منوعات

التيار السلفى.. براجماتية الواقع ومنهجية التحايل

على الرغم من خطورة الأفكار التي يطرحها التيار السلفى، فإنه يحظي فى هذه المرحلة بتغافل متعمد عن دعوته لمنهجه وتحركه فى الشارع المصرى، بالإضافة لتواجده ومشاركته فى الحياة السياسية من خلال حزب «النور» ونوابه فى  مجلس النواب الحالي.

شرعنة الانسحاب التكتيكي

والمتابع الجيد لحركة هذه الجماعات، يدرك أنه لا توجد جماعة تفوق جماعة الإخوان المسلمين فى قدرتها على التمدد  والانكماش والتكيف والتماهى مع الضغوط وتفادى الضربات، سوى ما يسمى بالتيارالسلفى. فلدى هذا التيار قدرة غير عادية على تأمين أفكاره، وهو فى الوقت ذاته يضع بعض الصور والعناوين الخادعة، التى تحول دون رؤية خطورته مثل عدم تكفير الحاكم، وادعاء محاربة التكفير واستنكار حمل السلاح.

 لكن ما هى حقيقة رأى قادة التيار السلفي في العديد من المسائل العملية: كمفهومهم للوطن وموقفهم من تحية العلم ومن السلام الجمهورى؟ وما هو موقفهم من الفن؟ وكيف يرى هذا التيار الأحزاب المصرية- رغم مشاركته فى الحياة السياسية-، وكيف يصفها وما هو حكم التحالف معها حسبما يعتقد؟، وما هو الموقف من القضاة المصريين وحكم التقاضى أمامهم؟، وما رأيهم في استخدام العنف وحمل السلاح؟

https://youtu.be/-3y7MvaAaq8

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها هذا التيار بالفعل وبوضوح لافت، من خلال إصداراته المتنوعة، ومن خلال موقع «anasalafy» وهو الموقع الناطق والمعبر عن الدعوة السلفية بالإسكندرية.  

فعلى سبيل المثال يرى الدكتور «ياسر برهامى»، أحد قيادات التيار السلفى البارزين «أن الوقوف للسلام الجمهورى أو تحية العلم حرام وغير جائز». وكلنا يذكر أزمة عدم وقوف النواب السلفيين فى البرلمان السابق (2012) للسلام الجمهورى. وفي رده على سؤال له بهذا الخصوص- بعد تجريم عدم الوقوف للسلام الوطني-  قال برهامي: «لقد أصبحتْ هذه المسألة (يقصد تحية العلم) مع وجود قانون يقضي بالسجن 6 أشهر لمن لا يقف للسلام الجمهوري مسألة يكون الحاضر فيها مكرهًا معذورًا»، وهي إجابة تؤكد موقفه الرافض للوقوف للسلام الجمهوري وإن فعل فيكون إضطرارا …

Image result for ‫ياسر برهامي‬‎

ياسر برهامي

أما عن رؤية السلفيين للفن فهى لاتختلف عن نظرة داعش أو أى جماعة متطرفة أخرى. ففى سؤال موجه للدكتور «برهامى» عن موقفه من تصريحات نادر بكار (أحد قيادات حزب النور) عن أنه أنه لا يجد غضاضة في مشاهدة الأفلام، وأن سماع الأغاني خلاف سائغ (بمعنى انه خلاف معتبر بين أهل العلم)، فكان جوابه: «هذا الكلام خطأ مِن قائله أيًّا مَن كان، وعليه أن يراجع الحق في ذلك، فإن مسألة المعازف والأغاني كما يشاهدها الناس ليست من الخلاف السائغ؛ فإن الله -سبحانه- ذم مَن اختلف بعد مجيء البينات، والبينات هي: نصوص الوحي المنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- كتابًا وسنة، والإجماع كاشف عن ذلك، والقياس الجلي من الميزان الذي أنزله الله، فالخلاف السائغ هو ما لا يصادِم نصًّا من كتاب أو سنة أو إجماعا أو قياسا جليا، وأما ما صادم نصًّا من كتاب أو سنة أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا؛ فهو خلاف غير سائغ، وغير معتبر؛ ولذا لا يعتد به».

تعليق د. «ياسر برهامي» على تصريحات أ. «نادر بكار» حول الغناء والتمثيل

Image result for ‫نادر بكار‬‎

نادر بكار

خطاب مزدوج

يكشف هذا الجدل الذي دار بحدة منذ يناير 2011 داخل التيار السلفي، أن هناك خطابا يحرص على الا يصدم أويخيف جمهور الناس يقال فى العلن على لسان بعض رموز التيار على عكس القناعات الحقيقية لهذا التيار، وهى المهمة التي لعب نادر بكار دورا محوريا فيها. ومن خلال هذا الخطاب المزدوج يسعى السلفيون لتحقيق هدفين أساسيين: الأول، هومخادعة جمهور الشعب المصرى من خلال تصريحات مهذبة لقيادي مثل نادر بكار. أما الهدف الثاني فيتمثل في استعادة توزان جماعتهم بسرعة من خلال عودة بكار في مرحلة لاحقة لإعلان اعتذاره معترفا بخطأه في الفهم بعد وصول حملة النقد السلفي لتصريحاته الأولى للدرجة الحرجة.

الموقف من القضاء والقضاة

 أمر آخر مهم يخص هذا التيار وهو ما يتعلق بالموقف من القضاء والقضاة، والحقيقة أنه لاغضاضة عند السلفيين من وصف قضاة مصر بالكفر، كل ما فى الأمر أنهم يفعلون ذلك بشكل مراوغ  فيقولون مثلا: إن القضاة الذىن يحكمون فى غير الأحوال الشخصية وبعض المسائل التى لاتخالف الشريعة «كفار كفرا نوعيا»، فمجموع ونوع القضاة بالإجمال كفار دون تعيين أشخاص بالاسم، لأن كفر العين بمعنى كفر فلان الفلانى بالذات هذا يلزمه ثبوت شروط وانتفاء موانع.

 وإنطلاقا من هذه الرؤية فإن ياسر برهامى، لا يرى مانعا من أن يأتى إليه أى أحد بعد التقاضى أمام القضاء المصرى ليصلح ويعدل حكم المحكمة وفقا لما يراه هو شرع الله، ولعلنا نذكر كيف انتشرت المحاكم العرفية فى سيناء ومطروح عقب ثورة 25 يناير بقيادة السلفيين لأنهم لايؤمنون أساسا بالتحاكم للمحاكم المصرية وأمام القضاء.

يذهب برهامى لأبعد من مسألة عمل القضاة حيث يفتى بعدم جواز العمل فى المحاكم المصرية حتى لو كانت الوظيفة هى مجرد حفظ القضايا من الناحية الأرشيفية، فكل ما سوى الأحوال الشخصية فى القانون مخالف للشريعة ومن ثم لا يجوز الإعانة أو العمل فيه.

العمل بالحفظ الجنائي في المحاكم الوضعية

الموقف من الأحزاب المدنية والأقباط

أما فيما يخص مسألة خوض حزب النورللانتخابات البرلمانية وأنه ليس حزبا مخالفا للدستور، وليس لديه أى مانع من التحالف مع أى حزب من الأحزاب القائمة لأجل مصلحة مصر، كما يقول قادته. فدعونا نتوقف هنا عند هذه  الإجابة القديمة لياسر برهامى (النسخة الأصلية)، حينما سأله أحد أفراد جماعته سؤالا كان نصه: «نريد من فضيلتكم تفصيلاً ومراجعة وردًا على كلام الدكتور «عماد عبد الغفور» (رئيس حزب الوطن)، حيث تحدث عن إمكانية التحالف مع الليبراليين، وكذلك «الكتلة»، بل وتحدث عن إمكانية التحالف مع «ساويرس»، ووصفه بالسيد «نجيب ساويرس» فهل يجوز أن أقول على الكافر كلمة السيد؟

الجواب: «أما بعد  فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ) ؛ فلا يجوز أن يُقال للكافر، ومَن أظهر نفاقه: سيدًا.. وأما مسألة التحالف مع المناهج المخالفة للشرع؛ فلا يجوز إلا مع ما فيه تعظيم لحرمات الله، وهو في الحقيقة إجابة للحق، ليس تحالفًا كالتحالفات المعروفة في التناصر على الحق والباطل، فإنها لا تجوز قطعًا. وكذا التحالفات التي تهدف إلى «تقسيم الكعكة» -كما يقولون-، أي يظل الليبرالي على ليبراليته يدعو إليها ويسعى إلى إقامتها، والديمقراطي على ديمقراطيته يدعو إليها ويسعى إلى إقامتها على مفهومها الغربي المتضمن لإثبات حق التشريع لغير الله، وإطلاق الحريات بلا ضابط من الشرع، في حين يبقى الإسلاميون على ما هم عليه، فهذا تحالف ليس على الإجابة للحق ونصرة المظلوم، ونحو ذلك مما كان عليه «حلف الفضول»، فقياس أحدهما على الآخر قياس فاسد وباطل». 

 وفي كتابه «فقه الخلاف» يرى ياسر برهامى «أن هذه الأحزاب تمثل أهل البدع المعاصرة المنتسبين فقط  للإسلام لكنهم فى حقيقة الأمر داعون إلى الكفر والنفاق وأصحاب مذاهب إلحادية مثل العلمانيين، وكل أصحاب القوانين الوضعية والديمقراطيين والاشتراكيين والوطنيين والقوميين الذين يريدون هدم الرابطة الدينية للمجتمع –حسب تعبيره- وإقامة الرابطة الوطنية بدلا منها، «ومن ينادى بلزوم اتباع الغرب وتقليده وكذا سائر الاحزاب القائمة على خلاف مبدأ دين الله أو مبادئ دين الله سبحانه وتعالى». 

 وفي رأي برهامي فإن القبول بتصدر أمثال هؤلاء ورياستهم للمجتمع والإقرار بولايتهم على المسلمين «من أعظم ما يؤدى إلى فرقة المسلمين وهلاكهم فى طاعة هؤلاء»

تلك هي إذن نظرة التيار السلفي للأحزاب المدنية وتوصيفه لها بالخطأ وعدم الفهم السليم بأنها تنازع الله جل جلاله الحق فى التحليل والتحريم، وبالطبع هذا كلام فاسد عار من الصحة تماما. والحقيقة أن هذا التيار دائمًا ما يفرق بين ما هو تكتيكى مرحلى حسب ما يقضيه الظرف والوقت، وبين ما هو استراتيجى دائم ثابت لايتغير.. بين الامر الواقع الذى يتعايش معه لكونه واقعا دون أن يرتضيه مع السعى الحثيث لتغييره، وبين الأمر الشرعى الذى يعتقده وهو الحق دون سواه. ففى كتيب «السلفية والعمل السياسى» يقول برهامى: «القضية أننا نعرف الفرق جيدا بين الواقع الممكن وبين المطلوب المشروع ،وعقيدتنا لا يمكن أن نتنازل عنها.. لكن هل نقدر على هذا الآن أم لا؟ وما الذى نقدر عليه منها وما الذى نعجز عنه؟.. قلت لك مرارا وتكرارا يحكمنا ميزان القدرة والعجز وميزان المصلحة والمفسدة». 

https://youtu.be/pAAdjBVQL-A

لماذا لا يرفع السلفيون السلاح؟

 وإذا كان الوضع كذلك، فإن السؤال هنا لماذا إن لا يرفع أنصار هذا التيار السلاح فى وجه مخالفيه؟..  الإجابة على ذلك هي  أن الظرف والقدرة لا تسمح لهم بذلك، وهو مضمون ما ورد في إجابة  ياسر برهامي  على سؤال كان نصه: «ورد في فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في كيفية معاملة  أهل بلدة «ماردين» وهل هي دار حرب أم دار سلم – كما في نسخة بحث الجهاد لفضيلتكم: “وَأَمَّا كَوْنُهَا دَارَ حَرْبٍ أَوْ سِلْمٍ فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ: فِيهَا الْمَعْنَيَاِن، لَيْسَتْ “بِمَنْزِلَةِ دَارِ السِّلْمِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الإِسْلامِ، لِكَوْنِ جُنْدِهَا مُسْلِمِينَ، وَلا بِمَنْزِلَةِ دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي أَهْلُهَا كُفَّارٌ، بَلْ هِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ يُعَامَلُ الْمُسْلِمُ فِيهَا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَيُقَاتَلُ الْخَارِجُ عَنْ شَرِيعَةِ الإِسْلامِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ». وكنت قرأت كلامًا لكثير مِن العلماء، منهم: الشيخ «جاد الحق»، والشيخ «عطية صقر» في الرد على كتاب الفريضة الغائبة للمهندس «محمد عبد السلام فرج» أن كلمة (ويُقاتل) هي تصحيف والأصل في ذلك (ويُعامل). فما هو الفارق بين اللفظتين؟ وما تأثيرها على الفتوى؟

 فكان جواب برهامي: «أما بعد؛ فلفظة «يُعامَل» أعم مِن «يُقاتـَل»، وقد تكون المصلحة في بعض الأحيان في مسالمة، أو في كفٍ وصبر، أو في هدنة مع العدو، أو في قتال؛ فالاختيار يكون حسب القدرة، ومراعاة الظروف المختلفة.

اقرأ أيضا:

الخروج على الحاكم

السؤال الثانى لبرهامى: هل إذا أقيمت الانتخابات ووصل للحكم رجل لا يحكم بالشريعة هل سنرضى بحكمه أم نخرج عليه؟ أرجو إجابة مفصلة؟

الجواب: «أما بعد، فلا نرضى بحكم مَن لا يحكم بالشرع أبدًا، أما مسألة الخروج فمبنية على مراعاة القدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة- لاحظ أنه لم ينكر الخروج فقط ربط الخروج بالقدرة والعجز- أما ثبوت ولاية الأمر شرعًا فمبناها على إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين، فمن لا يقيم في المسلمين الإسلام والإيمان والإحسان، ويسوس دنياهم بدينهم لم يكن وليًا شرعيًا حتى لو قلنا لا نخرج عليه، أما مسألة التكفير للمعين بعد ثبوت ارتكابه الكفر الأكبر؛ فمبناها على استيفاء الشروط، وانتفاء الموانع.

من خلال هذه الاجابات يتضح أن جل خلاف هذا التيار مع داعش مثلا أومع من يحاولون اغتيال القضاة أويحاربون الجيش والشرطة والشعب المصرى هو خلاف حول بعض الشروط وجودا وعدما، وليس خلافا على شرعية هذا العمل.

فالتيار السلفى يرى أن استخدام السلاح فيه مفسدة ومفتقد لبعض الشروط، لكن ربما يأتي تيار آخر، أو يأتى وقت عليه هو نفسه يرى فيه أن استخدام السلاح ليس فيه مفسدة وجائز شرعا. فجماعة الإخوان ظلت زمنا طويلا تؤكد أنها أقلعت عن العنف ولا يمكن أن تعود إليه، ولكن ها هم بعض أعضائها وشبابها يعودون لاستخدامه، دون رفض واضح من قادتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock