صدر قبل أيام كتاب ” المزاح في تراث الآل والأصحاب ” عن سلسلة تراث الآل والأصحاب بدولة الكويت لمؤلفه الأستاذ الدكتور مصطفى رجب.
المؤلف وفق ما جاء في موسوعة ويكيبيديا هو مصطفى بن محمد بن أحمد بن رجب بن محمد بن شحاتة الخطيب الشريف الحسيني، المولود بقرية شطورة التابعة لمركز طهطا بمحافظة سوهاج بمصر، وقد هاجرت عائلة الخطيب التي ينتمي إليها من قرية الأشراف البحرية بمحافظة قنا إلى قرية شطورة عام 675 هجرية.
حفظ مصطفى القرآن في صغره، والتحق بالتعليم العام فدرس بمدرسة شطورة الابتدائية، ثم المدرسة الثانوية بمركز طهطا ثم التحق بكلية التربية جامعة أسيوط حيث حصل على المركز الأول بمرتبة الشرف الأولى، ومن ثم تم تكليفه معيداً بنفس الكلية بقسم أصول التربية، ثم انتقل إلى كلية التربية بسوهاج، ومنها تدرج في الدرجات العلمية حتى صار أستاذاً، ثم وكيلاً لكلية التربية ثم عميداً لها لفترتين متواليتين.
الدكتور مصطفى رجب
وقد حرصتُ على ذكر التعريف بالمؤلف لأنه وثيق الصلة بمضمون الكتاب، فالرجل من الأشراف وكتابه قائم على ذكر طرائف أجداده السادة آل البيت، ثم إن الكتاب عن فن المزاح الذي يعد الدكتور مصطفى واحدًا من أساتذته الكبار، ويكفيه أنه صاحب مطولات من الشعر الحلمنتيشي، ذلك اللون الشعري الذي لا يجرؤ عليه سوى الذين يعرفون فنون المزاح وقد وهبهم الله خفة الظل والبراعة في الدعابة.
وللمؤلف كتاب آخر بعنوان “شعراء الفكاهة المعاصرون”، كما أنه صاحب مدونة شهيرة تحمل عنوان “همبكستان”، وفي العنوان ما فيه من دعابة وخفة ظل.
على ما سبق فالرجل ليس بعيدًا عن مضمون كتابه، ولم يقحم نفسه في مدينة لا يعرف شوارعها
قسّم المؤلف كتابه إلى ستة فصول وهى:
المزاح لغة واصطلاحًا.
أهمية المزاح.
الطرائق النبوية في تربيـة الآل والأصحاب.
الضوابط الشرعية للمزاح.
المزاح في تراث آل البيت.
المزاح في تراث الأصحاب.
بعد المقدمة الشارحة لمضمون الكتاب يؤكد المؤلف أن الجدية ليست قرينة العبوس، فقد كان رسولنا الكريم وهو رجل الجد الأول المنزه عن الهوى وعن الهزل، والمسئول الأول عن بناء دولة الإسلام، يخبر أصحابه دائمًا أن من أفضل الأعمال: «أن تُدخِلَ على أخيك المؤمن سرورًا».
ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من أفكَهِ الناس.
والفكاهة النبوية كانت لا تجرح أحدًا، وكانت لا تعتمد على اللفظ الفج الغليظ ولا على ترويع الناس بزعم خفة الظل كما يفعل بعضهم الآن.
الدعابة البريئة كانت شائعة في بيوت الرسول وبين أزواجه عليهن الرضوان، فقد كن يتضاحكن في حضرته فيشاركهن الضحك ولا ينكر عليهن من ذلك شيئًا، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان عندي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسودة بنت زمعة، فصنعتُ حريرة ـ عصيدة، تصنع من الدقيق واللبن والدسم ـ وجئت به، فقلت لسودة: كلي. فقالت: لا أُحب. فقلتُ: والله لتأكلن أو لألطخن به وجهك. فقالت: ما أنا بذائقته. فأخذتُ بيدي من الصحفة شيئا منه فلطَّختُ به وجهها ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس بيني وبينها، فخفض رسول الله ركبتيه لتستقيد مني، فتناولتْ من الصحفة شيئا، فمسحتْ به وجهي، وجعل رسول الله يضحك».
ومن دعابة نساء النبي ينقلنا المؤلف إلى جلسات الضحك التي كانت تحدث في بلاط الخلفاء وهم جميعًا من أبناء عمومة الرسول، فيقول “دخل يزيد بن منصور الحميري يوما على الشاعر بشار بن برد وهو واقف بين يدي الخلفة المهدي العباسي، ينشد شعراً. فلما فرغ من إنشاده، أقبل يزيد بن منصور على بشار وقال له: ما صناعتك، يا شيخ؟
فرد عليه بشار قائلًا: أثقب اللؤلؤ.
فضحك المهدي وقال لبشار: أغرب ويلك! اتتنادر على خالي؟
فقال بشار مازحا هازئا: وما أصنع به؟ !! يرى شيخاً أعمى قائماً ينشد الخليفة مديحاً، يقول له: ما صناعتك؟.
ومرة أخرى، كان بشار جالساً في دار الخليفة المهدي والناس ينتظرون الإذن، فقال بعض موالي المهدي لمن حضر: ما عندكم في قول الله عز وجل (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ؟).
فقال له بشار: النحل التي تعرفها الناس.
فقال: هيهات يا أبا معاذ، النحل بنو هاشم وقوله (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) يعني أهل العم.
فقال له بشار: جعل الله شرابك وطعامك وشفاءك مما يخرج من بطون بني هاشم .
وعن المزاح الذي نطلق عليه نحن الآن تسمية ” المقلب “يذكر المؤلف “مقلبًا” كان كل أبطاله من أكابر الصحابة وبينهم الخليفة عثمان بن عفان فيقول: كان مخرمة بن نوفل قد بلغ مئة وخمس عشرة سنة، فقام في المسجد يريد أن يبول فصاح به الناس: المسجد المسجد !!
فأخذ نعيمان بن عمرو بيده وتنحى به، ثم أجلسه في ناحية أخرى، فقال له: بُلْ هاهنا !!.
فصاح به الناس، فقال: ويحكم !! فمَنْ أتى بي إلى هذا الموضع؟.
قالوا: نعيمان. قال: أما إنَّ لله عليَّ إن ظفرتُ به أن أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغتْ.
فبلغ ذلك نعيمان، فمكث ما شاء الله، ثم أتاه يوما وعثمان رضي الله عنه قائمٌ يصلي في ناحية المسجد، فقال نعيمان لمخرمة: هل لك في نعيمان؟
قال: نعم.
فأخذ بيده حتى أوقفه على عثمان !! وكان عثمان رضي الله عنه إذا صلى لا يلتفت.
فقال نعيمان لمخرمة موجِّهًا له نحو عثمان : دونك هذا نعيمان !!،
فجمع يده بعصاه فضرب عثمان فشجَّه.
فصاحوا به: ضربت أمير المؤمنين! وسمعت بذلك بنو زُهرة فاجتمعوا في ذلك، فقال عثمان رضي الله عنه: دعوا نُعيمان فقد شهد بدراً.
لم يغضب ذو النورين وهو أمير المؤمنين من هذا المقلب لأن فاعله كان نعيمان الأنصاري الذي كان على عهد رسول الله يقوم بأعمال تضحك رسول الله.
ومن زمن الخليفة عثمان بن عفان ينقلنا المؤلف إلى زمن أول ملوك الإسلام نعنى معاوية بن أبي سفيان فيقول: دخل ربيعة بن عقيل اليربوعي على أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين أعنِّي على بناء داري.
فقال معاوية: أين دارك ؟
قال ربيعة: بالبصرة وهي أكثر من فرسخين في فرسخين !!
فقال له معاوية ساخرًا من طمعه ممازحا له: فدارُك في البصرة؟ أم البصرة في دارك.
وعلى هذا المنوال نسج المؤلف قصص كتابه الممتع الذي يرد للفكاهة مكانتها، وقد صنع كل هذا وهو ملتزم بآداب وتقاليد البحث العملي الصارمة فهو لم يذكر قصة إلا وذكر مصدرها، وكل مصادره من أمهات الكتب في هذا المجال .