا الإطار.. يمكن القول إن المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وإيران، قد أظهرت إمكانية تحول التوترات التقليدية إلى حرب مباشرة تشمل قصفا نوويا استباقيا وردودا واسعة ومعقدة. وبينما تطل بقوة التداعيات الإقليمية والعالمية، فإن الواقع يتطلب من القاهرة -بوصفها لاعبا محوريا في الشرق الأوسط- أن تُصغي لتحديات الأمن الوطني، وتوظّف أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية لتخفيف آثار هذا التصعيد.
إذ إن المواجهة بين إسرائيل وإيران ليست مجرد صراع بين دولتين، بل هي اختبار لميزان القوى في الشرق الأوسط. التداعيات ستطال كل دول المنطقة، خاصةً مصر التي تعاني من تحديات داخلية. لذلك على القاهرة أن تعد العدة لمواجهة السيناريوهات الأسوأ، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي، مع العمل على تعزيز دورها الدبلوماسي لاحتواء الأزمة وتداعياتها.