وصفه البعض بأنه “خواجة”، نظرا لأنه أمضى أغلب فترات حياته خارج مصر والمنطقة العربية، كما حظيت أفكاره برواج لافت في مجتمعات أمريكا اللاتينية وأفريقيا أكثر من انتشارها في مصر والعالم العربي. فرغم أن أفكار وكتابات المفكر الاقتصادي الكبير الراحل سمير أمين، وخلال سنوات تطورها كانت معنية بالأساس بقضايا وهموم المجتمعات الفقيرة والنامية، ومن ضمنها بطبيعة الحال مصر والبلدان العربية، إلا أن هذه الأفكار لم تلق الاهتمام الكافي، وبالتالي لم تؤثر في مجتمعاتنا العربية حتى بعد ثورات الربيع العربي، كما فعلت في العديد من البلدان اللاتينية والإفريقية.
وفيما بدا أنه محاولة ولو متأخرة، للالتفات لمسيرته الفكرية، ولتسليط الضوء على أهم أعماله وكتاباته وأفكاره، نظم المجلس الأعلى للثقافة في مصر الاسبوع الماضي ندوة تحت عنوان “سمير أمين وتحديات العولمة”، بحضور نخبة من الكتاب والمفكرين والباحثين من محبي وتلاميذ سمير أمين. من بين المشاركين في الندوة كان حلمي شعراوي، مؤسس مركز البحوث العربية والأفريقية الذي نفى في كلمته ما يردده البعض عن سمير أمين باعتباره “خواجة”، مؤكدا أنه مصري أصيل ظل مهموما بقضايا وطنه حتى النهاية، وإن عاش بعيدا عنه. وأوضح شعراوي أن من يقرأ مذكرات سمير أمين، ابن بورسعيد التي عاش فيها أكثر من عشرين عاما يغادرها، يدرك بوضوح أنه لم يكن “خواجة”، وأنه حتى أخر حياته مهتما بما يجري في مصر، مشيرا في هذا الصدد إلى أن سمير أمين أنجز ثلاثة كتب عن ثورة 25 يناير وما بعدها”
وعن أفكار سمير أمين وخصوصا ما يتعلق بنظرية التبعية والمركز والهامش، رأى حلمي شعراوي أن أمين لم يكن من مدرسة التبعية، لكنه تناول هذه القضية بشكل مختلف، فقد كان يتحدث على المركز العالمي ورغبة هذا المركز في دمج دول الهامش أو الاطراف، “ورغم صداقته لمفكري مدرسة التعبية إلا أنه لم يكن متوافقا معهم في كل أفكارهم”.
وأشار شعراوي إلى أن سمير أمين كان يرفض أن يطلق عليه البعض صفة أنه “عالم ثالثي” أي ينتمي للعالم الثالث، وذلك حتى لا يتقاطع هذا مع الفكرة الغربية التي تقّسم العالم لأول وثاني وثالث، هي فكرة تهدف في رأيه لعزل تلك الدول، وبالتالي قام بتعريف العالم الثالث بشكل مختلف يدفعه للنمو”.
أما الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة فقد قدم رؤية مغايرة لما قدمه حلمي شعراوي عن علاقة سمير أمين بمدرسة التبعية فقد كان أمين مهتم بالأساس الاقتصادي لمدرسة التبعية، فقد كان يقول أن السبب في تخلف دول الجنوب هو استغلال دول الشمال في العمل، وبالتالي هناك استناد لقانون فائض القيمة لدى ماركس وأعمال اريجي ايمانويل، الذي ذكر فيها أن قيمة العمل، في دول الجنوب وما ينتجه العامل في وقت معين في دول الجنوب هو أقل بكثير مما يمكن أن ينتجه عامل في نفس نوع العمل ولكن في دولة الشمال، وهذا في رأيي ايمانويل وسمير أمين نوع من أنواع الاستغلال”.
وأشار السيد، إلى أن “سمير أمين كان يفرق بين اقتصاد الدولة المتخلفة واقتصاد الدولة التابعة، مثل الفرق بين اليمن والمملكة العربية السعودية في الستينيات من القرن الماضي، ففي حين كانت الأولى دولة ذات اقتصاد متخلف، كانت الثانية دولة تابعة، وبناء عليه أصبح هناك اختلاف بين الاقتصاد بين البلدين”.
ومن جانبه اعتبر أنور مغيث مدير المركز القومي للترجمة، “أن جاذبية سمير أمين، تكمن في جاذبية الماركسية، خاصة في النصف الأخير من عقد الأربعينيات وانتشارها بين الشباب، ووجود مأزق بين قيم الحداثة الغربية من ناحية، وكون الغرب نفسه مستعمر يستحق المواجهة من ناحية اخرى.
وأضاف مغيث، أن هذا المأزق تكرر مرة اخرى بعد صدور كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد حول النظر للهيمنة الغربية، فأصبحت أفكار التقدم والديمقراطية وحقوق الانسان جزء من المركزية الغربية، ما يعني أن رفض المركزية أو الهيمنة الغربية والأوربية يتضمن رفض قيم التقدم وحقوق الإنسان. لكن سمير أمين نجح في تقديم الحل للخروج من هذا المأزق، فقد أوجد طريقا لمواجهة الهيمنة الغربية دون رفض للقيم المستنيرة في الفكر الغربي”.
ووفقا لأنور مغيث فإن خلاصة أفكار أمين “هي أن هناك نزعتين، الأولى مركزية أوربية تصيغ العالم من منظورها، وهناك رد عليها هي النزعة الأصولية والإقليمية، وهي في حقيقتها ليست نزعة مواجهة لكنها بالعكس تعتبر الوجه الآخر لنزعة الهيمنة الغربية، فهي تقوم على رفض كل القيم العليا كالحرية والمساواة والتنوير والاكتفاء بالثقافة الخاصة المحلية، ووفقا لهذه النزعة تصبح حرية المرأة عملية نصب، وحقوق الإنسان ليست سوى وسيلة لضرب الشعوب الأخرى. وهذا هو التفسير تصدى له سمير أمين الذي قال بضرورة الانتصار لمبادئ الثورة الفرنسية كقيم المساواة والحرية للجميع، وهي قيم لم تتحقق لأن قيادة الرأسمالية للعالم هي التي جعلت تلك القيم غير متحققة، وبالتالي فإننا كثوار ضد الرأسمالية وقيادتها للعالم، هدفنا الاساسي هو أن تتحول تلك القيم المستمدة من عصر التنوير والثورة الفرنسية إلى قيم فعلية تضم البشر أجمعين”.
اللقاء شارك به الدكتور سعيد المصري، الأمين العام للمجلس، وخليل عبدالرازق، ودارته الدكتورة أماني الطويل.