«سألوا فرويد عن السعادة، فأجاب: السعادة هي أن تعمل وأن تحب، لكن الشباب لا يعمل، وربما لا تتاح له فرصة أن يحب، لأنه محبط، وربما يكون فاقدا لمعنى الحياة».. هكذا ربط الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق، وأستاذ علم النفس، بين بطالة الشباب وإحباطاتهم من ناحية، وانتشار وتصاعد ظاهرة الدعاة الجدد، وتماهي جيل الشباب مع تلك الظاهرة، من ناحية اخرى.
وفي معرض تناوله لكتاب «دعاة السوبرماركت» للكاتب الصحفي وائل لطفي، خلال ندوة عقدت بنادي “جاردن سيتي” لمناقشة هذا الكتاب، تساءل الدكتور شاكر عبد الحميد، عن العلاقة بين السوبرماركت، والدعاة الجدد؟، وأجاب بأن عملية الشراء تتم من وجهة نظره لخفض توتر ما، “هذا التوتر موجود على المستوي الفردي، كما هو موجود على المستوي الجمعي، القلق المجتمعي هذا ناتج عن الشعور بالفراغ، الشعور بسقوط الأحلام، وظاهرة الدعاة الجدد، ما هي إلا مجرد محاولة لملء هذا الفراغ.
الدكتور شاكر عبد الحميد
يملأون فراغا
ومن جانب اّخر، يضيف شاكر عبد الحميد: «فإن الإعلان يمثل جوهر ثقافة الاستهلاك، وثقافة الاستهلاك تلك مرتبطة بثقافة الصورة، والدعاة الجدد، ما هم سوي مجموعة من نجوم الإعلان، تولى رجال الأعمال عبر فضائياتهم صناعة هؤلاء النجوم، والجمهور يتم جذبه واستقطابه عبر آلية التكرار، ذلك أن التكرار يخلق حالة من إدمان الاستماع لهذا الداعية، بما يجسده من أداء حركي، وطريقة في التواصل اللفظي».
جانب من الندوة
الدعاة الجدد إذن هم نجوم يمتلكون هالة، ويملأون فراغا، يدعون الشباب للعمل الخاص، كحل في مواجهة تخلي الدولة عن دورها في توفير فرص عمل لهؤلاء الشباب، يؤكد شاكر بعد الحميد، مضيفا أن ظاهرة الدعاة الجدد لم تختف، لأن الفراغ مازال قائما، «الدعاة الجدد حاليا في حالة كمون، وسرعان ما سيعاودون نشاطهم إذا ما استمرت حالة الخواء الثقافي، الذي يعاني منه المجتمع المصري حاليا».
على العكس من ذلك، يرى الدكتور أحمد زايد استاذ الاجتماع، الذي شارك في مناقشة الكتاب، أن الدعاة الجدد، ظاهرة برزت، ثم سرعان ما اختفت، ويتساءل عن السر وراء هذا الاختفاء، وهل له علاقة ما بالظرف السياسي، أم انهم مجرد أفراد يبحثون عن الثروة، وبمجرد أن تحقق لهم حلم الثروة، عادوا من حيث جاءوا؟
الدكتور أحمد زايد
وينتقد الدكتور أحمد زايد، فكرة ربط ظاهرة الدعاة الجدد، بالفكر البروتستانتي، مشيرا إلى أن البروتستانتية، كمذهب في الديانة المسيحية، فلسفة لها عمق تاريخي، وهى حركة اجتماعية دينية فلسفية، لها رسالة واضحة، تدعو لنوع من التدين مرتبط بالحياة، فهي فلسفة تربط بين الدين والسعادة، الدين والبهجة، الفلسفة البروتستانتية تدعو إلى العمل والإنجاز.
ويشبه زايد، ظاهرة الدعاة الجدد بالسوق،”فهم يبيعون سلعة، والشباب في حاجة إلى نوع جديد من التدين، وهؤلاء الدعاة ظهروا في قلب مجتمع استهلاكي، هذا المجتمع الذي يعتمد على الاستهلاك، يتحول كل شيء فيه إلى شيء اّخر، حيث يتحول الدين إلى سياسة، وتتحول السياسة إلى فن، ويتحول الفن إلى الدين، ويتحول الدين إلى الفن، في المجتمع الاستهلاكي يتم اللعب بكل شيء، لأن الهدف الرئيسي لهذا المجتمع هو الربح.
جانب من الندوة
داعمون للإخوان
يختتم أحمد زايد حديثه بتأكيده على أن الدعاة الجدد ليس لديهم أي مشروع ديني، يتجاوز الإخوان المسلمين والسلفيين، على العكس من ذلك، فقد قاموا بدعم الاخوان والسلفيين، عبر تجهيز جيل من الشباب، لديه الاستعداد التام للانضمام بسهولة لأي من هذين التيارين.
أما الكاتب والباحث نبيل عبد الفتاح، والذي أدار الندوة، فيرى أن ظاهرة الدعاة الجدد تعد تعبيرا عن نمط جديد من أنماط التدين الإسلامي، في إطار الطبقة الوسطى الحضرية، كما انتشر خطاب السلفية في إطار الطبقة الوسطى الريفية، وهنا يمكن ملاحظة أن خطاب دعاة السوق أو دعاة المول، أو دعاة السوبر ماركت، كما يطلق عليهم وائل لطفي، هو خطاب شبابي، موجه لفئة الشباب التي تتجاوز الثلاثين في المئة من نسبة المجتمع المصري.
نبيل عبد الفتاح
وفي حين أكد احمد زايد على أن خطاب الدعاة الجدد لا يمت بصلة للخطاب البروتستانتي، اختلف معه نبيل عبد الفتاح مؤكدا على أن خطاب الدعاة الجدد يستمد هويته من أنماط الوعظ البروتستانتي الذي لا يقيم تمايزات في الزي بين رجل الدين أو الداعية والمتلقي.
خطاب الدعاة الجدد، لا يركز على المضامين الدينية المحضة، يضيف عبد الفتاح، وإنما هو خطاب يركز على لغة الحياة العادية، التي تحقق نوعا من التواصل بين المرسل والمتلقي، بين منتج الخطاب ومستهلكه، وهم يحاولون فى ذلك أن يوفقوا بين ما يتكلمون فيه من أمور الحياة العادية والنصوص الدينية.
وهو خطاب – وفقا لنبيل عبد الفتاح- يركز على القضايا الفردية، وعلى الحوافز الفردية، والحراك الاجتماعي الفردي، وعمل الخير الذي يذهب بالذنوب ويتجاوزها، باختصار هو خطاب يركز على العمل والنجاح الفردي ومراكمة الثروة. ويؤكد نبيل عبد الفتاح، على أنه لا يوجد خلاف كبير بين ما تدعو إليه جماعة الإخوان المسلمين وما يدعو إليه الدعاة الجدد، ذلك أن بعض الخطابات التمهيدية التي تستخدمها جماعة الإخوان لجذب أعضاء جددا، لا تختلف كثيرا عن خطاب الدعاة الجدد. من هنا كان لهؤلاء الدعاة دور بارز في دعم جماعة الإخوان، في أعقاب ثورة 25 يناير، حيث مهدوا الأرض للجماعة كي تتمكن من تمدد عضويتها.
وائل لطفي يوقع الكتاب