إلى سنوات قليلة مضت كانت لفائف قمر الدين بنداً ثابتا في قائمة شراء «ياميش» أو مستلزمات شهر رمضان لدى الأسرة المصرية، وكان عصير قمر الدين ضيفا خفيفاً جميلاً محبوباً، على مائدة الإفطار الرمضانية. غير أن غلاء أسعاره بشكل كبير في السنوات الأخيرة جعل الاهتمام به يتراجع لدى الكثيرين، خاصة بعد انخفاض كمياته المستوردة من سوريا التي تشتهر بإنتاج أجود أنواع قمر الدين، مع استمرار الحرب في سوريا وتأزم الأوضاع الأمنية هناك، الأمر الذى أثر بالسلب على زراعة وانتاج المشمش، وبالتالي على عملية تصنيع قمر الدين. ومع ذلك – ورغم كل الظروف – ما زال لقمر الدين حضوره الخاص على المائدة الرمضانية في مصر المحروسة.
مشروب له تاريخ
تذهب بعض الروايات إلى أن بداية ظهور «قمر الدين» تعود لنحو أكثر من 1000 عام مضت، إذ يروي أن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، كان يأمر بتوزيع مشروب المشمش فور ثبوت رؤية هلال رمضان، فارتبط هذا المشروب بالقمر أو ب هلال رمضان لذلك أطلق عليه اسم قمر الدين، بينما يرجع البعض تسميته إلى أشهر صُنَّاعه وكان اسمه قمر الدين، ويقول آخرون إن تسميته تعود إلى قرية في بلاد الشام اشتهرت بصناعته اسمها «أمر الدين».
ويعتقد بعض المؤرخين أن أصول المشمش تعود إلى غرب الصين وآسيا الوسطى وربما كوريا واليابان أيضا، وقد بدأت الزراعة المنظمة والمكثفة للمشمش فى الهند منذ 3000 سنة قبل الميلاد.
نشأة قمر الدين الصينية، يدعمها أن الموطن الأصلي للمشمش هو الصين، وكانت هذه الفاكهة تنبت بريا في جبال بكين، وحيث يرجح المؤرخون أن المشمش عُرف في الصين قبل ميلاد المسيح بألفي عام، وزرع فيما بعد في الهند وإيران واليابان
وبالنسبة لإنتاج قمر الدين كانت سوريا في الصدارة بإنتاجه عربيًا والثالثة عالميًا بعد الولايات المتحدة وإيران، وذلك قبل أن يتراجع عدد أشجار المشمش في غوطة دمشق من 214 ألف شجرة عام 1991 إلى 193 ألف شجرة عام 2012، نتيجة لزيادة التوسع العمراني غير المنظم في الغوطتين الشرقية والغربية، وكذلك نتيجة للحرب السورية.
فوائد كثيرة
يعطى قمر الدين نكهة لذيذة ومحببة عند شربه ولهذا المشروب فوائد صحية مهمة منها أنه غنيّ بالمعادن والفيتامينات، وخصوصاً فيتامين A و B1وB2، والصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والحديد. وكذلك يحتوى قمر الدين على فيتامين A و C ما يجعله يوفّر الطاقة للجسم ويخفف من التعب. كما أن عصير قمر الدين غنيّ بالحديد، مما يجعله مفيداً للذين يعانون فقر الدم وللرياضيين. وكلّ كوب من قمر الدين يحتوي على ما يعادل الكميّة الموجودة من الحديد في 250 جرام لحمة حمراء. لذلك فهو مفيد جدا فى تجديد كرات الدم الحمراء وتنشيط الدورة الدموية.
ويساعد شراب قمر الدين (وخصوصاً أنه مصنوع من المشمش)، في معالجة الإسهال و سوء الهضم والغازات والإمساك، وذلك لاحتوائه على البوتاسيوم والصوديوم. وهما ضروريان لصحة الأمعاء، بالإضافة إلى التخفيف من الالتهابات وزيادة المناعة بسبب احتوائه على المواد المضادة للأكسدة.
غير أن قمر الدين يحتوى على نسبة كبيرة من السكّر، ما يستدعي تفادي شربه عند وجبة السحور، لأنه يسبّب العطش، وخصوصاً إذا كان مركّزاً ولذلك يفضل الصائمون شربه على الإفطار فقط، و يحتوي كلّ نصف كوب من عصير قمر الدين على 300 سعر حراري، وهو قد يضر مرضى السكر لأنه يحتوي على كميّة كبيرة من السكر الأبيض، فضلاً عن كونه يسهم في زيادة الوزن، و يمكن للصائم شرب عصير «قمر الدين» باعتدال في حال لم يكن يعاني الأمراض المزمنة كالسكّري. ويمكنه مثلاً تناول نصف كوب عند وجبة الإفطار، ونصف كوب عند وجبة السحور (من الأفضل نصف كوب فقط في اليوم). ومن كان يعاني مشاكل صحية معيّنة، فمن الافضل تجنّبه أو شربه مرّة أو مرّتين في الأسبوع أيضاً كحدّ أقصى.
بدائل وحلول
قرار كثير من الأسر المصرية من الطبقتين المتوسطة والفقيرة الامتناع عن شراء أنواع من الياميش بسبب ارتفاع الأسعار، لم يكن ينطبق عادة على «قمر الدين»، فقد جرت العادة أن يكون مكوناً أساسياً على كل سفرة مصرية وعربية، غير أن ارتفاع سعره بشكل كبير هذا العام والأعوام القليلة الماضية حال دون الإقبال عليه، ودفع المواطنين للتفكير في إيجاد حلول وتوفير البديل. «شربات المشمش» هو أحد أبرز الحلول التي استغنى بها بعض المواطنين عن «قمر الدين»، وفقاً لما أوضحه عامل في أحد محال بيع الياميش، مؤكداً أن فرق السعر كبير بين زجاجة الشربات التي يصل سعرها إلى 10 جنيهات ونصف وبين لفة قمر الدين باهظة الثمن، خاصة أن حجم «اللفة» صغير، وتحتاج الأسرة متوسطة العدد إلى ما لا يقل عن 8 لفات طوال الشهر
تصنيع «قمر الدين» فى المنزل حل آخر فطنت إليه بعض برامج الطبخ، التي قدمت طرقاً مختلفة لطريقة عمل «قمر الدين» فى المنزل لتفادى أسعاره المرتفعة وحازت حلقات «قمر الدين» على نسبة مشاهدة كبيرة.. أما المتبرعون بـ«شنط رمضان»، التي تحتوى كل منها على «لفة قمر الدين»، فقد حرصوا هذا العام أيضا على استبداله بمكون آخر بسبب ارتفاع أسعاره.
وبرغم غلاء الاسعار والظروف الاقتصادية الصعبة يظل «قمر الدين» واحداً من أهم الملامح الرمضانية الجميلة والمتأصلة والمتجذرة في مصر.