علماء المناخ لا ينقطع صراخهم في تحذير البشرية من مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري وآثاره الخطيرة المحتملة على الحياة في كوكب الأرض. آخر تحذيراتهم أنه لم يعد متبقيا سوى 12 عامًا للسيطرة على الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية، وحال لم تتم المسارعة باتخاذ التدابير اللازمة للحد من الانبعاثات التي تؤدي إلى تغير المناخ، فسوف تتفاقم مخاطر الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة الشديد والفقر مؤثرة على مئات الملايين من البشر حول العالم.
أخطار متزايدة
نعيش اليوم في عالم أكثر دفئًا بدرجة مئوية مقارنة بعصور ما قبل الصناعة، وهو ما يتسبب في زيادة رقعة المسطحات المائية نتيجة لذوبان الجليد في المناطق الباردة، وبالتالي ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات وهو ما يؤدي إلى كوارث طبيعية مثل الفيضانات.
وحال استمر ارتفاع معدل الاحتباس الحراري ليصل إلى درجتين مئويتين فأكثر، فثمة مخاطر حقيقية تنذر بالقضاء على كائنات حية مهمة في النظام الطبيعي مثل الشعاب المرجانية، فضلًا عن الجفاف وحرائق الغابات وغيرها من المشكلات البيئية، التي ستحدث كنتيجة طبيعية لاختلال التوازن البيئي.
الأخطر أن آثار الاحتباس الحراري بدأت تظهر بالفعل في بعض أجزاء العالم، كما راينا في الأعاصير المدمرة التي اجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية، وموجات الجفاف القياسية التي عانت منها جنوب أفريقيا، وحرائق الغابات في القطب الشمالي، وهي كوارث باتت مرشحة أن تهدد بالفعل المزيد من بقاع الكرة الأرضية.
وإدراكا لهذه المخاطر المتزايدة تم تكليف فريق دولي معني بتغير المناخ من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لتوفير مصدر موضوعي للمعلومات العلمية بشأن أبعاد هذه الظاهرة وتطوراتها المحتملة. وفي عام 2016 وقعت 175 دولة على اتفاقية باريس للتغير المناخي، فيما اعتبر ذلك إنجازا تاريخيا في التعامل مع أخطار هذه الظاهرة.
سيناريوهات مفزعة
قبل شهرين أصدر الفريق الدولي لتغير المناخ أحدث تقاريره في أكتوبر الماضي، محذرا من أنه في حال إخفاق توافق بلدان العالم على إجراءات فعالة للسيطرة على ارتفاع درجة حرارة الأرض بحد أقصى 1.5 درجة مئوية خلال مهلة تمتد إلى عام 2030، فإن العالم مهدد أن يصل إلى مرحلة اللاعودة إذا بلغ الارتفاع 2 درجة مئوية فأكثر، ما يترتب عليه تغيرات في النظم البيئية الرئيسية تنذر بتداعيات تمتد آثارها المدمرة لأجيال قادمة.
صعوبة بلوغ هذا الهدف تكمن فيما يتعين التزامه عالميا من تغيرات جذرية في نوعية الطاقة المستخدمة في الصناعة ووسائل النقل والتدفئة وغيرها، مما يضر باقتصادات الدول المعتمدة على الوقود أو الفحم أو غيرها من المصادر الملوثة للبيئة.
وعزز من هذه المخاوف إعلان الولايات المتحدة الأمريكية – أكبر مصدر للانبعاثات الضارة – انسحابها من اتفاقية باريس ، حسبما أعلن ترامب الذي اعتبر الالتزامات المترتبة على الاتفاقية من شأنها أن تلحق الضرر بالمصالح الاقتصادية والسياسية الأمريكية.
ورغم ذلك، لا يزال الأمل يراود العديد من الدول الملتزمة بالاتفاقية – وعلى رأسهم الصين وأوروبا- أن تحقق هذا الهدف لحماية مستقبل الأجيال القادمة، من خلال تطوير التكنولوجيا اللازمة لاستخدام الطاقة النظيفة المتجددة، بدلًا من تلك الملوثة.
فرص الإنقاذ
في تصريح أخير لعالم ناسا السابق “جيمس هانسن” حذر من أنه سواء ارتفع الاحترار العالمي إلى 1.5 أو 2 درجة مئوية فسوف تدخل البشرية منطقة الخطر والمجهول، ولكن إذا توقف الارتفاع عند 1.5 درجة فستكون تبعات ذلك أقل ضررًا بكثير، كما ستعطي الفرصة للأجيال القادمة للسيطرة على الوضع المناخي مستقبلًا.
جيمس هانسن
ونظرًا لأن الدول تعطي الأولوية غالبا للأخطار التي يمكن أن تؤثر على محيطهم في الأمد القريب، لم تحظ تحذيرات العلماء للسيطرة على ارتفاع درجة حرارة الأرض لما دون
ال 2 درجة مئوية بالاهتمام الكافي مبكرا، باعتبار ذلك تنازلًا سياسيًا لصالح الجزر الساحلية الصغيرة.
لكن الأمر اختلف كثيرا في السنوات القليلة الماضية مع تزايد الأدلة على عدم استقرار المناخ العالمي، وتعاظم المخاوف من بلوغ مرحلة اللاعودة، وحينها لن تفلح مساعي خفض الانبعاثات في السيطرة على الاختلال البيئي، الذي لن تقف أخطاره على الجزر الساحلية فقط وإنما على العالم أجمع، وبشكل أسرع من المتوقع، ما يتعين معه البدء فورا في جهود دولية منسقة سعيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
فيديو لوكالة “ناسا” عن الاحتباس الحرارى