ظهر الداعية السعودي عائض القرني، أحد أبرز وأشهر قادة ما يعرف بتيار الصحوة الإسلامية في المملكة العربية السعودية عبر قناة «روتانا خليجية» في أول هذا الشهر الكريم، ليقدم اعتذاره باسمه وباسم «الصحوة» للشعب السعودي، راجيا منه قبول هذا الاعتذار، معترفًا بشكل دراماتيكي: أن تياره قدم خطابا خالف الكتاب والسنة وخالف سماحة الإسلام وخالف الدين المعتدل الوسطى الرحمة للعالمين وضيق على الناس، وأنه الآن مع الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم، «والذى هو ديننا وأنني انتقلت من التعسير الى التيسير ومن التنفير الى التبشير».
الصحوة ولعبة الاخوان في التخفي والاختراق
تغيير الأسماء بغرض التخفي والتعايش الآمن مع البيئة هي لعبة تتقنها وتحسنها جماعة الاخوان المسلمين، ففي عام 1936م التقى حسن البنا أثناء رحلته للحج بالملك عبد العزيز آل سعود، وبعدما قبّل يده طلب منه أن يسمح لجماعته بإنشاء فرع لها على أرض المملكة، فقال له الملك بذكاء: يا شيخ حسن كلنا إخوان مسلمين.
تحقق حلم البنا بعد رحيله على يد أتباعه من بعده الذين هاجروا من مصر بعد صدامهم مع عبد الناصر أو مع النظام البعثي في سوريا. فمن مصر كان المرشد المحلي الأول للجماعة في المملكة العربية السعودية هو «منّاع القطان» ابن محافظة المنوفية، الذى خرج منها مهاجرا للمملكة بين عامي 1953م أو 1954. تدرج القطان في المعاهد والكليات السعودية حتى أصبح رئيس المعهد العالي للقضاء والمشرف على أقسام الدراسات العليا في المملكة السعودية.
مناع القطان حسن البنا
سيد قطب في جامعات المملكة
أما الرجل الأخطر والأكثر تأثيرًا، فقد كان «محمد قطب» الأخ الأصغر لمنظر الإخوان الأبرز «سيد قطب». فرّ محمد قطب إلى السعودية بعد الأفراج عنه عام 1971م, ورغم أنه متخصص في الأدب الإنجليزي ولم يحصل على الماجستير أو الدكتوراه، إلا أن المملكة استقبلته استقبالًا مدهشا وعينته مدرسًا بكلية الشريعة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة. لم يقف نفوذ محمد قطب داخل المؤسسات التعليمة في المملكة عند هذا الحد، بل أسند إليه وزير المعارف «حسن بن عبدالله آل الشيخ» كتابة مقرر التوحيد لطلاب المرحلة الثانوية عام 1977. اكتسب محمد قطب مع مرور الوقت نفوذا كبيرا داخل المملكة مكّنته من أن يكون مشرفًا على قسم الدراسات العليا بكلية الشريعة بالجامعة، فتخرجت على يديه وتشربت أفكاره أجيال من النخبة الدينية والثقافية جعلته فيما بعد يتبوأ مكانة متقدمة بين هذه النخبة، ليس في المملكة فحسب بل الخليج العربي كله.
سيد قطب، ومحمد قطب
السرورية القطبية
سبق فرار محمد قطب من مصر للمملكة العربية السعودية هروب محمد سرور زين العابدين عام 1970، الرجل الإخوانى العتيد من سوريا بعد صدام الإخوان مع النظام البعثي عام 1969م وانشقاق الجماعة لمجوعتين. فقد آثر بعدها سرور الخروج من هذا الخلاف لوجهة جديدة وأرض بكر بعيدة عن هذا الخلاف ،فكانت أرض الحرمين الشريفين وتحديدًا في منطقة البريدة التابعة لإمارة القصيم، حيث عمل مدرسًا للرياضيات بالمعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود.
انطلق سرور من هذا المعهد ناشرًا لفكرة الإخوان بعد أن مزجها بالسلفية السائدة في الجزيرة العربية لينتج ما اطلق عليه فيما بعد «السرورية» أو التيار السروري نسبة له. وقد زايد سرور على السلفيين التقليديين في الاختيارات الفقهية والعقدية والاجتماعية، وفى الوقت ذاته أخرج السلفية من حالة الجمود لحالة الديناميكية الحركية الإخوانية الاجتماعية والسياسية.
محمد سرور زين العابدين
الصحوة هي الشكل الإخواني في المملكة
من هذه الروافد الإخوانية الثلاثة، وعلى يد منّاع القطّان، ومحمد سرور زين العابدين، ومحمد قطب تشكّل ما سمّى تيار الصحوة والذى كان عائض القرني أبرز نجومه، إلى جانب سلمان فهد العودة الذى تتلمذ على يد محمد سرور زين العابدين, وسفر الحوالي تلميذ محمد قطب. فقد أشرف قطب على رسالة الماجستير والدكتوراه لسفر الحوالي (رسالة الماجستير كانت بعنوان «العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة»، أما الدكتوراه فكانت بعنوان «ظاهرة الإرجاء في العالم الإسلامي» والتي جاءت تكريسًا واضحاً لأفكار سيد قطب من الحاكمية ومقتضى «لا إله إلا الله» وما يتبع ذلك من تكفير لجميع المسلمين تحت زعم أن سقوط الحكم بما أنزل الله هو سقوط للأصل ونقض مبطل لمعنى لا إله إلا الله حتى وإن صلى صاحبها وصام وحج البيت فليس بمسلم فقد نقض لا إله إلا الله).
قطب أشرف أيضًا على رسالة محمد بن سعيد القحطاني في الولاء والبراء ورسالة «أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية، والرد على الطوائف الضالة فيه» لعلي العلياني، ومنهج الدعوة النبوية في المرحلة المكية لعلي الحربي والوثنية الحديثة وموقف الإسلام منها ليوسف الأحمد، وفكرة القومية العربية في ضوء القرآن لصالح العبود، لتحيا بعد ذلك أفكار سيد قطب في أروقة أكبر الجامعات في المملكة، وعلى يد نخبة عُرفت باسم «الصحوة» شكلت الوعى العام لقطاع عريض من شباب المملكة العربية السعودية والعالم العربي والإسلامي الذى مازال يحصد ثمارها المريرة.
محمد بن سعيد القحطاني
الإخوان وتردى المجتمعات
في ضوء كل ما سبق تأتى أهمية الاعتذار الذى قدمه واحد من نجوم هذه الصحوة عائض القرني، الذى أكد أن حركته مارست الوصاية على المجتمعات وفى القلب منها المجتمع السعودي، وعرقلت نضجها وتقدمها وانفتاحها، وساهمت في ترديها وتأخرها إنسانيا واجتماعيا وثقافيا، حيث اهتمت بالمظهر على حساب المخبر، وقسمّت المجتمع إلى ملتزم وغير ملتزم وتبنت الغلظة في الأحكام والفتوى وتهميش كبار العلماء وجعلت من ترك الصحوة،تركا للتدين، والحرب على الصحوة حربا على الدين.
القرني برر أخطاءه وأخطاء حركته بقوله: «لسنا بأنبياء معصومين، فكل يأخذ من كلامة ويرد، إلا الرسول، وقد عرفنا هذا بعدما كبرنا ونضجنا وزاد العلم وطال العمر فاكتشفنا هذه المأخذ».
يؤمن تيار الصحوة متشبعا بأفكار الإخوان بالأممية وفكرة الخلافة على حساب الدولة الوطنية وقد طالب القرني الإخوان بالتراجع والاعتذار للشعوب عن الدماء، وقال رافضا فكرة الخلافة: «ما الخلافة إنها ليست من أصول الدين وإنها بيع للوهم، فالخلافة في السراب مثل المهدى في السرداب».
أخطاء الصحوة
لخّص القرني أخطاء الصحوة في ثلاث نقاط: أولا :مصادمة الدولة وثانيا: تهميش كبار العلماء، وثالثا: الغلظة التي أدت الى التضييق على الناس في الحلال فحرمّوه، والدخول في تفاصيل التفاصيل في حياة الناس اليومية.