يعيد فيلم «الممر» للمخرج شريف عرفة طرح أسئلة عن القصور الواضح في تناول مرحلة مجيدة من تاريخ العسكرية المصرية، وهي حرب الاستنزاف، في السينما المصرية. فالفيلم يعد من الأعمال القليلة التي تتناول مرحلة ما بعد عدوان 1967 وعملية إعادة بناء القوات المسلحة المصرية واستنزافها للعدو على مدار سنوات ثلاث مهدت للنصر في عام 1973.
https://youtu.be/hfGRSJVrlc8
تريلر فيلم الممر
وباستثناء أفلام مثل الفيلم التلفزيوني «الطريق إلى إيلات» للمخرجة إنعام محمد علي، والذي يتناول واحدة من أهم العمليات الفدائية في تلك الفترة، وفيلم «أبناء الصمت» لـ «محمد راضي» الذي يرصد مشاعر جنود مصريين على الجبهة في مرحلتي حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، تكاد تكون تلك الفترة من تاريخ مصر والمنطقة شبه منسية في السينما، رغم كونها واحدة من أهم المراحل في تاريخ المؤسسة العسكرية المصرية.
أبناء الصمت
معجزة عسكرية
ففي الفترة ما بين الأول من يوليو 1967 والثامن من أغسطس عام 1970، حقق جيش مصر معجزة عسكرية بكافة المقاييس، حيث تمكن المقاتل المصري من استعادة توازنه رغم فقدان الجيش لما يقرب من ثمانين بالمائة من إمكانياته، وزاد على ذلك أن بدأ في توجيه الضربات للعدو.
في هذا المقال نحاول رصد أهم المحطات في حرب الاستنزاف وكيف مهدت –بشكل أو بآخر- لنصر أكتوبر عام 1973….
– معركة رأس العش: في الأول من يوليو من عام 1967، وبعد أقل من شهر على العدوان، سعى العدو الإسرائيلي لتعزيز مواقعه بمحاولة إحتلال منطقة بور فؤاد. كان العدو ،مدفوعا بخيلاء إنجازه العسكري في يونيو، يتصور أنه لن يلقي مقاومة تذكر في طريقه إلى تلك المنطقة. إلا أن كتيبة من قوات الصاعقة المصرية لا يزيد عدد أفرادها عن ثلاثين فردا كانوا مسلحين بأسلحة خفيفة تمكنت من صد القوة المهاجمة وإجبارها على التراجع.وبرهن الجندي المصري الذي صمد في رأس العش أن إرادته – رغم ما جرى في يونيو من نفس العام – لم تنكسر.
معركة رأس العش
– معركة الطيران: في يومي الرابع عشر والخامس عشر من شهر يوليو من عام 1967 شهدت منطقة القناة اشتباكات جوية عنيفة بين القوات الجوية المصرية ونظيرتها الصهيونية. كان ظهور سلاح الجو المصري مفاجأة للعدو الذي تصور أن هذا السلاح قد دمر بالكامل، فإذا بالطيار المصري يتصدى له ويجبره على الفرار.
– إغراق إيلات: في 21 من أكتوبر من عام 1967، توغلت المدمرة إيلات أحد أهم قطع البحرية الصهيونية في مياه مدينة بورسعيد، مستفزة عن عمد القوات المصرية المرابطة هناك. إلا أن العدو فوجيء بزوارق الطوربيدات المصرية تمطر مدمرته بصواريخ من نوعية سطح-سطح البحرية، الأمر الذي أدى إلى تدميرها بالكامل. ولم يجد العدو وسيلة لانتشال الغرقى الذين قُدِّر عددهم بالمئات سوى استئذان مصر عن طريق الأمم المتحدة لمدة 48 ساعة للبحث عن جثثهم في مياه القناة. ومنذ ذلك اليوم، دخلت عملية إيلات إلى مناهج المعاهد والمدارس العسكرية حول العالم لكونها أول عملية تتمكن فيها الطوربيدات من إغراق مدمرة بذلك الحجم.
إغراق المدمرة إيلات
– عملية الثأر: عقب استشهاد الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان الجيش المصري على الجبهة في مارس من عام 1969، وجه الرئيس جمال عبد الناصر بضرورة الثأر لمقتله. وقد وقع إختيار القيادة العسكرية على المجموعة 39 قتال بقيادة العميد إبراهيم الرفاعي لتنفيذ هذه العملية، واختار الأخير هدفه، وهو الموقع الذي قصف الشهيد رياض وحدد موعد العملية في ذكرى مرور أربعين يوما على استشهاده أي في 19 إبريل 1969.
جرافيكس لعملة التمساح
بعد منتصف الليل بدأت المدفعية التمهيد النيراني للعملية، وقامت المجموعة بالاستعداد ونفخ القوارب والتخفي من قوات العدو. تمكنت المجموعة من قتل نحو 42 جنديًّا إسرائيليًّا، وتدمير الموقع بالكامل، وزادت على ذلك أن رفعت العلم المصري عليه احتفالا بالأخذ بالثأر، ومكثت فيه نحو 3 ساعات إلى أن أتتها الأوامر بالانسحاب.
تساقط الطائرات: على مدار سنوات حرب الاستنزاف الثلاث، كان العدو ينتقم من أية عملية ناجحة للقوات المصرية على الجبهة بقصف العمق المصري واستهداف المدنيين، ولم يتورع عن أن يضع مدرسة إيتدائية ومصنعا مليئا بالعمال في بنك أهدافه. أدى هذا الأسلوب من قبل العدو في باديء الأمر إلى تهجير أهالي منطقة القناة، لتفادي الخسائر في صفوفهم، ثم سطّر المدنيون والعسكريون على السواء على طول خط القناة ملحمة أسطورية لبناء حائط صواريخ في تلك المنطقة لصد غارات العدو.
وفي صباح يوم 30 يونيو من عام 1970 بدأ الهجوم الإسرائيلي بقوة 24 طائرة وتصدت له قوات الدفاع الجوي مسقطة طائرتين من طراز فانتوم واثنتين من طراز سكاي هوك وتم أسر ثلاثة طيارين. استمرت الطائرات في التساقط على يد الدفاعات المصرية مما حدا برئيسة الوزراء الصهيونية في تلك الفترة جولدا مائير للقول «إن سلاح الجو الإسرائيلى يتآكل».
كان أسبوع تساقط الطائرات سببا رئيسيا في أن تهرع الولايات المتحدة لإنقاذ إسرائيل مقدمة ما عرف بمبادرة روجرز لوقف إطلاق النار، والتي قبل بها الرئيس عبد الناصر لاستكمال بناء حائط الصواريخ الذي أدرك أنه سيكون عماد عملية العبور القادمة. ودخل وقف اطلاق النار حيز التنفيذ مساء الثامن من أغسطس عام 1970 ، لتطوي مصر بذلك واحدة من أعظم صفحات تاريخها العسكري المعاصر، وتبدأ مرحلة جديدة في مشوار الإعداد لمعركة التحرير والتي إنطلقت بالفعل في السادس من أكتوبر عام 1973.