ديون سيرسي – كاتبة سياسية في صحيفة «نيويورك تايمز»
عرض وترجمة: أحمد بركات
كان من المفترض أن تكون نيجيريا قد طوت صفحة حربها الطويلة والدامية ضد جماعة «بوكو حرام». ففي شهر مارس الماضي، أعيد انتخاب الرئيس محمد بخاري، الحاكم العسكري السابق الذي تباهى كثيرا بالتقدم الذي حققته قواته في معركتها ضد التنظيم المسلح، وأكد مرارا وتكرارا أن الجماعة قد «هُزمت من حيث المبدأ». لكن بخاري غرد يوم الثلاثاء 10 سبتمبر على حسابه الخاص على تويتر مؤكدا الوجه الآخر للحقيقة، أو – بتعبير أدق – الحقيقة عينها: «لا تزال الجماعة مصدر إزعاج».
فبعد عقد كامل من الزمان خاضت خلاله نيجيريا معركة ضارية ضد التنظيم المسلح، لا يزال مقاتلو «بوكو حرام» يجوبون القرى في مأمن تام من أي ملاحقة، أو حتى مقاومة. علاوة على ذلك تمتلك الجماعة اليوم طائرات مسيرة أكثر تقدما من تلك التي يمتلكها الجيش وأسلحة ومعدات متطورة للغاية، وذلك بعد الغارات الناجحة التي قام بها مقاتلوها ضد مواقع الكتائب العسكرية، وفقا لما أعلنه سياسيون محليون ومحللون أمنيون.
سيطرة ميدانية وعمليات شبه يومية
وبحسب مسئول فيدرالي، يسيطر مقاتلو «بوكو حرام» على أربع من المناطق العشر التي تتألف منها ولاية «بورنو» في شمال نيجيريا، بالقرب من «بحيرة تشاد». ويقومون حاليا بتنفيذ عمليات بمعدلات يومية، بما في ذلك إطلاق النار الذي وقع في بداية الشهر الحالي على موكب حاكم ولاية بورنو. ويؤكد سكان القرى، مثل قرية كوندوجا، أن هزيمة هذا التنظيم قد باتت ضربا من المستحيل.
على الجانب الآخر، يعاني الجيش النيجيري من انهيار الروح المعنوية، وانخفاض مستوى التسليح، وتراجع الدعم اللوجستي. في هذا السياق، يشكو عدد من الجنود من عدم الحصول على إجازات لفترات طويلة (بلغت في بعض الحالات 3 سنوات كاملة) للعودة إلى ديارهم وتفقد أحوال أهليهم. كما أن أسلحتهم ومركباتهم بحالة سيئة ويعوزها الكثير من عمليات الصيانة والإصلاح.
وفي شهر أغسطس الماضي، أوصى قائد العمليات لافيا دولي – القائد الثامن في عشر سنوات – قادته الميدانيين بضرورة توفير الطعام والماء للجنود. إضافة إلى ذلك، أعلن الجيش النيجيري في الشهر الماضي (أغسطس 2019) سحب قواته من المواقع النائية في القرى، وتجميعها في مستوطنات محصنة يطلق عليها اسم «المعسكرات الكبرى». تقع هذه المعسكرات داخل مدن مخصصة للحاميات العسكرية. وقد قام الجيش النيجيري في السنوات الأخيرة بتسكين عشرات الآلاف من المدنيين – الذين اضطروا إلى مغادرة قراههم بعد ان اجتاحتها قوات «بوكو حرام»، أو بعد أن تم حرقها ضمن استراتيجية عسكرية وضعتها الدولة لتأمين الريف – في هذه المدن. وبرغم أن مدن الحاميات العسكرية تحيطها الخنادق من كل الاتجاهات لحمايتها من أي هجوم، إلا أن هذا الانسحاب منح مقاتلي التنظيم المسلح حرية الانتشار في المناطق الريفية.
في داخل «المعسكر الكبير في مدينة باما» قبل أيام قليلة انطلقت دبابة مموهة في أحد الشوارع، وتدفق من قاعدتها دخان أزرق بكثافة، وبدت سلاسلها الحديدية كأنها أسنان توشك أن تتداعى. كان يقود الدبابة جنود حاسرو الرؤوس ويرتدون قمصانا مفتوحة. اصطدمت الدبابة بحافلة كانت تسد الطريق جزئيا، مما أدى إلى تحطيمها.
في هذا السياق، قال الميجور أك كارما، الذي كان جالسا خلف مكتبه بالقرب من مقر قيادة «المعسكر الكبير في باما»، إن قواته أحبطت هجوما آخر شنه مسلحو «بوكوحرام» قبل هذا الحادث ببضعة أيام، وقلل كثيرا من شأن التهديدات التي تفرضها الجماعة المسلحة، مؤكدا أن «المعسكر الكبير في مدينة باما» يمثل حصنا منيعا يستعصي على قدرات الجماعة الهجومية. لكن رد الجماعة على هذه المزاعم لم يتأخر سوى يوم واحد فقط.
خسائر اجتماعية فادحة
دمرت الحرب ضد بوكو حرام حياة السكان في المناطق الريفية في شمال شرق نيجيريا، التي تعد واحدة من أفقر المناطق في العالم، حيث لجأ أكثر من مليوني نيجيري إلى مغادرة بيوتهم، وقُتل عشرات الآلاف، وأصيب أكثر من ذلك بكثير. كما قامت الجماعة بخطف العديد من المدنيين وجندتهم للقتال ضمن صفوفها.وفي هذا الإطار، أعلنت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» قبل أيام أن حوالي 22 ألف نيجيري قد فقدوا خلال هذه الأزمة.
منذ سنوات قليلة فقط، بدت الأوضاع أفضل على نحو ما. ففي أعقاب انتخاب الرئيس بخاري لأول مرة في عام 2015، حقق الجيش النيجيري تقدما كبيرا في ضرب معاقل الجماعة المسلحة، ونجح في طرد مقاتليها من مدينة ميدوجوري، عاصمة ولاية بورنو، ومن المدن الصغيرة التي كانوا يسيطرون عليها، ثم تعقبهم إلى مخابئهم في الغابات.
الرئيس النيجيري بخاري
لكن مع استمرار المعركة وطول أمدها، شهدت السنوات الأخيرة تحولا لافتا في الاهتمام النيجيري إلى مشكلات أمنية من نوع آخر، مثل حروب العصابات والمعركة ضد متطرفي ولاية زمفارا في شمال غرب البلاد، والمعارك الضارية على حقوق امتلاك الأراضي في ولايات الوسط النيجيري، وجرائم القتل خارج إطار القانون التي ترتكبها قوات الشرطة، وعمليات الخطف من أجل الحصول على فدية التي تفشت بطول البلاد وعرضها. كما أعلن الرئيس بوهاري عن خطط لنقل المواطنين النيجيرين جوا من جنوب إفريقيا بعد تعرضهم لهجمات في إطار سلسلة من أعمال العنف نظمها متطرفون قوميون معادون للأجانب.
انسحاب صريح
ورغم تأكيدات القادة العسكريين، الذين تواجههم عاصفة من الاتهامات باعتمادهم على استراتيجيات قديمة وغير فعالة، بأن «المعسكرات الكبرى» تمثل طريقة جديدة وفعالة للتعامل مع التمرد الذي يستطيع اليوم تنفيذ هجمات أكثر تعقيدا ضد أهداف عسكرية، إلا أن بعض المسئولين يعتبرون هذه المعسكرات شكلا من أشكال الانسحاب الصريح.
في هذا السياق يقول أحد المسئولين الفيدراليين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من تعرض سلامته للخطر بسبب انتقاده للجيش، إن الجنود يتخذون من المعسكرات الكبرى مواقع لتحصين أنفسهم والمحافظة على حيواتهم. ويضيف أن مقاتلي بوكو حرام يستولون على المعدات التي يخلفها الجنود وراءهم عندما يغادرون مواقعهم إلى «المعسكرات الكبرى».
يتسبب الفساد أيضا في إطالة أمد الحرب، حسبما يؤكد مسئولون حكوميون ومحللون أمنيون وعمال إغاثة. ففي الشمال الشرقي من نيجيريا تُتهم «جماعة بوكو حرام» منذ زمن طويل بالتربح من عمليات صيد غير قانونية بطول بحيرة تشاد، حيث تحظر جميع عمليات الصيد، ومن جمع ضرائب من المركبات العابرة. واليوم لا يتورع الجيش عن القيام بالأعمال ذاتها.
من ناحية أخرى، تخصص الحكومة ما يعادل 80 مليون دولار كل ثلاثة شهور للمجهود الحربي، ومع ذلك يفتقد الجنود النيجيريون إلى الذخيرة والرعاية الطبية، مما يثير الكثير من علامات الاستفهام في عقول المواطنين بشأن مصارف هذه الأموال. وفي وقت مبكر من هذا العام اضطر جنود ساخطون إلى مغادرة مواقعهم في مدينة ران، حيث لا تتوافر إضاءة بعد غروب الشمس مما يعرض حياتهم للخطر، حسبما أفاد عمال إغاثة. واضطر آخرون إلى الهروب أمام هجمات الجماعة المسلحة بدلا من التصدي لها بعد أن قاموا بتغيير ملابسهم العسكرية إلى ملابس مدنية، وتركوا شاحناتهم العسكرية تحت الأشجار نهبا لعناصرها. كما لجأ بعضهم إلى الاختفاء في بيوت المدنيين لعدة أيام بينما كان المسلحون يعيثون في الشوارع وينهبون المستشفيات ويضرمون النار في المباني الحكومية والمخيمات العسكرية، حسبما أفاد سكان محليون.
ولاية غرب إفريقيا
ويعتقد مسئولون أن هذه الهجمات نفذتها عناصر ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم الدولة، وهي جماعة انشقت في عام 2016 عن قوات «بوكو حرام» التي كان يقودها أبو بكر شيكاو بسبب هجومها على مدنيين مسلمين. وتضم هذه الجماعة حوالي 3000 مقاتل، ومنذ عام 2018، قامت الجماعة، بعد أن تلقت تعليمات من «تنظيم الدولة الإسلامية» في سوريا، بمهاجمة مقار كتائب عسكرية ومقار قوات مكافحة الإرهاب متعددة الجنسيات، والسيطرة على كميات كبيرة من المعدات والأسلحة.
ويُعتقد أن هذه الجماعة قد انشقت إلى فصائل متعددة يسيطر بعضها على مناطق بالقرب من بحيرة تشاد وأماكن أخرى، حيث يقومون بإدارة المحاكم وتقديم الخدمات الصحية ومتابعة الأسواق، كما يؤكد فينسينت فوتشر، المستشار في «مجموعة الأزمات الدولية».
وفي بعض المناطق الي تقع خارج نطاق سيطرة الجيش، يؤكد السكان المحليون أنهم يتقبلون وجود العناصر المسلحة. وقد عاد هؤلاء السكان إلى مزارعهم وممارسة حياتهم بصورة طبيعية بدلا من تكديسهم في مخيمات مزدحمة، وتركهم نهبا لوباء الكوليرا وأمراض أخرى.
وقد بدأت بعض المنظمات الإغاثية في سحب منسوبيها معتبرة أن الصراع طويل وممتد، وأنه لم يعد يمثل حالة طوارئ تستدعي وجودها.
ويأتي ذلك كله، وسط تقارير عن نشاطات مسلحة تقع بمعدلات شبه يومية، من قبيل إلقاء قنابل يدوية على مواقع الأمم المتحدة في مدينة بانكي، والهجوم الذي وقع قبيل أسابيع ضد قافلة مساعدات وأسفر عن مقتل السائق وخطف خمسة عمال بالقرب من دامبوا، والتفجير الانتحاري الذي أسفرعن إصابة أربعة أفراد في ديكوا.
ورغم أن مدينة ميدوجوري، وهي مركز تجاري رئيسي في شمال نيجيريا، لم تتعرض لأي هجوم على مدى شهور، إلا أن عمال الإغاثة ومسئولين حكوميين يؤكدون أنها محاصرة بالعناصر المسلحة من كل جانب. وقد قامت عناصر تابعة لجماعة «بوكو حرام» بمهاجمة قافلة مواد غذائية وملابس على حدود ميدوجوري في آواخر أغسطس، وفقا لأفراد من قوة أهلية تقوم بمساعدة الجيش.
https://youtu.be/x3jef4SCTJc?t=122
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?