أواجه المقاصل المعدة لكسرالروح بالكتابة.. الحفر على جلد الروح، طوال الوقت أخشي النسيان الذي صار يحاصرني، نسيت أن أضع السكر قبل الشروع في غلي قهوتي، غالبا لا أحب سكب الأشياء التى بذلت فيها مجهودا، أعيد عمل القهوة مع بعض الحذر من أن يهاجمني النسيان ويدفعني مرة أخرى لشربها مرة.
في الماضي كان من السخف أن أشرب قهوة في بلادٍ وبيوتٍ كوبُ الشاي وقت العصر فيها مضرب مثل، القهوة غائبة عن بيوتنا وأمهاتنا لاتعرف بالطبع معنى أن تُحضر كنكة صغيرة لصناعة كوبين من القهوة، بيوتنا مزدحمة بالأرواح الطيبة، الضحكات تزاحم بعضها على وجوهنا، والقهوة عادة لاتحتاج إلى هذا المزاج الصاخب ولا إلى زحمة الأرواح.
عرفت القهوة في وقت متأخر وكنت أشربها على سبيل الإفاقة والهرب من النوم.. كنت أطلبها «قهوة زيادة»، ومع الوقت قررت أن تكون قهوتي مضبوطة.. تغيرت عاداتي كثيرا من القرية إلى المدينة ..مثلا غابت لهجتى المقفولة، الإ أن استعادتها تأتى دون وعي.. في أكثر المواقف عصبية يتلبسني جِذري، ويخرج ذلك الكائن المطموس في عمق الروح بكل ما فيه من غضب، تعود علامة تقطيبة الجبين الحادة، والوجه الأبنوسي شريك الشمس على وجه الأرض في قسوته ووهجه.
تعود اللهجة الحادة والقاطعة كنهر جارف، فيضان من الكلمات غابت كثيرا، تستعيد مكانها على لسانى وكأنها شجرة سنط استعادت الحياة، وكسرت فاشية لهجة المدينة الرقيقة التى صارت جزءاً من أحاديثنا اليومية مع أصدقائنا من أهل المدينة ،أستعيد لهجتى الجنوبية، وكأنها جزء من موروث ثقافي قد نسيته، عبر جلسات منفصلة أو مصادفة مع أصدقائي من الجنوب.. نستعيد اللهجة ومعها سرب من الضحك والقفشات والحكايات القديمة التى عشناها.
مؤخرا جمعنى لقاء بصديق جنوبي ، قررنا دون أدنى سبب أن نسترجع حكاياتنا مع ألعابنا القديمة الخاصة بنا وأسمائها التى عرفناها بها.. منها «الحجلة والحامية، والغميضة، وطقشة مقشة» وغيرها من الألعاب الأخرى.. كان يشاركنا حوارنا صديق عاش حياته كلها في منطقة صناعية، كان يضحك وكنا نضحك على ضحكه ودهشته في الوقت الذي كنا نستعيد فيه طفولتنا.